عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق
لأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي
دراسة وتحقيق
حمزة أبو فارس
دار الغرب الإسلامي
Shafi da ba'a sani ba
جَميع الحقوق مَحفوظَة
الطَّبْعَة الأولى
١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م
دَار الغَرْب الإسْلامي
ص. ب: ٥٧٨٧/ ١١٣
بَيروت - لبْنان
1 / 2
عدّة البروُق في جمع مَا في المذهَب منَ الجمُوع والفروُق
1 / 3
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تَمْهيد
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأصلي وأسلم على أفضل الخلق سيد ولد آدم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، وسار على نهجه إلى يوم الدين.
وبعد، فإِن الخزائن العامة والخاصة في كافة أنحاء العالم تزخر بكمية ضخمة من تراثنا الخالد، الذي ألفه سلف الأمة فكونوا لها به حضارة أصبحت مضرب الأمثال، في الوقت الذي كان فيه غيرهم يغط في نومه.
ثم انعكس الأمر، فاستيقظ النائمون وسرقوا ثمرة هذا التراث، حين أهمله قومه، فأصبحوا مكان النائمين. وفي هذا القرن بدأت بشائر الصحوة تلوح، وبدأت الأنظار تتجه نحو التراث لتسترشد به، فانقسم مثقفو المسلمين تجاهه ثلاثة أقسام:
بعضهم كفر به ورأى أن مجرد الحديث عنه يعتبر تضييعًا للوقت، أما تحقيقه ونشره فهو عين الرجعية والتخلف. وفريق يذهب إلى إحياء هذا التراث غثه وسمينه، ولا هدف له سوى ذلك. وفريق ثالث، وهو أعدلهم في رأيي، يرى أنه يلزم تحقيق ما يفيدنا في ديننا ودنيانا بعد تمحيصه، على أن نجعله أساسًا نبني عليه حضارتنا الإِسلامية الجديدة.
وعلى كل حال بدأ التحرك حثيثًا نحو تحقيق هذا التراث الذي فقد منه، في شرق الأرض وغربها، الكثير، ومع ذلك فقد بقي منه ما فيه خير وبركة.
ومع أني لا أنكر أن بعض البلاد الإِسلامية قد بذلت جهدها -وما زالت تبذل-
1 / 5
في سبيل إحياء التراث الإِسلامي النافع، فإِن بعضها إما لا يعنيه الأمر، وإما متجه نحو تحقيق جزء من التراث لسنا بحاجة إلى تحقيقه؛ إذ ليست له أهمية أولية، إن كانت له أهمية أصلًا.
ويأخذك العجب إذا عرفت أن بعض فطاحل العلماء يضيع وقته الثمين ليخرج لنا مخطوطة في الموسيقا ويترك المخطوطات في التفسير والحديث والفقه تئن تحت الغبار وتصيح من الأرضة.
حسبت أن القلم كاد يجرني إلى الخروج عما أردت الحديث عنه في هذا التمهيد، لذا أعود فأقول: إن الشريعة الإِسلامية تتعرض لحملة من المشككين يصورون فيها للشباب المسلم أن الشريعة الإِسلامية لا تصلح لهذا الزمان، لأنها جاءت لعصر مضى وانقضى، مضت عليه السنون، تفتح أثناءها العقل الشري، وتقدم خلالها العلم، فلم يعد لهذه الشريعة لزوم. وفعلًا ورث الحكم في كثير من البلاد الإِسلامية أناس تشربت عقولهم ما قاله الأعداء، فأعرضوا عن ذكر الرحمن فقيض الله لهم شياطين فهم لهم قرناء، فزينوا لهم أعمالهم، فاستبدلوا بشرع الخالق شرع المخلوقين، وفضلوا الناقص على الكامل ويحسبون أنهم مهتدون.
ورغم أن الأيام بدأت تكشف زيف ما يردده أعداء الإسلام وتلاميذهم فإِنه من الواجب إخراج تلك الكتب التي تبين أن الشرع الإِسلامي أَحكامه متطابقة مع العقل السليم، وأن لها عللًا، وأنها مستقيمة مع الأقيسة الصحيحة، كيف لا، وقد أنزلها الذي يعلم السر وأخفى، وهو الذي خلق الإِنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، ألا له الخلق والأمر.
ولقد اخترت مخطوطة تعنى بالفروق بين المسائل الفقهية التي ظاهرها الاتفاق، وجاءت أحكامها مختلفة، فيظن من ليس له علم أن الشريعة الإِسلامية متناقضة وأنها مبنية على غير أساس.
وقد تصدى للتأليف في هذا الموضوع رجال سخرهم الله للدفاع عن شريعته الغراء، وهذه المخطوطة التي أقدم لها اليوم هي إحداها. وهي من تأليف الشيخ أحمد بن يحيى الونشريسي المتوفى سنة ٩١٤ هـ صاحب الموسوعة المعروفة بالمعيار المعرب.
