عُقُودُ الجُمَانْ
في
عِلْمِ الْمَعَانِي وَالْبَيَانْ
تأليفُ
الإمامِ الحافظِ جلالِ الدِّينِ السُّيُوطِيِّ
المُتَوَفَّى سنةَ (٩١١) هـ
- وهو نظم لكتاب تلخيص المفتاح للخطيب القزويني
المتوفى سنة (٧٣٩) هـ
تحقيق وضبط: عبد الحميد ضحا
Shafi da ba'a sani ba
مقدِّمة المحقِّق
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أمَّا بعدُ:
فقد طلب إليَّ بعضُ أولي العلم والفضل - أولَ عام ٢٠٠٦ م - أن أحقِّق منظومة "عقود الجمان" للسيوطي وأضبطها ضبطا كاملا؛ لأهميتها في علم البلاغة، فلم نر أحدًا ضبطها بكل حروفها، فاستعنت بالله تعالى، وحصلت على مخطوطتها من "موقع مخطوطات الأزهر الشريف"، ثم حصلت على كتاب "شرح عقود الجمان في علم المعاني والبيان"، تأليف الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، وبهامشه: "حلية اللب المصون على الجوهر المكنون"؛ للشيخ أحمد الدمنهوري، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر (١٣٥٨ هـ / ١٩٣٩ م / ٥٩٧).
وانتهيتُ منها في أقل من أسبوعين - بفضل الله - ولكن انشغلت عن طباعتها، حتى يسَّر الله طباعتها الآن (٢٠١٢م).
1 / 5
ومعلومة الصعاب التي يجدها من يضبط أُرْجُوزة لأول مرة دون سابق، فيحتاج المرء إلى إعراب الكلمات والحروف والرجوع لأمهات المعاجم، ووزن كل الأبيات؛ خاصة أنَّ المخطوط مليء بالتصحيف والتحريف والسقط، ولا يوجد به همزات، في أرجوزة ربما الحرف - لا الكلمة - يكسر الوزن والمعنى، وكذلك الكتاب المطبوع مليء بالتصحيف والتحريف والسقط.
لذا؛ اعتمدت على شرح السيوطي نفسِه ﵀ لها في إعراب الكلمات، والمقارنة بين الكتاب المطبوع والمخطوط وشرح السيوطي لترجيح الضبط الذي أراه، وقد أشرت لمعظم التصحيفات في المخطوط، وبعضها فقط في المطبوع لكثرة الأخطاء الطِّباعية فيه، وعدم أهمية ذكرها، وأسأل الله أن ينفع بهذا العمل، ويجعله في ميزان حسناتنا.
1 / 6
تعريف عام بالمنظومة:
نظم الإمام السيوطي (جلال الدين: عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى: سنة إحدى عشرة وتسعمائة) منظومة "عقود الجمان في المعاني والبيان"، نظم فيها كتاب "تلخيص المفتاح" لجلال الدين القزويني، وكتاب "تلخيص المفتاح"؛ للإمام جلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر القزويني الشافعي، المتوفَّى سنة (٧٣٩هـ)، رحمه الله تعالى، اختصره من القسم الثالث من "مفتاح العلوم"؛ للعلامة أبي يعقوب يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الحنفي، المتوفَّى سنة (٦٢٦هـ)، رحمه الله تعالى، واشتهر شهرة واسعة.
