قال الضياء: كان الحافظ يقرأ الحديث بدمشق، ويجتمع الخلق عليه، ويبكّي الناس، وينتفعون بمجالسه كثيرًا، فوقع الحسد عند المخالفين بدمشق، فجعلوا لهم وقتًا لقراءة الحديث، وجمعوا الناس (١)، فكان هذا ينام، وهذا بلا قلب، فلم تشتف قلوبهم بذلك!
فشرعوا في المكيدة؛ بأن أمروا الإِمام الناصح أبا الفرج؛ عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي الواعظ بأن يجلس يعظ في الجامع تحت قبة النسر بعد الجمعة وقت جلوس الحافظ.
فلما بلغني ذلك قلت لبعض أصحابنا: هذه مكيدة والله. ما ذلك لحبهم الناصح، وإنما يريدون أن يعملوا شيئًا.
فأول ذلك أن الحافظ والناصح أرادا أن يختلفا الوقت، ثم اتفقا على أن يجلس الناصح بعد صلاة الجمعة، ثم يجلس الحافظ بعد صلاة العصر، فلما كان بعض الأيام، والناصح قد فرغ من مجلسه، فدسوا له رجلًا ناقص العقل من بيت ابن عساكر (٢)، فقال للناصح كلامًا معناه: إنك تقول الكذب على المنبر، فضرب ذلك الرجل وهرب فأتبع وخبّئ في الكَلاسة، فتمت لهم المكيدة بهذه الواقعة.
فمشوا إلى الوالي، وقالوا: هؤلاء الحنابلة ما قصدهم إلا الفتنة، واعتقادهم يخالف اعتقادنا.
_________
(١) يعني: بغير رغبتهم في الحضور.
(٢) قال الذهبي في "السير" (٢٠/ ٥٦٨): "بلغنا أن الحافظ عبد الغني المقدسي بعد موت ابن عساكر نَفَّذَ من استعار له شيئًا من (تاريخ دمشق) فلما طالعه انبهر لسعة حفظ ابن عساكر، ويقال: ندم على تفويت السماع منه، فقد كان بين ابن عساكر وبين المقادسة واقع، رحم الله الجميع".
المقدمة / 46