Critiquing the Foundations of the Rationalists
نقض أصول العقلانيين
Mai Buga Littafi
دار علوم السنة
Nau'ikan
وهذا لازم لكل من سلك هذه الطريق، كما يجد ذلك من اعتبره، وذلك لأنه إذا جوّز أن يكون ما أخبر الله به ورسوله، وبلّغه الرسول ﷺ إلى أمته من القرآن والحديث، وما فيه من ذكر صفات الله تعالى، وصفات ملائكته وعرشه، والجنة والنار، والأنبياء وأممهم، وغير ذلك مما قصّه الله في كتابه، أو أمر به من التوحيد والعبادات والأخلاق، ونهى عنه من الشرك والظلم والفواحش وغير ذلك، إذا جوّز المجوّز أن يكون في الأدلة العقلية القطعية، التي يجب اتباعها وتقديمها عليه عند التعارض، ما يناقض مدلول ذلك ومفهومه ومقتضاه، لم يمكنه أن يعرف ثبوت شيء مما أخبر به الرسول، إن لم يعلم انتفاء المعارض المذكور، وهو لا يمكنه العلم بانتفاء هذا المعارض، إن لم يعلم بدليل آخر عقلي ثبوت ما أخبر به الرسول، وإلا فإذا لم يعلم بدليل عقلي ثبوته، وليس معه ما يدله على ثبوته إلا إخبار الله ورسوله –وهذا عنده مما يجوز أن يعارضه عقلي تقدم عليه – فلا طريق له إلى العلم بانتفاء المعارضات العقلية، إلا أن يحيط علمًا بكل ما يخطر ببال بني آدم، مما يظن أنه دليل عقلي.
وهذا أمر لا ينضبط، وليس له حد، فإنه لا يزال يخطر لبني آدم من الخواطر، ويقع لهم من الآراء والاعتقادات، ما يظنونه دلائل عقلية، وهذه تتولد مع بني آدم كما يتولد الوسواس وحديث النفس، فإذا جوّز أن يكون فيها ما هو قاطع عقلي معارض للنصوص مستحق للتقديم عليها، لم يمكنه الجزم بانتفاء هذا المعارض أبدًا، فلا يمكنه الجزم بشيء مما أخبر به الرسول –بمجرد إخباره- أبدًا، فلا يؤمن بشيء مما أخبر به الرسول، لكونه الرسول أخبر به أبدًا، ولا يستفيد من خبر الله ورسوله علمًا ولا هدي، بل ولا يؤمن بشيء من الغيب الذي أخبر به الرسول إذا لم يعلم ثبوته بعقله أبدًا.
5 / 15