ونص السيوطي ﵀ على أنها ألف بيت، وما عددناه هو ألف وستة أبيات؛ ففي المخطوط ألف وخمسة أبيات، فهناك بيت سقط من الناسخ، وهو البيت:
وَسَمِّ بِالتَّسْمِيطِ إِنْ تَوَالَتْ ... ثَلاثَةٌ وَبِالْوِفَاقِ وَافَتْ
1 / 7
وكذلك المطبوع فيه نفس العدد، ففيه بيت سقط أيضا وهو البيت:
أَوْ جُمْلَتَيْنِ اسْمِيَّتَيْنِ جَاءَتَا ... فِعْلِيَّتَيْنِ اسْمًا وَفِعْلًا يَا فَتَى
وهي على بحر الرجز، وإن كان حدث بعض الهنات من خروجه على بحر الرجز في أبيات أشرت إليها في مكانها؛ مثل قوله:
كالْكَرِيمِ مُكْثِرِ الرَّمَادِ
هذا؛ وقد شرحها السيوطي نفسه، وسمى الشرح: (حل عقود الجمان)، ووصفها بقوله:
أُرْجُوزَةٌ فَرِيدَةٌ فِي أَهْلِهَا ... إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي فَنِّهَا كَمِثْلِهَا
قال السيوطي ﵀ في الشرح: "هذه الأرجوزة حاوية لما في (تلخيص المفتاح) في العبارة، وتركت كثيرًا من الأمثلة معوضًا منها زيادات حسنة، بعضها اعترض عليه، وبعضها ليس كذلك ..... وربما قدمت وأخَّرت للمناسبة، ثم من الزيادات ما هو مميز بـ"قلت"، ومنه ما ليس كذلك ... وهو في ألف بيت.
1 / 8
قال: وإنما بلغت ذلك لما فيها من الزيادات، لو اقتصرنا على ما في التلخيص لم يزد على النصف من ذلك".
وأتمَّها في: سلخ جمادى الثانية سنة ٨٧٢، اثنتين وسبعين وثمانمائة.
أوله: (الحمد لله المنزَّه عن المماثلة. . . إلخ)
وأول النظم:
قال الفقير عابد الرحمن ... الحمد لله على البيان
وقد نظَم هذه المنظومة الجامعة - لله درُّه - في يومين اثنين.
وقد اشتهر السيوطي بجودة النظم؛ بل هو مِن أبرع الناظمين في زمانه؛ فقد نظم - رحمه الله تعالى - في أغلب فنون الآلة، ولم يختر إلا الكتب المهمة الأجمع في كل فن، وما عليه اعتماد المتأخرين:
- في علم النحو: نَظَمَ ألفية سماها: (الفريدة في النحو والتصريف والخط)، وشَرَحها في كتاب سماه "المطالع السعيدة"، وهو مطبوع؛ ولكنها لم تشتهر كما اشتهرت ألفية ابن مالك، وعلى الأخيرة الاعتماد
1 / 9
في هذا الفن، وقد نظمها في ثلاثة أيام.
- في علم أصول الفقه: نَظَمَ كتاب "جمع الجوامع" للعلامة تاج الدين السبكي - رحمه الله تعالى - الذي جمعه من زهاء مائة مصنف في الأصول في منظومه سماها (الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع) في ١٤٨٠ بيتًا.
- في علم مصطلح الحديث: نَظَمَ كتاب مقدمة ابن الصلاح في ألفية؛ لكنها لم تشتهر كاشتهار ألفية الحافظ العراقي؛ لأنها أقعد في الفن، ولإمامة مؤلفها، وقد خُدمت بالشرح من نخبة من علماء الحديث.
هذا؛ ومِن المعلوم أن حفظ المتون يُرَسِّخ العلم في ذهن الطالب، ويبني طالب العلم بناء محكمًا.
شرَّاحها:
- السيوطي هو أول شارح لها كما سبق.
1 / 10
- عبد الله بن محمد بن عبد الله الحسيني [٠٠٠ - ١٠٢٧ هـ = ٠٠٠ - ١٦١٨ م]: من العلماء باللغة والبيان، أصله من المغرب، ومولده بقرية قرب دمنهور (بمصر) سكن القاهرة، وتوفي بها عن نحو سبعين عامًا.
من تصانيفه: شرح عقود الجمان في المعاني والبيان للسيوطي، و"رشف الضرب" اختصر به "لسان العرب"، ولم يُكْمله، و"حاشية على حاشية الدَّماميني على المغني".