1 / 6
وقد جمع الونشريسي في كتاب الفروق أكثر من ألف ومائة فرق في أبواب الفقه المختلفة، وسماه "عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق"، حققت منه قسم العبادات، أي من أول الكتاب إلى كتاب الأيمان، في نطاق الماجستير من قسم الدراسات الإِسلامية بجامعة الفاتح بطرابلس، ثم أنهيت بقية الكتاب بحمد الله فيما بعد.
ولا يفوتني في نهاية هذا التقديم أن أقدم شكري لكل من ساعدني في تصوير النسخ، وفي الطباعة على الآلة الكاتبة أو في أي مساعدة أخرى وأخص بالشكر أستاذي الدكتور عبد السلام أبو ناجي الذي قام بمراجعة الكتاب كاملًا حيث أخذ من وقته جزءًا كبيرًا. كما أدعو الله أن يتغمد فقيدنا الأستاذ عبد الله الهوني برحمته الواسعة وأن يجزيه عما قدمه للعربية والدراسات الإِسلامية من خدمة خير الجزاء إنه سميع قريب.
ولابد لي أيضًا أن أشكر الأستاذ الحبيب اللمسي الذي قبل نشر هذا الكتاب، ولا عجب في قبوله فهو معروف بسبقه في مضمار إخراج التراث النافع أينما وجد.
وقد قسمت البحث إلى قسمين: قسم دراسي وقسم حققت فيه النص.
القسم الدراسي:
ويتكون من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.
المقدمة: تحدثت فيها عن الظاهرة السياسية والعلمية والاجتماعية في المغربين الأوسط والأقصى بعامة، وفي تلمسان وفاس بالخصوص.
الفصل الأول: في بيان نسب المؤلف ونشأته.
الفصل الثاني: في بيان شيوخه.
الفصل الثالث: في مكانته العلمية وتلاميذه.
الفصل الرابع: في آثاره.
الخاتمة: دراسة مختصرة لكتاب عدة البروق ووصف النسخ التي اعتمدتها في التحقيق وعملي فيه.
1 / 7
القِسْم الدِّراسي
1 / 9
رموز استعملتها أثناء الدراسة والتحقيق:
ط: طبعة
(و) أو (أ): وجه.
(ظ) أو (ب): ظهر.
جـ /: جزء وما بعد الخط رقم الصفحة.
ص: صفحة.
هـ: هجرية.
مخط: مخطوط.
م و: المكتبة الوطنية بتونس.
1 / 11
المقَدِّمَة
وسأتحدث فيها بإِيجاز غير مخل عن الظاهرة السياسية والعلمية والاجتماعية في العصر والمكان الذي عاش فيه الونشريسي، باعتبار أن الحديث عن ذلك حديث عن عامل من العوامل التي أثرت في تكوينه العلمي، فأقول وبالله التوفيق:
الحديث عن عصر الونشريسي يستدعي الحديث عن الحالة في الجزائر والحالة في المغرب في القرن التاسع وبداية العاشر الهجري؛ ذلك لأن صاحبنا قد عاش من عمره فترة في تلمسان إحدى مدن القطر الجزائري، والفترة الأخرى في مدينة فاس من مدن المغرب الأقصى.
ومن غريب الأقدار أن يمضي المؤلف نصف عمره الطويل في تلمسان، والنصف الآخر في فاس (١).
الحالة السياسية في المغربين الأوسط والأقصى (الجزائر والمغرب):
لا نريد أن نتوسع في الكلام على الحالة السياسية في الجزائر إذ محل ذلك كتب التاريخ، وإنما نحن ذاكرون إن شاء الله ما لا بد منه لمعرفة البيئة والتيارات التي كان لها الأثر -ولا شك- على تحصيله وسيرته ورحلته عن بلاده. وذلك أولًا لأن أصحاب تراجمه لم يتعرضوا لتأثير الجو السياسي عليه إلا لمامًا، رغم شهرته ومكانته، وثانيًا، لأن ما كتبه هؤلاء نقله بالكامل تقريبًا من تعرض لدراسة هذا
_________
(١) عاش حوالي أربعين سنة (٨٣٤ - ٨٧٤) في الجزاثر (ونشريس وتلمسان) وأربعين أخرى في فاس (٨٧٤ - ٩١٤ هـ).
1 / 13
الشيخ (١)، فليس لي أن أعيد إلا ما لا بد منه.
ولد أبو العباس الونشريسي في عهد الدولة الزيانية (بني عبد الواد)، وشاء الله أن يكون ميلاده في تاريخ استلام أبي العباس أحمد الزياني (المعتصم بالله) الملك سنة ٨٣٤ - ٨٦٦ هـ، وهو عهد فتن وحروب، إذ أن الجزائر (المغرب الأوسط) يحكمها سلاطين تبع للحفصيين، غير أنهم بين فترة وأخرى يحاولون الاستقلال فيؤدبون، هذا إلى جانب المحاولات المستمرة للسيطرة عليها من قبلِ ملوك بني مرين في المغرب الأقصى، والتي كان آخرها سنة ٨٢٧ هـ. عندما تَخَلَّوْا عنها نهائيًّا.
