"تجدون من خير الناس مؤمن بشعب يعبد ربه ويدع الناس من شره" (١)، وقال الفضيل بن عياض (ض) (٢): هذا زمان احفظ فيه لسانك واخف مكانك، وعالج قلبك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر انتهى، وهو حكم الوقت، وعين المطلوب فيه، وبالله التوفيق.
القسم الثالث: قوم تبرؤوا من جماعات المتوسعين، وآثرو التجرد للعبادة وطلب الصدق في طريق الإرادة، فوقعوا في مهاوي البدع من طريق التشديد ومتابعة الهوى بترك السماح والسهولة، فدخلوا في قوله (ص): "لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتم من ورائهم، قيل: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن" (٣) أخرجه البخاري وغيره، وقال ابن العربي (٤): أشار (ص) بجحر الضب، لأن اتباعهم إياهم وقع من قبل التضييق فهو شر في الدنيا والآخرة، نسأل الله تعالى السلامة بمنه وكرمه، ثم هذا القسم منهم من يقتصر على نفسه ومنهم من يدعو إلى مثل حاله، وأعظمهم في ذلك طائفة ادعت المشيحة والتربية، وأن ما هي عليه هو الموصل للحق لا وراءه، وربما أسندوه لبعض أهل الصدق والولاية، وأخذوه بالعموم، وكان هو يعمل به في الخصوص، فكانت البدعة بتعميمهم الأمر دونه، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
...
_________
(١) لفظ حديث أبي سعيد الخدري في الصحيح: (قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله (ص) "مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله"، قالوا: ثم من؟ قال: "مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره"، البخاري مع فتح الباري ٦/ ٣٤٦، ومسلم ٣/ ١٥٠٣، قال الحافظ في فتح الباري: في الحديث فضل الانفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو ونحو ذلك، وأما اعتزال الناس أصلا، فقال الجمهور: محل ذلك عند وقوع الفتن.
(٢) الفضيل بن عياض من أكابر العباد، كان ثقة في الحديث، توفي ١٨٧ هـ، انظر الأعلام ٥/ ٣٦٠.
(٣) الحديث في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري (ض)، البخاري مع فتح الباري ٧/ ٣٠٧، ١٧/ ٦٣، ومسلم ٤/ ٢٠٥٤.
(٤) انظر العارضة ٩/ ٢٧.
1 / 67