- عبد الرحمن المرشدي [٩٧٥ - ١٠٣٧ هـ = ١٥٦٧ - ١٦٢٨ م]، عبد الرحمن بن عيسى بن مرشد العمري، الحنفي، المعروف بالمرشدي، (أبو الوجاهة): عالم، أديب، مشارك في أنواع من العلوم، ولد بمكة في ٥ جمادى الأولى، وولي إفتاء الحرم المكي، وقتل بمكة في ٩ ذي الحجة.
من تصانيفه: شرح عقود الجمان في المعاني والبيان للسيوطي، والوافي شرح الكافي في العروض والقوافي، وحاشية على تفسير البيضاوي، ومناهل السمر في منازل القمر، وجامع الفتاوى، وله نثر وشعر.
1 / 11
- محمد بن عبد الكريم بن عيسى بن أحمد بن نعمة الله بن علي الحلبي، الترمانيني الأزهري، الشافعي (نور الدين) [١١٩٨ - ١٢٥٠ هـ= ١٧٨٤ - ١٨٣٤ م]: فقيه، أديب، بياني، نحوي، منطقي، ولد في ترمانين من قرى حلب، وتعلم بها وبحلب، ورحل إلى الجامع الأزهر بمصر، وعاد إلى حلب فتولى التدريس بجامعها الأموي، ثم الإفتاء على مذهب الشافعي إلى أن توفي.
من تصانيفه: شرح عقود الجمان في المعاني والبيان للسيوطي، وحاشية على منهج الطلاب في فروع الفقه الشافعي في مجلدين، وشرح المقدمة الآجرومية في النحو، وشرح التهذيب في المنطق، وشرح في ميادين الأدب.
- علي بن عبد القادر بن سالم العيدروس العلوي [١٢٩٢ - ١٣٦٤هـ = ١٨٧٥ - ١٩٤٥م]: أديب، نحوي، منطقي، بياني، من أهل حضرموت.
من تصانيفه: شرح عقود الجمان في المعاني والبيان للسيوطي،
1 / 12
وشرح ألفية السيوطي في النحو، وشرح الشمسية في المنطق.
أما بيانات المخطوط، فهي كالتالي:
اسم الكتاب: حل عقود الجمان، في المعاني والبيان - المؤلف: جلال الدين السيوطي، مخطوط محفوظ بالمكتبة الأزهرية، رقم النسخة: (١٨٧) [٥٣٣٨]، عدد الأوراق: ١١٩ ورقة، مسطرته: ٢٣ سطرًا، وعلى الغلاف كتب بخط حديث: تأليفه: سنة ٨٧٥، كتابته: سنة ١١٦٢ بخط الشيخ أحمد السحيمي.
وكتب: (اتقوا النظر إلى الأمرد؛ فإنَّ فيه لمحةً من الحور العين)، ذكره خير الدين الرملي في فتاويه الحنفية.
وعلى الغلاف أيضًا وقفٌ هذا نصه: (وقف هذا الكتابَ العمدة الشيخ أحمد ابن العمدة الشيخ محمد السحيمي، على جميع من ينتفع به، وجعل مَقَرَّه بمنزله بالدرب الأصفر بالجمالية بالقاهرة، وتحت يد رجل من أعلم وأصلح غير أقاربه، فإن لم يكن فتحت يد عالم صالح، فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم) ينظر: فهارس
1 / 13
المكتبة الأزهرية (٤/ ٤٠٦).
بعض الكتب المسماة بعقود الجمان:
رأيت أن أذكر الكتب التي تتشابه مع اسم هذه المنظومة - دون تفصيل للاختصار - وهي:
عقود الجمان على تحفة الإخوان في علم البيان - عقود الجمان في بيان حدود البلدان - عقود الجمان شرح قصيدة السلطان - عقود الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان - عقود الجمان الكافلة ببيان فضل ليلة النصف من شعبان - ديوان شعر "عقود الجمان من نظم الحسن بن عبد الرحمن" - عقود الجمان في شرح قانون الإيمان - عقود الجمان في جواز تعليم الكتابة للنسوان - عقود الجمان فيمن اسمه سليمان - عقود الجمان في عقود الرهن والضمان - عقود الجمان في أيام آل سعود في عمان - عقود الجمان في تجويد القرآن - عقود الجمان وتذييل وفيات الأعيان - عقود الجمان في سلطنة آل عثمان - عقود الجمان في
1 / 14
عدم صحبة أبناء الزمان - عقود الجمان في مختصر أخبار الزمان - عقود الجمان في وقائع الزمان - عقود الجمان في شعراء هذا الزمان - عقود الجمان في تاريخ أهل الزمان.
