Culuww Himma
علو الهمة
Nau'ikan
لقد حفل تراثنا الاسلامي بمواقف رائعة تشي بعلو همة سلفنا الصالح، وتعلن عن نظرتهم العميقة إلى حقائق الأشياء، وتساميهم على المظهرية الجوفاء، وترفعهم عن سفاسف "التطوس" الكاذب، واعتزازهم بانتمائهم إلى الدين الحنيف، دين العزة والكرامة، فمن ذلك ما صح عن ابن شهاب قال: "خرج عمر بن الخطاب إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة، فنزل عنها، وخلع خفيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته، فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أأنت تفعل هذا؟! تخلع نعليك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك! فقال عمر: أوه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالاسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله"، وفي رواية: (يا أمير المؤمنين، تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه؟ فقال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نبتغي العز بغيره").
ودخل أعرابي رث الهيئة بالي العباءة على أمير المؤمنين معاوية -رضى الله عنه-، فاقتحمته عينه، فعرف الأعرابي ذلك في وجه معاوية -رضي الله عنه-، فقال: "يا أمير المؤمنين إن العباءة لا تكلمك، ولكن يكلمك من فيها"، فأدناه فإذا به مدره (¬1) فصاحة في القول وبلاغة، فجعله من خاصته.
والأمثلة على ما ذكرنا كثيرة حفلت بها تراجم العلماء العاملين، فمن
أمثلة ذلك أن الإمام شيخ الإسلام النووي -رحمه الله- كان إذا رآه الرائي ظنه شيخا من فقراء سكان القرى، فلا يأبه له، ولا يخيل إليه أنه شيء يذكر، فإذا سمعه يدرس أو يقرر أو يحدث فغر فاه، وحملق بعينيه عجبا من هذه الأسمال أن تنكشف عن جوهر نفيس، وعبقرية نادرة في العلم والزهد والتقوى، ولا عجب فالتراب مكمن الذهب، ولكن الناس في كل زمان ومكان يغرهم حسن الهيئة، وجمال الهندام، فإذا رأوا من هذه صفته وقروه وعظموه قبل أن يعرفوا ما وراء هذه البزة، وقد يكون فيها نخاع ضامر، وفكر بائر، وقلب حائر:
ترون بلوغ المجد أن ثيابكم ... يلوح عليها حسنها وبصيصها
وليس العلى دراعة ورداءها ... ولا جبة موشية وقميصها
وقال المتنبي:
لا يعجبن مضيما حسن بزته ... وهل تروق دفينا جودة الكفن؟
Shafi 79