لنرجع إلى السلطان أبي العباس أحمد الزياني (المعتصم بالله) الذي ارتقى السلطة باسم الحفصيين سنة ٨٣٤ هـ. كما سبق لنا أن قلنا، لم يلبث هذا أن حاول الاستقلال عنهم، لكن أبا فارس الحفصي أسرع بجيشه قاصدًا تلمسان للقضاء على هذا الانفصال، غير أنه توفي في الطريق، فرجع الجيش (٢). ومع ذلك لم يستقر الأمر لأبي العباس، فقد فاجأته الأقدار من جهة أخرى، هذه المرة فوجئ بعصيان أخيه أبي يحيى، تسانده بعض القبائل، فحاصر تلمسان، ولما صعبت عليه، ذهب إلى وهران فاحتلها سنة ٨٤٠ هـ (٣) بغير قتال. وحاول أخوه أبو العباس ردعه ففشل بادئ الأمر، خصوصًا عند انشغاله بإِخماد ثورة أخرى قام بها أبو زيان محمد (المستعين بالله) الذي ساعده الحفصيون، وكاد يحتل أغلبية البلاد لولا تدخل أبي يحيى صاحب وهران، فقضي على أبي زيان، فزاد خوف أبي العباس من أخيه، فقرر القضاء عليه، فدارت بينهما حروب انتصر في آخرها أبو العباس على أخيه، حيث خرج الأخير إلى تونس فبقي بها إلى وفاته (٤).
ولم يستتب الأمر لأبي العباس طويلًا حتى ثار ضده حفيد أخيه (أبو ثابت)، فاحتل تلمسان، وعزل عم أبيه أبا العباس، الذي انتقل إلى ضاحية العباد، ثم أبعد
_________
(١) انظر القسم الدراسي في كتاب إيضاح المسالك، تحقيق أحمد أبي طاهر الخطابي الرباط ١٤٠٠ هـ- ١٩٨٠ م من صفحة ٧ على صفحة ٤١.
(٢) تاريخ الجزائر العام ٢/ ١٩٧ دار الثقافة بيروت ١٩٨٠ عبد الرحمن محمد الجيلاني.
(٣) نفس المصدر: ٢/ ١٩٧.
(٤) نفس المصدر ٢/ ١٩٧، ١٩٨.
1 / 14
عنها إلى الأندلس، ثم حاول الاستيلاء مرة أخرى على تلمسان، فلم يستطع ذلك، ثم كانت وفاته سنة ٨٦٧ هـ (١).
ولما رأى الحفصيون الخلاف والشقاق بين بني زيان، تحرك السلطان أبو عمرو عثمان الحفصي، فاحتل المدن الجزائرية، فاستقبل من قبل أهلها بالترحاب، فلجأ أبو ثابت إلى الاستشفاع بالعلماء لدى سلطان الحفصيين، فقبل منهم، ورجع إلى تونس (٢).
ولم يمض كثير وقت على ذلك حتى عاود أبو ثابت رفض الدعوة الحفصية مرة أخرى سنة ٨٦٨ هـ. فعاد الحفصيون إلى مداهمته، واضطر على أثر ذلك إلى بيعتهم كتابة هذه المرة مصحوبة بإِهداء ابنته لأبي زكرياء يحيى بن المولى المسعود، فقفل السلطان الحفصي راجعًا إلى تونس وبقي أبو ثابت على عرشه إلى وفاته سنة ٨٩٠ هـ (٣).
وأثناء ذلك نجد الإِسبان والبرتغاليين يخططون لاحتلال مدن السواحل المغربية ليعرقلوا النجدة من قبل سكانها لإِخوانهم في الأندلس التي تلفظ أنفاسها الأخيرة. فاحتل الاسبان مدينة بونة (عنابة)، واستعد البرتغال للانقضاض على وهران. كل ذلك والحكام لاهيتهم أنفسهم وأموالهم، لا يعيرون ما حولهم اهتمامًا.
وفعلًا سقطت وهران في السنة التي توفي فيها الونشريسي (٤).
في هذا الجو السياسي الهائج، وهذه الحروب والفتن والقتل الذي يقع بين الأقارب تارة وبين الجيران تارة أخرى؛ ولد صاحبنا وترعرع.
رحلته إلى فاس وسببها:
وفي أول محرم ٨٧٤ هـ. (٥) رحل إلى فاس ولرحلته هذه قصة لم تفسرها لنا
_________
(١) نفس المصدر: ٢/ ١٩٨.
(٢) المصدر السابق: ٢/ ١٩٨ - ١٩٩.
(٣) المصدر السابق: ٢/ ٢٠٠.
(٤) المصدر السابق: ٣/ ٧٨.
(٥) أجمع الذين تحدثوا عن ذهاب الونشريسي إلى فاس على هذا التاريخ، وقد تحدث هو نفسه عن ذلك تضمينًا أثناء كلامه عن فتواه في تضمين الرعاة، إذ قال (وسئلت في عام أربعة وسبعين وثمانمائة إثر ورودي فاس. . إلخ) انظر المعيار ٨/ ٣٤١.