1 / 15
أوَّل المخطوط
1 / 16
آخر المخطوط
1 / 18
ترجمة الإمام السيوطي (١)
هو الحافظ أبو الفضل جلال الدِّين عبد الرحمن بن كمال الدين أبي بكر بن محمد السيوطي المعروف بابن الأسيوطي.
ولد بالقاهرة ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، وكانت أمه أَمة تركية وأصل أبيه من العجم، ومات أبوه وهو ابن ست سنين فكفله وصيُّه الشهاب بن الطباخ ورباه عند الأمير برسباي الجركسي أستاذ دار الصحبة، واتصل بالأمير إينال الأشقر رأس نوبة النوب وكان لبيته اتصال بالأمراء من عهد الأمير شيخو، وكان في جملة أوصيائه الإمام كمال الدين بن الهمام وله أياد بيضاء عليه.
أخذ العلم عن العلم البلقيني والشرف المناوي والشمس بن الفالاتي
_________
(١) هذه الترجمة من مقدمة تحقيق كتاب: ذيل طبقات الحفاظ للذهبي، للإمام عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: ٩١١هـ)، تحقيق: الشيخ زكريا عميرات، ط دار الكتب العلمية.
1 / 20
والجلال المحلي والزين العقبي والبرهان البقاعي والشمس السخاوي الشافعيين، وعن محقق الديار المصرية سيف الدين البكتمري والعلامة محيي الدين الكافيجي البرغمي والحافظ قاسم بن قطلوبغا السودوني والإمام تقي الدين الشمني الحنفيين وغيرهم من المالكية والحنابلة، وعدة شيوخه إجازة وقراءة وسماعًا نحو مائة وخمسين شيخًا وقد جمعهم في معجمه، ولم يكثر من سماع الرواية لاشتغاله بما هو أهم وهو الدراية كما يحكي هو عن نفسه، وممن أجاز له من حلب ابن مقبل، وآخر من أجاز له الصلاح بن أبي عمر.
وانصرف إلى الجمْع والتأليف وهو صغير فبلغت عدة مؤلفاته نحو ستمائة، ما بين رسائل في ورقة أو ورقتين وكتب في عدة مجلدات، والغالب في مصنفاته تلخيص كتب الآخرين فقيمتها العلمية توزن بقدر ما لصاحب الأصل من التحقيق، والتضارب الواقع بين أقواله في كتبه إنما يأتي من اختلاف آراء أصحاب الكتب التي يقوم هو باختصارها حيث لا يتسع له الوقت لتمحيصها وترجيح الراجح منها، قال تلميذه الشمس الداودي
1 / 21
المالكي مؤلف طبقات المفسرين الكبرى: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفًا وتحريرًا وكان مع ذلك يملي الحديث ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة. اهـ. ومن يكون بهذا الإسراع طول عمره لا يتسنى له تحقيق ما يدونه؛ بل كثيرًا ما تفوته مواضع الفائدة من الأصول التي يلخصها.
وقد يتابع أوهام الأصل التي لا يخلو منها تصنيف فتسوء سمعته بتآليفه. قال السخاوي: إن له مؤلفات كثيرة مع كثرة ما يقع له من التحريف والتصحيف فيها وما ينشأ عن عدم فهم المراد؛ لكونه لم يزاحم الفضلاء في دروسهم ولا جلس بينهم في مسائهم وتعريسهم بل استبد بالأخذ من بطون الدفاتر والكتب، وأخذ من كتب المحمودية وغيرها كثيرًا من التصانيف القديمة التي لا عهد لكثير من العصريين بها في فنون، فغير فيها شيئًا يسيرًا وقدم وأخر ونسبها لنفسه وهوّل في مقدماتها. اهـ.
