فكتب المنصور إلى عبد الصمد بن علي بأن يدفنه حيًا، ففعل، ويقال: إن الأبيات لعبد الله بن مصعب نسبت إلى سديف وحملت عليه فقتل بسببها، وذلك أشد.
وأحمق الشعراء عندي من أدخل نفسه في هذا الباب أو تعرض له، وما للشاعر والتعرض للحتوف؟ وإنما هو طالب فضل، فلم يضيع رأس ماله؟ لا سيما وإنما هو رأسه، وكل شيء يحتمل إلا الطعن في الدول، فإن دعت إلى ذلك ضرورة مجحفة فتعصب المرء لمن هو في ملكه وتحت سلطانه أصوب، وأعذر له من كل جهة وعلى كل حال، لا كما فعل سديف.
وأبو الطيب لما فر ورأى الغلبة قال له غلامه: لا يتحدث الناس عنك بالفرار أبدًا وأنت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والطعن والضرب والقرطاس والقلم
فكر راجعًا فقتل، وكان سبب ذلك هذا البيت..
وكان كافور الإخشيدي قد وعد أبا الطيب بولاية بعض أعماله، فلما رأى تعاظمه في شعره وسموه بنفسه خافه، وعوتب فيه، فقال: يا قوم، من ادعى النبوة مع محمد ﷺ لا يدعي المملكة مع كافور؟! حسبكم.
وزعم أبو محمد عبد الكريم بن إبراهيم النهشلي أن أبا الطيب إنما سمي متنبئًا لفطنته، وقال غيره: بل قال: أنا أول من تنبأ بالشعر، وادعى النبوة في بني القصيص.
والأخبار في هذا النوع كثيرة جدًا، وإنما جئت بأقربها عهدًا، وأشهرها في كتب المؤلفين، مما يليق بالموضع ذكره.
1 / 75