1 / 15
الكتب التي ترجمت له، ولكنها أجمعت على أنه حصلت له كائنة مع السلطان الذي سلط عليه بعض الهمج، فانتهبت داره، وفر هاربًا إلى فاس (١)، ولا يزيدون على ذلك. وقد عبر صاحب الأعلام عنها بقوله: "ونقمت عليه حكومتها (تلمسان) أمرًا فانتهبت داره وفر إلى فاس سنة ٨٧٤ هـ" (٢).
أما الدكتور حجي فيقول: ولما بلغ أحمد الونشريسي أشده وبلغ، أربعين سنة، وهو يومئذٍ قوال للحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، غضب عليه السلطان أبو ثابت الزياني وأمر بنهب داره فخرج إلى فاس (٣). وقال صاحب السلوة: وكان شديد الشكيمة في دين الله لا تأخذه في الله لومة لائم، ولذلك لم يكن له مع أمراء وقته كبير اتصال، ونزل ﵁ فاسًا انتقالًا إليها من تلمسان لما حصل له فيها من جهة السلطان، وانتهبت داره سنة ٨٧٤ هـ (٤).
وقد حاولت الدكتورة وداد القاضي أن تفسرها، فقالت: "ولعل لها علاقة بالوضع المحتل لسلطة بني زيان بتلمسان زمن سلطانها المتوكل أبي عبد الله محمد (الرابع) بن محمد الثابتي" (٥).
أما الأستاذ أحمد طاهر الخطابي فقد فسرها باحتمالين، أحدهما: أن يكون الونشريسي غضب واستنكر على سلطان تلمسان استسلامه للأحداث ومواقفه المزرية تجاه العدو الصليبي الذي يأخذ المدن الإِسلامية واحدة بعد أخرى، والسلطان لا يهمه إلا كيف ينفصل عن الحفصيين، وكيف يواجههم، فربما جهر بذلك، فكانت الحادثة سبب ذلك، أو أن الونشريسي كان متهما بمشايعة الحفصيين
_________
(١) جذوة الاقتباس لأحمد بن القاضي، الرباط ١٩٧٣ و١٥٧؛ تاريخ الجزائر العام ٣/ ٧٦؛ البستان لابن مربم ص ٥٣؛ عادل نويهض: معجم أعلام الجزائر ص ٤٩؛ أحمد بابًا السوداني: كفاية المحتاج مخط بالمكتبة الوطنية بتونس رقم ١٤٥٩٧ ورقة ٢١ (ظ) ٢٢ (و)؛ ونيل الابتهاج ص ٨٧؛ ص ٨٧؛ L. Amar / La P. de Touche VI.
(٢) انظر خير الدين الزركلي: الأعلام جـ ١/ ٢٦٩ دار العلم للملايين ط. الخامسة ١٩٨٠ م.
(٣) انظر مقدمة المعيار جـ ١ / ج، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية بالمغرب ١٩٨١ م.
(٤) سلوة الأنفاس لمحمد بن جعفر الكتاني ط. فاس الحجرية ٢/ ١٥٤.
(٥) انظر مقال: المدرسة في المغرب حتى أواخر الفرن التاسع الهجري في ضوء كتاب المعيار للونشريسي. مجلة الفكر التربوي الإسلامي (الكتاب الثاني) بيروت ١٩٨١ م ص ١٢٠.
1 / 16
ومبايعتهم، وربما كان أحد الذين رحبوا بالسلطان الحفصي عند قيامه بالحملة التأديبية عاقدين عليه الأمل أن يعمل على طرد العدو من شواطئهم بعد أن يئسوا وتيقنوا من عجز أبي ثابت وسلبيته إزاء الأندلس بل حتى إزاء بلاده (١).
ويرى المهدي البوعبدلي أن الونشريسي لم يفارق بلاده إلا مكرهًا، وهو شيء متفق عليه، إلا أنه يضيف قائلًا: وذلك أن ملكها أبا عبد الله محمد بن أبي ثابت المتوكل على الله الذي اشتهر بتشجيعه للعلماء ورعايتهم؛ إذ في عهده (٨٦٦ - ٨٨٨ هـ) ظهرت تآليف قيمة. . (إلى أن يقول) ورغم ما اشتهر به فقد حاول إخضاع أحمد بن يحيى الونشريسي فصادر أمواله، واقتحم عليه داره فهدمها؛ وكان أمكنه التسلل منها فمر عليه الخطر بسلام حيث وصل إلى مدينة فاس (٢).
ولنستمع الآن إلى المؤلف نفسه يتكلم عن القصة بتلميح في مقدمة كتابه الذي نحن بصدد تحقيقه: أما بعد فإِني قد كنت وضعت في الجموع والفروق مجموعًا مطبوعًا وسميته بعدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق، ويستعان به على حل كثير من المناقضات الواقعة في المدونة وغيرها من أمهات الروايات. ثم إن بعض الهمج ممن له جرأة وتسلط على الأموال والمهج انتهبه في جملة الأسباب مني، وغاب به عني، فأدركني من ذلك غاية المشقة والحرج (٣).
