191

ثم نصب بدله «كوبال سنك»، وبعد مدة قصيرة عزل «كوبال سنك» ونصب ولده الصغير «سيام سنك» ليكون الأمر والنهي حسا ومعنى بيد أمراء الإنجليز، وتحت تصرف الديوان الذي أقاموه من طرفهم! هذا مثال لما يطول عده من أعمال اللورد نورث بروك في الهند.

ثم إن «سوجت سنك» المخلوع ظن أن نورث بروك وحده هو الظالم، وأنه لو رفع أمره للحكومة العليا في لندن يجد لديها عدلا ويصادف منها إنصافا، فجاء من مدة ست نسوات وعرض حاله على الحكومة، فإذا القلوب متشابهة، والنفوس متوافقة، والآراء متألبة على سلب الحقوق، والغلو في العدوان، وفي خلال هذه المدة أنفق كل ما كان عنده في المطالبة بحقه، والمرافعة مع ظالمه، حتى أصبح صفر اليدين، لا يملك قوت يومه، ولا يجد منصفا.

هذا الملك السيئ الحظ مع ما كان له من رفعة الشأن، وارتفاع نسبه في الملك إلى أجداده الأقدمين، من نحو ألف سنة؛ تراه الآن يتضور من الجوع في بلاد أوروبا رث الثياب حقيرا ذليلا، هذا الذي احترمه اللورد نورث بروك الذي تريد حكومة إنجلترا أن ترمي به مصر، وهذا هو الإصلاح الذي يقصد إجراءه فيها!

لكن رجاءنا في المسلمين، وأملنا في المصريين، وقوة إيماننا بوعود الله، وصدق النبأ عما تكنه الحوادث المصرية، وتألب الدول على معاكسة الحكومة الإنجليزية، واضطرار الدولة العثمانية للدفاع عن مصر؛ كل هذا يبشرنا بخيبة هذا الغادر في قصده - والله لا يهدي كيد الخائنين.

الفصل الثامن والثمانون

نكتة

عندما كان الشيخ محمد عبده يحادث أرباب السياسة في لندن كان أغلبهم يقول له: «كثيرا ما سمعنا من الأجانب الذين ينتمون إلى البلاد المصرية أخبارا متعلقة بها، لكنا لا نحلها محل الاعتبار؛ لما نعلم عن بعدهم عن الشعب المصري الحقيقي، أما أنت فلكونك عريقا في المصرية ، وعالما من علماء المسلمين، فنحب أن تبين أفكارك، وما تعلمه من أحوال الأهالي المصريين، وشئون أمرائهم واستعداداتهم، وما يليقون له، وما يليق بهم؛ فإنا نرى ذلك منك حاكيا عن حقيقة الأمر فيهم، وكاشفا عن أفكار أهالي مصر عموما»، وقد أشارت إلى هذا المعنى جريدة «البال مال جازيت».

الفصل التاسع والثمانون

معارضة الإنجليز

تنبهت أفكار الدول الأوروبية في هذه الأيام إلى ما يمسها من إيغال الإنجليز في طمعهم، وأن ظفرهم في أعمالهم المشرقية لمما يخمد أنفاس أوروبا ويسد عليها أبواب التجارة، ولو نجح الإنجليز في سيرهم إلى ما يطمحون إليه، لم يبق موضع قدم للتجارة الأوروبية، فيضرب الفقر في غالب أقطار أوروبا التي قوام معيشتها التجارة، وأن الدول لتعجز بعد هذا عن حاجاتها.

Shafi da ba'a sani ba