ولي مشيخة الحديث مشيخة البيبرسية بعد الجلال البكري إلى أن
1 / 22
صرفه عنها السلطان الملك العادل طومانباي الأول يوم الاثنين ثاني عشر من رجب سنة ست وتسعمائة، حيث تحزب عليه جمع من مشايخ المدرسة بسبب يبسه معهم ومعاندته لهم بحيث أخرج وظائف كثيرة عنهم وقرر فيها غيرهم، وحصل له إهانات من ترسيم وإساءات وأمر بنفي، وكانت حكايات كما يقول صاحب "البدر الطالع" فيما علقه على الضوء اللامع بخطه ثم انقطع بسكنه في الروضة وتزهد.
وكان يأتي إليه أعيان الأمراء للزيارة فلا يقوم لهم، وعرضت عليه مشيخة البيبرسية سنة ٩٠٩ فامتنع من قبولها واستمر على انقطاعه، وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال النفيسة فيردها، وأهدى إليه السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري خصيًّا وألف دينار فرد الألف وأخذ الخصيّ فأعتقه وجعله خادمًا في الحجرة النبوية وقال لقاصد السلطان: لا تعد تأتينا بهدية قط فإن الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك.
وطلبه السلطان مرارًا فلم يحضر إليه على ما ذكره النجم الغزي في
1 / 23
الكواكب السائرة وابن العماد في شذرات الذهب. ومن شعره:
فوِّضْ أحاديث الصّفا ... ت ولا تشبّه أو تعطلْ
إن رمت إلا الخوض في ... تحقيق معضلة فأوِّل
إن المفوض سالم ... مما تكلفه المؤول
ألف في تحريم المنطق وادعى الاجتهاد فصنف في ذلك عدة رسائل فقام العلماء ضده حتى انقبع في عقر داره، ويحكي الشعراني في ذيل طبقاته عن السيوطي أنه كان يقول: قد أشاع الناس عني أني ادعيت الاجتهاد المطلق كأحد الأئمة الأربعة وذلك باطل عني إنما مرادي بذلك المجتهد المنتسب .. ولما بلغت مرتبة الترجيح لم أخرج في الإفتاء عن ترجيح النووي .. ولما بلغت إلى مرتبة الاجتهاد المطلق لم أخرج في الإفتاء عن مذهب الشافعي. اهـ. وغريب جدًّا ما يرويه الداودي والشعراني عنه أنه كان يحفظ مائتي ألف حديث إن لم يكن مراده أنه يحفظها في خزانته لأن شيخ حفاظ الأمة أبا عبد الله البخاري لما سئل عن أحاديث جامعة: هل تحفظها؟ أجاب بقوله: أرجو أن لا يخفى علي منها شيء. ولم يدّع مثل
1 / 24
هذه الدعوى.
وله مقامة تهجم فيها على السخاوي سماها "الكاوي في الرد على السخاوي" كما تحامل عليه أيضًا عند ترجمته في "نظم العقيان"؛ مع أنه في عداد شيوخه وما ذنب السخاوي إليه إلا قلة صبره إزاء الدعاوى العريضة. وذكر في "النور السافر" ما كتبه السيوطي إلى السخاوي معرضًا به ومتهجمًا عليه وهو قوله:
قال السخاويُّ: إن تعروك مشكلة ... علمي كبحر من الأمواج ملتطم
والحافظ الديمي عيث الزمان فخذ ... غرفا من اليم أو رشفا من الديم
والديمي الفخر عثمان المحدث ممن كان بينه وبين السخاوي منافسة أيضًا. ويرى بعضهم أن كلًّا من الثلاثة كان فردًا في فنه مع المشاركة في غيره؛ فالسخاوي تفرد بمعرفة علل الحديث، والديمي بأسماء الرجال، والسيوطي بحفظ المتون. اهـ.
وانتصر للسخاوي على السيوطي الشاعر الأديب ابن العليف أحمد بن الحسين المكي في كتابين سماهما "الشهاب الهاوي على
1 / 25