ونخلص من هذا كله إلى أن المترجمين أجمعوا على أنه ترك تلمسان مكرهًا، وأنه حصلت له كائنة من جهة السلطان، فانتهبت داره ونجا بنفسه إلى فاس سنة ٨٧٤ هـ.
أما سبب هذه الكائنة فلم يذكرها هو، وسكت عنها المترجمون، رغم أن
_________
(١) انظر القسم الدراسي من كتاب إيضاح المسالك طبعة الرباط ١٤٠٠ هـ ١٩٨٠ م ص ١٣.
(٢) المهدي البوعبدلي: الجوانب المجهولة من ترجمة حياة الإمام أحمد بن يحيى الونشريسي. مجلة الأصالة الجزائرية ملحق خاص بالملتقى الرابع عشر للفكر الإسلامي، شعبان رمضان ١٤٠٠ هـ يوليو- غسطس ١٩٨٠ م العدد ٨٣/ ٨٤.
(٣) مقدمة عدة البروق ص ٧٩.
1 / 17
أبا العباس شخصية مشهورة آنذاك بدليل استقباله في فاس والاحتفاء به (١). فلا ندري لماذا؟
وقد ذكرنا سابقًا بعض من حاول الاهتداء إلى السبب ولكنها تبقى تخمينات قد تكون صحيحة، وقد يكون السبب غيرها فالله أعلم.
الحالة السياسية بالمغرب الأقصى:
انتقل صاحبنا إلى فاس سنة ٨٧٤ هـ، أي بعد قتل سلطانها عبد الحق (٢) بن أبي سعيد بخمس سنين، أي في عهد أبي عبد الله الحفيد محمد بن علي الإِدريسي الجوطي الذي عزل سنة ٨٧٥ هـ، وبقيت فاس في يد أخت أبي الحجاج يوسف بن منصور بن زيان الوطاسي إلى أن تولى الأمر أبو عبد الله محمد الشيخ الوطاسي (٣) سنة ست وسبعين وثمانمائة (٤)، وأصبح المغرب الأقصى في غاية الاضطراب والانتكاس، حتى طمع في ملكه كل من كانت توسوس له نفسه بذلك، فقد استولى البرتغال على أصيلا، وكانوا قد استولوا على سبتة وقصر المجاز، وتم احتلال طنجة سنة ٨٦٩ هـ، وآنفا بعد ذلك بقليل (٥)، وكثرت الفتن الداخلية والانحرافات والهرج والمرج. ومع هذا كله فقد حاول محمد الشيخ الوطاسي تدارك الأمر، فقد قاد بعض المعارك ضد المستعمرين إلى أن توفي سنة ٩١٠ هـ (٦).
وتولى بعده ابنه محمد البرتغالي، وكان نصارى سبتة وأصيلا قد احتلوا بلاد الهبط وضايقوا المسلمين، فعني محمد البرتغالي هذا بالجهاد والاجلاب على الكفرة، فشغل بذلك عن البلاد المراكشية، فكان ذلك سببًا لظهور الدولة السعدية بها سنة ٩١٥ هـ (٧).
_________
(١) ذكر ذلك أغلب من تعرض لترجمته فانظر المراجع السابقة.
(٢) الاستقصاء ٤/ ١٠٠ ط دار الكتاب / الدار البيضاء ١٩٥٥ م.
(٣) المرجع السابق ٤/ ١١٧ وجذوة الاقتباس ١/ ٢١١.
(٤) المرجع السابق: ٤/ ١٢٠.
(٥) المرجع السابق: ٤/ ١١٠، ١١٦.
(٦) المرجع السابق: ٤/ ١٤٠، لقط الفرائد ص ٢٧٨ وجذوة الاقتباس: ١/ ٢١١.
(٧) الاستقصاء: ٤/ ١٤٠.
1 / 18
الحالة الاجتماعية والثقافية في تلمسان وفاس في عصر المؤلف وما قاربه:
كانت الحالة في البلدين متشابهة إلى حدٍ ما إذ كثيرًا ما كانتا تحت حكم واحد، إما مباشر أو غير مباشر كما مر بنا في الحالة السياسية، ورغم أن هذا العصر كان عصر فتن واضطرابات وحروب بين الأقرباء وأحيانًا بين الإِخوة مما سبب ضعف الدولة وانحلالها، فأسرعت إسبانيا والبرتغال إلى ضرب السواحل الإِسلامية بل إلى احتلال بعضها كما عرفناه، رغم كل ذلك، فإِن الحركة الحضارية بما فيها العلمية كانت على أشدها في كلتا المدينتين، وذلك راجع إلى أمور كثيرة متشاكبة منها:
١) أن كلتا المدينتين كانت عاصمة سياسية يسكنها السلطان وحاشيته، وينفق الأموال الباهظة على حصونها وأسوارها، ويقيم المصانع والمزارع ليكتفي بها، ويشجع على العمران والتنافس فيه.
٢) الهجرات المستمرة من الأندلس، إذ حمل القوم معهم حضارتهم.
٣) استقرار كثير من العلماء في هاتين المدينتين، لأنهما تمثلان عواصم العلم بالمنطقة.
