- قتل جرجير وانهزام الروم (١)
انتصر المسلمون بفضل الخطة التي دبرها عبد اللَّه بن الزبير، لأن الجيشين اعتادا القتال إلى الظهر وطرح السلاح والركون إلى الراحة بعد العناء من القتال، ثم استئناف الحرب في اليوم التالي وهكذا. ولو بقي الحال على هذا المنوال لطال أمد القتال بلا جدوى لكن عبد اللَّه رأى أن يحارب بنصف الجيش في الصباح والنصف الآخر بعد الظهر حتى لا يتمكن العدو من الراحة كما ألف.
وعبد اللَّه بن الزبير بن العوام أمه أسماء بنت أبي بكر الصدَّيق ذات النطاقين - وهو أول ⦗٦٤⦘ مولود في الإسلام بعد الهجرة - فحنكه رسول اللَّه ﷺ بتمرة لاكها في فيه، ثم حنكه بها، فكان ريق رسول اللَّه ﷺ أول شيء دخل جوفه، وسماه عبد اللَّه، وكان صوّامًا قوّامًا، طويل الصلاة، عظيم الشجاعة. وقد أخطأ جيبون في كتابه: "سقوط الدولة الرومانية" فتوَّهم أن الذي انتصر في هذه الموقعة هو الزبير نفسه الذي تسلق حصن بابليون، والصواب أنه عبد اللَّه بن الزبير، كما ذكره ابن الأثير وابن خلدون.
انهزم الروم وقتل منهم خلق كثير وقتل جرجير. قتله ابن الزبير وأخذت ابنته سبية وكانت تحارب مع أبيها وهي موصوفة بالجمال وتحسن ركوب الخيل وتجيد الرمي. وحاصر المدينة عبد اللَّه بن سعد حتى فتحها ووجد فيها من الأموال شيئًا كثيرًا، وكان سهم الفارس ٣٠٠٠ دينار وسهم الراجل ألفًا، وقد دام القتال خمسة عشر شهرًا.
ولما فتح عبد اللَّه مدينة سبيطلة بثَّ جيوشه في البلاد، فبلغت قَفْصَة (٢) فسبوا وغنموا، وسير عسكره إلى حصن الأجم، وقد احتمى به أهل تلك البلاد فحاصره، وفتحه بالأمان، فصالحه أهل أفريقية على ٢. ٥٠٠. ٠٠٠ دينار (٣) . ونفل عبد اللَّه بن الزبير ابنة الملك، وأرسل إلى عثمان البشارة، وكان مقام عبد اللَّه بن سعد سنة وثلاثة أشهر وذلك سنة ٢٧ هـ، وحمل الخمس إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بمبلغ ٥٠٠. ٠٠٠ دينار فوضعها عنه عثمان، وكان هذا مما أُخذ عليه (٤) .
ومروان بن الحكم هو ابن عم عثمان، وكان مع أبيه بالطائف حتى استخلف عثمان فردهما، واستكتب عثمان مروان وضمَّه إليه.
وفي ذلك بقول عبد الرحمن الكندي:
سأحلف باللَّه جهد اليميـ ... ـن (اليمين) ما ترك اللَّه أمرًا سدى
ولكن خلقت لنا فتنة ... لكي نبتلي بك أو تبتلي
دعوت اللعين فأدنيته ... خلافًا لسنة من قد مضى
وأعطيت مروان خمس العبا ... د (العباد) ظلمًا لهم وحميت الحمى
كان بيع خمس الغنائم لمروان (٥) مما أخذ على عثمان ﵁: ⦗٦٥⦘.
أولًا: لأن مروان ابن عمه.
ثانيًا: لأنه لا يُعلم على أي أساس قدر الخمس بهذا المبلغ فقد يساوي أضعاف ذلك.
ثالثًا: لأن عثمان هو الذي دفع المبلغ.
رابعًا: لأنه لم تجر سنة رسول اللَّه وأبي بكر وعمر ببيع الغنائم لا إلى غريب، ولا إلى قريب، بل كانت توزع على المسلمين في الحال. أما ابن الزبير فإنه رجع إلى عثمان بالبشارة بفتح أفريقية ومعه ابنة جرجير. وقيل: بل وقعت لرجل آخر من الأنصار.
_________
(١) ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٢/ص ٤٨٤.
(٢) قَفْصَة: هي بلدة صغيرة بينها وبين القيروان ثلاثة أيام.
(٣) وقيل بذلوا له ٣٠٠ قنطار من الذهب.
(٤) ابن كثير، البداية والنهاية ج ٧/ص ١٥٢.
(٥) ذكر ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج ٢/ص ٤٨٤: "وحمل خُمس أفريقية إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار، فوضعها عنه عثمان، وكان هذا مما أُخذ عليه".
1 / 63