صاحب الفتنة -فأذن لهم بالصلاة، وخاف أن يصلَّى بغير إذنه! وكان الحنفية قد حموا مقصورتهم بالجند!
ثم إن الحافظ ضاق صدره، ومضى إلى بعلبك، فأقام بها مدة يقرأ الحديث، وكان الملك العادل في بلاد الشرق، فقال أهل بعلبك للحافظ: إن اشتهيت جئنا معك إلى دمشق؛ نؤذي من أذاك، فقال: لا، ثم إنه توجه إلى مصر، ولم يعلم أصحابنا بسفره، فبقي مدة بنابلس، يقرأ الحديث.
وجاء شاب من أهل دمشق بفتاوى من أهلها إلى صاحب مصر الملك العزيز، ومعه كتب: أن الحنابلة يقولون كذا وكذا، مما يشنعون به ويفترونه عليهم، وكان ذلك الوقت قد خرج -أي: الملك- نحو الإسكندرية يتفرج، فقال: إذا رجعنا من هذه السفرة أخرجنا من بلادنا من يقول بهذه المقالة، فلم يرجع إلا ميتًا؛ فإنه عدا به الفرس خلف صيد، فشبّ به الفرس وسقط عليه، وخسف صدره، فأقيم ابنه صبي، فجاء الأفضل ابن صلاح الدين من صرخد وأخذ مصر، وعسكر وكرّ إلى دمشق، فلقي الحافظ عبد الغني في الطريق، فأكرمه إكرامًا كثيرًا، وبعث يوصي به بمصر.
فلما وصل الحافظ إلى مصر تلقي بالبشر والإكرام، وأقام بها يُسمع الحديث بمواضع منها وبالقاهرة، وقد كان بمصر كثير من المخالفين، لكن كانت رائحة السلطان تمنعهم من أذى الحافظ لو أرادوه.
ثم جاء الملك العادل، وأخذ مصر، وأكثر المخالفون عنده على الحافظ،
_________
= توفي في شعبان من هذه السنة، ودفن بتربته بسفح قاسيون. ويقال: إن الحافظ عبد الغني دعا عليه، فحصل له هذا الداء العضال، ومات، وكذلك الخطيب الدولعي توفي فيها، وهما اللذان قاما على الحافظ عبد الغني، فماتا في هذه السنة، فكانا عبرة لغيرهما".
المقدمة / 48