٤) أراد المهاجرون من الأندلس أن يعوضوا الفردوس المفقود فبدأوا في تشييد العمارة المشابهة (١).
٥) تشجيع كثير من السلاطين للعلم والعلماء حتى في أحلك الظروف (٢) واتخاذهم العلماء كمستشارين، وسأتعرض بشيء من الإِيجاز لوصف الحالة الاجتماعية والثقافية في كلتا المدينتين.
أولًا- تلمسان:
انتشرت المدارس بتلمسان، فمن هذه المدارس مدرسة منشر الجلد، ومدرسة ولدي الإِمام، والمدرسة التاشفينية، والمدرسة اليعقوبية، ومدرسة أبي حمو الثاني وغيرها. وكانت الدراسة فيها مجانًا، وإلى هذه المدينة كانت تشد الرحال في
_________
(١) انظر جامع القرويين د / عبد الهادي التازي ٢/ ٥٦٢ فقد تعرض لمقارنة التصميم بين الأندلس وفاس.
(٢) انظر الجوانب المجهولة في حياة الونشريسي للأستاذ المهدي البوعبدلي، مجلة الأصالة ع ٨٣، ٨٤.
1 / 19
طلب علوم الطب والفلسفة وغيرها (١).
واشتهر خلال القرن الثامن والتاسع والعاشر فطاحل من العلماء طبقت شهرتهم الآفاق وبلغ رتبة الاجتهاد منهم في مختلف العلوم (٢):
ابنا الإِمام التلمساني (٣) والشريف التلمساني (٤) صاحب مفتاح الوصول، وقاسم العقباني (٥)، وابن مرزوق الحفيد، وابن مرزوق الخطيب، وابن مرزوق الكفيف (٦)، ومحمد بن يوسف السنوسي (٧) وغيرهم. وأما الناحية العمرانية فإِن تلمسان، عاصمة المملكة الجزائرية كانت مملوءة بالقصور الشامخة والمدارس المؤنقة والمساجد القيمة والمنتزهات الجميلة والحصون الرفيعة وغير ذلك مما بقي بعضه إلى الآن (٨).
ولنستمع الآن قليلًا إِلى ابن خلدون يحدثنا عن تلمسان، ومعلوم أن ابن خلدون توفي في أوائل القرن التاسع:
"ولم يزل عمران تلمسان يتزايد وخطتها تتسع، الصروح بها بالأجر والفهر تعلى وتشاد، إلى أن نزلها آل زيان واتخذوها دارًا لملكهم وكرسيًّا لسلطانهم فاختطوا بها القصور المؤنقة والمنازل الجميلة، واغترسوا الرياض والبساتين وأجروا خلالها المياه، فأصبحت أعظم أمصار الغرب، ورحل إِليها الناس من القاصية، ونفقت بها أسواق العلوم والصنائع، فنشأ بها العلماء واشتهر فيها الأعلام وضاهت أمصار الدول الإِسلامية والقواعد الخلافية" (٩) اهـ.
_________
(١) عبد الرحمن الجيلاني: تاريخ الجزائر العام ٢/ ٢٤٩.
(٢) المقري: أزهار الرياض ٥/ ٢٥.
(٣) هما أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله التلمساني توفي سنة ٧٤٣ هـ، وأبو موسى عيسى بن محمد التلمساني توفي سنة ٧٤٩ هـ. تعريف الخلف ٢/ ٢٠٩ - ٢٢١.
(٤) أبو عبد الله محمد بن أحمد الشريف التلمساني توفي سنة ٧٧١ هـ. تعريف الخلف ٢/ ٣٥٢.
(٥) قاسم بن سعيد العقباني التلمساني توفي سنة ٨٥٤ هـ. تعريف الخلف ١/ ٩٥ - ٩٢.
(٦) انظر تراجمهم في تعريف الخلف ١/ ١٢٨ - ١٥٠.
(٧) دوحة الناشر ص ١٢١.
(٨) عبد الرحمن الجيلاني: تاريخ الجزائر العام ٢/ ٢٥١.
(٩) تاريخ ابن خلدون ٧/ ٧٨.
1 / 20
ونشطت حركة الجهاد والدعوة إليه من قبل العلماء وكانوا السابقين إليه وإلى المرابطة بالثغور الإسلامية التي هي عرضة للإِحتلال، لحمايتها.
ثانيًا- في فاس:
لا تختلف الحالة في فاس عنها في تلمسان إلا في أسماء العلماء، فقد انتشرت المدارس، وخصصت الكراسي لأشهر الكتب، فهذا كرسي للتفسير، وهذا آخر لفتح الباري، وهذا ثالث للمدونة. . إلخ وكل ذلك تبعًا لنصوص حبسية ورواتب جارية (١)، فاشتهر ثلة من العلماء، منهم أبو عبد الله محمد الفشتالي (٢)، والقاضي ابن رضوان (٣)، المتوفى سنة ٧٨٣ هـ، والقاضي المكناسي (٤)، والونشريسي، وزروق، وابن غازي (٥) وأبو عبد الله بن يجيش التازي (٦)، الذي عرف بحبه للجهاد في سبيل الله والحث عليه وتحريض السلطان على ذلك (٧)، والزقاق (٨)، وعبد الواحد الونشريسي (٩) وغيرهم.
