Cumdancin Malami
عمدة القاري شرح صحيح البخاري
Mai Buga Littafi
شركة من العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية
Nau'ikan
Ilimin Hadisi
فَهُوَ منا أَي الصَّلَاة المختصة بِنَا وَهِي الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة بِخِلَاف الصَّلَاة مُنْفَردا وَسَائِر الْعِبَادَات لعدم اختصاصها بملتنا هَذَا كُله فِي الْإِيمَان الاستدلالي الَّذِي تجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَام وَأما الْإِيمَان الَّذِي يجْرِي بَين العَبْد وَبَين ربه فَإِنَّهُ يتَحَقَّق بِدُونِ الْإِقْرَار فِيمَن عرف الله تَعَالَى وَسَائِر مَا يجب الْإِيمَان بِهِ بِالدَّلِيلِ واعتقد ثُبُوتهَا وَمَات قبل أَن يجد من الْوَقْت قدر مَا يتَلَفَّظ بكلمتي الشَّهَادَة أَو وجده لكنه لم يتَلَفَّظ بهما فَإِنَّهُ يحكم بِأَنَّهُ مُؤمن لقَوْله ﷺ يخرج من النَّار من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان وَهَذَا قلبه مَمْلُوء من الْإِيمَان فَكيف لَا يكون مُؤمنا فَإِن قيل يلْزم من هَذَا أَن لَا يكون الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ مُعْتَبرا فِي الْإِيمَان وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع لِأَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَنه مُعْتَبر وَإِنَّمَا الْخلاف فِي كَونه ركنا أَو شرطا قلت منع الْغَزالِيّ هَذَا الْإِجْمَاع وَحكم بِكَوْنِهِ مُؤمنا وَأَن الِامْتِنَاع عَن النُّطْق يجْرِي مجْرى الْمعاصِي الَّتِي يُؤْتى بهَا مَعَ الْإِيمَان وَمن كَلَامه يفهم جَوَاز ترك الْإِقْرَار حَالَة الِاخْتِيَار أَيْضا فِي الْجُمْلَة وَهُوَ بِمَعْنى ثَان لكَونه ركنا زَائِدا الثَّانِي أَنه يدل على أَن أَعمال سَائِر الْجَوَارِح غير دَاخِلَة فِيهِ لِأَنَّهُ عطف الْعَمَل الصَّالح على الْإِيمَان فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات كَانَت لَهُم جنَّات الفردوس نزلا﴾ وَقَوله ﴿الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ الْآيَة وَقَوله ﴿إِنَّمَا يعمر مَسَاجِد الله﴾ الْآيَة فَهَذِهِ كلهَا تدل على خُرُوجه عَنهُ إِذْ لَو دخل فِيهِ يلْزم من عطفه عَلَيْهِ التّكْرَار من غير فَائِدَة الثَّالِث مقارنته بضد الْعَمَل الصَّالح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ الْآيَة وَوجه دلَالَته على الْمَطْلُوب أَنه لَا يجوز مُقَارنَة الشَّيْء بضد جزئه الرَّابِع قَوْله تَعَالَى ﴿الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم﴾ أَي لم يخلطوه بارتكاب الْمُحرمَات وَلَو كَانَت الطَّاعَة دَاخِلَة فِي الْإِيمَان لَكَانَ الظُّلم منفيا عَن الْإِيمَان لِأَن ضد جُزْء الشَّيْء يكون منفيا عَنهُ وَإِلَّا يلْزم اجْتِمَاع الضدين فَيكون عطف الاجتناب مِنْهَا عَلَيْهِ تَكْرَارا بِلَا فَائِدَة الْخَامِس أَنه تَعَالَى جعل الْإِيمَان شرطا لصِحَّة الْعَمَل قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَأَصْلحُوا ذَات بَيْنكُم وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله إِن كُنْتُم مُؤمنين﴾ وَقَالَ الله تَعَالَى ﴿وَمن يعْمل من الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤمن﴾ وَشرط الشَّيْء يكون خَارِجا عَن ماهيته السَّادِس أَنه تَعَالَى خَاطب عباده باسم الْإِيمَان ثمَّ كلفهم بِالْأَعْمَالِ كَمَا فِي آيَات الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْوُضُوء وَذَلِكَ يدل على خُرُوج الْعَمَل من مَفْهُوم الْإِيمَان وَإِلَّا يلْزم التَّكْلِيف بتحصيل الْحَاصِل السَّابِع أَن النَّبِي ﷺ اقْتصر عِنْد سُؤال جِبْرِيل ﵇ عَن الْإِيمَان بِذكر التَّصْدِيق حَيْثُ قَالَ الْإِيمَان أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وبلقائه وَرُسُله وتؤمن بِالْبَعْثِ ثمَّ قَالَ فِي آخِره هَذَا جِبْرِيل جَاءَ يعلم النَّاس دينهم وَلَو كَانَ الْإِيمَان اسْما للتصديق مَعَ شَيْء آخر كَانَ النَّبِي ﷺ مقصرا فِي الْجَواب وَكَانَ جِبْرِيل ﵇ آتِيَا ليلبس عَلَيْهِم أَمر دينهم لَا ليعلمهم إِيَّاه الثَّامِن أَنه تَعَالَى أَمر الْمُؤمنِينَ بِالتَّوْبَةِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَة﴾ وَقَوله تَعَالَى ﴿وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ وَهَذَا يدل على صِحَة اجْتِمَاع الْإِيمَان مَعَ الْمعْصِيَة لِأَن التَّوْبَة لَا تكون إِلَّا من الْمعْصِيَة وَالشَّيْء لَا يجْتَمع مَعَ ضد جزئه الْقسم الثَّالِث وَجه وَاحِد وَهُوَ أَنه ﷺ كَانَ يحكم بِإِيمَان من لم يخْطر بِبَالِهِ كَونه تَعَالَى عَالما بِذَاتِهِ أَو بِالْعلمِ أَو كَونه عَالما بالجزئيات على الْوَجْه الْكُلِّي أَو على الْوَجْه الجزئي وَلَو كَانَ التَّصْدِيق بأمثال ذَلِك مُعْتَبرا فِي تحقق الْإِيمَان لما حكم النَّبِي ﷺ بِإِيمَان مثله الْقسم الرَّابِع وَجْهَان وتقريرهما مَوْقُوف على تَحْرِير الْمَسْأَلَة أَولا وَهِي متفرعة على إِطْلَاق التَّصْدِيق فِي تَعْرِيف الْإِيمَان فَنَقُول قَالَ أهل السّنة من اعْتقد أَرْكَان الدّين من التَّوْحِيد والنبوة وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج تقليدا فَإِن اعْتقد مَعَ ذَلِك جَوَاز وُرُود شُبْهَة عَلَيْهَا وَقَالَ لَا آمن وُرُود شُبْهَة يُفْسِدهَا فَهُوَ كَافِر وَإِن لم يعْتَقد جَوَاز ذَلِك بل جزم على ذَلِك الِاعْتِقَاد فقد اخْتلفُوا فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ أَنه مُؤمن وَإِن كَانَ عَاصِيا بترك النّظر وَالِاسْتِدْلَال المؤديين إِلَى معرفَة قَوَاعِد الدّين كَسَائِر فساق الْمُسلمين وَهُوَ فِي مَشِيئَة الله تَعَالَى إِن شَاءَ عَفا عَنهُ وَأدْخلهُ الْجنَّة وَإِن شَاءَ عذبه بِقدر ذَنبه وعاقبة أمره الْجنَّة لَا محَالة وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بن حَنْبَل وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأهل الظَّاهِر وَعبد الله بن سعيد الْقطَّان والْحَارث بن أَسد وَعبد الْعَزِيز بن يحيى الْمَكِّيّ وَأكْثر الْمُتَكَلِّمين وَقَالَ عَامَّة الْمُعْتَزلَة أَنه لَيْسَ بِمُؤْمِن وَلَا كَافِر وَقَالَ أَبُو هَاشم أَنه كَافِر فعندهم إِنَّمَا يحكم بإيمانه إِذا عرف مَا يجب الْإِيمَان بِهِ من أصُول الدّين بِالدَّلِيلِ الْعقلِيّ على وَجه يُمكنهُ مجادلة الْخُصُوم وَحل جَمِيع مَا يُورد عَلَيْهِ من الشّبَه حَتَّى إِذا عجز عَن شَيْء
1 / 106