منزلةً أعظمهم صبرًا وشُكرًا، فصلّى اللَّهُ وملائكتُه وأنبياؤُه ورسلُه وجميعُ المؤمنين عليه كما وَحَّدَ اللَّه، وَعَرَّفَ به، ودعا إليه، وَسلَّم تَسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فإن اللَّه سبحانه جعل الصبر جوادًا لا يكبو (^١)، وصارما لا ينبو (^٢)، وجندًا غالبًا لا يهزم، وحصنًا حصينًا لا يهدم ولا يثلم، فهو والنصر أخوان شقيقان (^٣).
رَضِيْعَيْ لِبَانٍ ثديَ أُمٍّ تقاسما ... بأسحمَ (^٤) داجٍ عَوضُ لا نتفرق (^٥)
فالنصر (^٦) مع الصبر، والفرج مع الكرب، واليسر مع العسر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال، بلا عدة ولا عدد، ومحله من (^٧) الظفر كمحل الرأس من الجسد.
ولقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم كتابه أنه يوَفيهم أجرهم بغير حساب، وأخبر أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين، فقال: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)﴾ [الأنفال: ٤٦]؛ فذهب
_________
(^١) كبا الجواد يكبو كبوة إذا عثر. انظر "لسان العرب" (١٥/ ٢١٣).
(^٢) نبا السيف إذا كلّ ولم يقطع. انظر "لسان العرب" (١٥/ ٣٠١).
(^٣) في (م) و(ن) زيادة: لا يفترقان.
(^٤) في الأصل: "باسود". والمثبت من النسخ الأخرى، وهو الموافق للمصادر الآتية.
(^٥) البيت للأعشى وهو في "ديوانه" ص ٢٧٥. يمدح به المحلّق بن جشم الكلابي وفيه جعل الأعشى الجود والمحلّق كأخوين رضعا لبانًا واحدًا، من ثدي أم واحدة مبالغة في وصفه بالكرم، وذكر أنهما تحالفا وتعاقدا ألا يفترقا أبدًا.
انظر: "الحلل في شرح أبيات الجمل" ص ١٠٤ وما بعدها.
(^٦) في الأصل "فالنصرة"، والمثبت من النسخ الأخرى.
(^٧) "من" ساقطة من الأصل، وأثبتها من النسخ الأخرى.
1 / 5