وفي هذا العصر ظهر بعض أئمة التصوف كما ظهر بعض الأدعياء، فتصدى لهم علماء عاملون (١٠). ومن الناحية المعمارية نجد أنه في عهد الدولة المرينية والوطاسية رممت الأسوار، وجلبت المياه، وأقيمت الساعات للتوقيت حتى في الأماكن العامة. وأقيمت كذلك الأبراج، وأنيرت المساجد بالثريات، وكثر نسخ الكتب وتحبيسها على القرويين حتى من قبل السلاطين، وبذلك نشأت المكتبات ليستعين بها الطلبة والأساتذة (١١).
_________
(١) انظر تفصيل ذلك في بحث الدكتور التازي جامع القرويين ٢/ ٣٦٤ - ٤٠٣.
(٢) انظر فهرس المنجور ص ٥٧، ٥٨.
(٣) انظر ألف سنة من الوفيات ص ١٥٥ وجذوة الاقتباس ٢/ ٤٣٥ وما بعدها.
(٤) انظر الفكر السامي جـ ٢/ ٢٦٥ ترجمة رقم ٦٥١.
(٥) انظر جذوة الاقتباس: ١/ ٣٢٠.
(٦) انظر دوحة الناشر ص ٦٦ - ٧١.
(٧) انظر الاستقصاء ٤/ ١١٢، ١١٣.
(٨) انظر دوحة الناشر: ص ٥٥.
(٩) انظر فهرس المنجور ٥٢، ٥٣.
(١٠) انظر الاستقصاء ١٦٣، ١٦٤.
(١١) جامع القرويين ٢/ ٣٢٢ - ٣٣٢.
1 / 21
الفصْل الأوّل
في بيان نسبه ونشأته:
اسمه: أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد (١) بن عبد الواحد بن علي الونشريسي الأصل، التلمساني المنشأ، والفاسي الدار والإِقبار. وبلدة ونشريس بواو مفتوحة ونون ساكنة وشين معجمة مفتوحة وراء مكسورة بعدها ياء وسين مهملة (٢).
وقد ورد عند ياقوت بالألف بعد الواو وسينين معجمتين (٣)، أطلق عليه اسم الجبل التي تقع عليه، وهو جبل عال ما زال يعرف بهذا الاسم حتى اليوم، وهي تقع بناحية بجاية، بين باجة وقسطنطينة. وقد أطلق هذا الاسم على إمارة بني توجين التي تكونت في أواخر القرن الرابع الهجري (٤).
_________
(١) هكذا ورد اسمه في كثير من المصادر التي ترجمت له وبعضها يقتصر على أحمد بن يحيى، وبعضها يضيف بعد يحيى محمد، والبعض الآخر يضع عبد الواحد مباشرة بعد يحيى، ومنها من يحذف محمدًا. ولم أجد في فهرس الفهارس ما أشار إليه الأستاذ أحمد طاهر الخطابي من أن الكتاني قد كرر محمدًا مرتين هكذا أحمد بن يحيى بن محمد بن محمد، فلعل محقق فهرس الفهارس قد حذف المكرر، والله أعلم.
انظر فهرس الفهارس جـ ٢، ص ١١٢٢، ١١٢٣ ترجمة رقم ٦٣٣.
(٢) وقد أورد الدكتور حسين مؤنس أنه يطلق عليها أيضًا ونشريس وورنسيس نقلًا عن رينيه ياسيه. انظر أسنى المتاجر تحقيق الدكتور حسين مؤنس: صحيفة الدراسات الإِسلامية بمدريد لسنة ١٩٥٧ م ٥، ص ١٣١ الحاشية رقم ٢.
(٣) معجم البلدان ٥/ ٣٥٥ طبعة دار صادر بيروت ١٣٩٩ هـ ١٩٧٩ م.
(٤) انظر المهدي البوعبدلي الجوانب المجهولة من ترجمة حياة الإِمام الونشريسي مجلة الأصالة عدد ٨٣، ٨٤ ص ٢٠ شعبان رمضان ١٤٠٠ هـ يوليو أغسطس ١٩٨٠ م ملحق خاص.
1 / 22
ومعنى هذه اللفظة، ليس هناك أعلى منه، وفعلًا ليس هناك أعلى من هذا الجبل في تلك المنطقة؛ إذ تصل أعلى قمة منه كاف عمار إلى ١٩٨٠ مترًا (١). وقد نسب إلى هذه البلدة كثير من العلماء. والذي تكاد تجمع عليه مصادر ترجمته أن أصله من ونشريس البلدة السابقة، وهو الذي تؤيده النسبة، خصوصًا وأنه صرح بها المؤلف في مقدمة كتابه الفائق (٢). وذهب البغدادي في هدية العارفين (٣) والناصري في الاستقصاء (٤) وكحالة في معجم المؤلفين (٥) إلى أنه تلمساني الأصل (٦)، وتلمسان بكسر التاء واللام ثم ميم ساكنة وسين مهملة وألف ونون، وبعضهم يقول تنمسان بالنون عوض اللام (٧).
مولده:
كتب الذين ترجموا للونشريسي عن مكان مولده، ولم يصرح به (٨) أحد -فيما أعلم- إلا المقري في أزهار الرياض وصاحب السلوة فإِنهما قالا: "الونشريسي المولد. إلخ" (٩)، أو إميل عمار فإنه قال: "ولد في تلمسان سنة إلخ" (١٠)، وقد تابعه الأستاذ حجي في مقدمة كتابه "ألف سنة من الوفيات" (١١) فقال: (ولد بتلمسان)، ثم رجع عن ذلك في مقدمة المعيار (١٢).
_________
(١) المصدر السابق د / صابر الجيلاني: الونشريسي مهد كفاح بعيد وقريب ص ٢٩ وانظر أيضًا أسنى المتاجر ص ١٣١ الحاشية الثانية.
(٢) سيأتي التعريف بهذا الكتاب عندما نتعرض لمؤلفاته.
(٣) جـ ١/ ١٣٨.
(٤) ٤/ ١٦٥.
(٥) ٢/ ٢٠٥.
(٦) وتبعهم محمد الزاهي في تحقيق فهرس بن غازي انظر ص ٢٨ حاشية رقم ٥.
(٧) معجم البلدان (ياقوت الحموي) ٢/ ٤٤، ٤٥.
(٨) بالنسبة للذين نسبوا أصله إلى تلمسان لا شك أنهم يعنون أنه ولد فيها.
(٩) أزهار الرياض للمقري ٣/ ٦٥، سلوة الأنفاس للكتاني ٢/ ١٥٣.
(١٠) E. AMAR: La Pierre de Touche (Archives marocaines) V. XII، page: VI.
(١١) محمد حجي ألف سنة من الوفيات ص ٤.
(١٢) وقال أنه ولد بجبال ونشريس. انظر مقدمة المعيار جـ ١ ص (أ).
1 / 23
هذا بالنسبة للمكان، أما بالنسبة لسنة المولد فهي مجهولة، ولكن يمكن تحديدها بحوالي سنة أربع وثلاثين وثمانماثة ٨٣٤ هـ، يؤخذ ذلك من أخبار محمد بن قاسم القصار مفتي فاس بأن الونشريسي توفي سنة ٩١٤ هـ وعمره نحو ثمانين عامًا على ما نقله صاحب البستان (١) ونيل الابتهاج (٢).
نشأته وتعليمه:
نشأ صاحبنا في تلمسان، وإذا قلنا بأنه ولد في ونشريس فلا بد أنه انتقل مع أسرته في طفولته المبكرة، يؤخذ ذلك من أنهم لم يذكروا أنه ابتدأ أخذ العلم عن غير شيوخ تلمسان. ولا نعرف شيئًا عن سبب مغادرة هذه الأسرة سواء قبل مولد المؤلف أو بعده لبلدهم الأصلي ونشريس، وقد حاول الأستاذ أحمد الخطابي أن يفسر لنا ذلك (٣) ولكنها تخرصات اجتهادية أما الحقيقة فتبقى مختفية، كما أننا لا نعرف شيئًا عن أسرته إذ لم يذكر المؤرخون فيما وصل إلينا شيئًا عن والده أو جده.
ويؤخذ من ذلك أنهما لم يكونا من العلماء كما أن المصنف نفسه لم يتعرض لهما.
تفقه أبو العباس الونشريسي على كبار فقهاء وقته (٤) في تلمسان، وألَمَّ بكل العلوم التي كانت تدرس آنذاك، ثم تزوج، ولكننا لا نعرف شيئًا عن زواجه بمن؟ وأين؟ ومتى؟ إلا أنهم أجمعوا على أن مولد ابنه كان في فاس، بعد رحيل والده عن تلمسان ولكنهم لم يحددوا لنا تاريخ مولده بالضبط فمنهم من يقول: إنه ولد سنة ٨٧٤ هـ (٥)، أي نفس السنة التي وصل فيها والده إلى فاس، لكن صاحبي النيل والسلوة يقولان إنه ولد بعد الثمانين والثمانمئة (٦).
_________
(١) البستان ص ٥٤.
(٢) أحمد بابا: نيل الابتهاج ص ٨٨.
(٣) أحمد بو طاهر الخطابي: إيضاح المسالك القسم الدراسي ص ٤٣.
(٤) سنتعرض بالتفصيل بعد قليل لشيوخه.
(٥) ابن القاضي: لقط الفرائد ص ٢٦٤.
(٦) الكتاني: سلوة الأنفاس ٢/ ١٤٧، أحمد بابا: نيل الابتهاج ص ١٨٩، وقد تبعهما الأستاذ أحمد الخطابي في تحقيقه لإِيضاح المسالك ص ٤٥، والأستاذ عبد الرحمن الجيلاني في مقال له بعنوان: الشهيد عبد الواحد الونشريسي، مجلة الأصالة عدد رقم ٨٢/ ٨٤ ص ٤١، وقد قال الأستاذ الخطابي =
1 / 24