Copernicus Darwin Freud
كوبرنيكوس وداروين وفرويد: ثورات في تاريخ وفلسفة العلم
Nau'ikan
اتفق الداروينيون مع المركزية العقلانية التي أشار إليها كوبرنيكوس . بالنسبة لمعاصريهم الأكثر اتساما بالفكر العلمي، أدت ثورة داروين في العلم إلى فقدان التصميم الرشيد. فشلت حجج التصميم القديمة في التعامل مع المهمة التفسيرية الخاصة بتقديم تفسير متماسك لتنوع شجرة الحياة. والتفسيرات التابعة لنظرية الخلق المتبعة لأسلوب الكتاب المقدس شديدة الخصوصية حتى إنها غير قادرة على ادعاء مصداقية كبيرة. تأمل، على سبيل المثال، عمر الأرض. ثمة أدلة مستقلة على أن الأرض تشكلت قبل نحو 4,5 مليارات سنة. ولن يكون مقبولا الزعم بأن الأرض تشكلت حقا من 6000 سنة فقط، كما يقول الكتاب المقدس. يتطلب التشبث بهذه العقيدة وجود خالق مخادع زرع على نحو خفي الأدلة الجيولوجية لجعل الأرض تبدو كما لو كانت أقدم بكثير. إن التعصب الديني لا ينجح عندما تكون النظرية العلمية منافسا جادا له.
وحتى خلال عصر داروين، ابتعد بعض خصومه عن سيناريوهات الخلق الواردة في الكتاب المقدس؛ فقد أخذوا العلم على محمل الجد، واستدلوا من الاستنتاجات العلمية على التصميم، وليس المصمم. دعمت سيناريوهات التصميم الذكي كنماذج منافسة لإصرار داروين على الانتقاء الطبيعي. يجب ألا ننسى أن الانتقاء الطبيعي أصبح موضع شك كبير خلال سبعينيات القرن التاسع عشر. حتى إن تي إتش هكسلي أبدى بعض الشكوك بشأن القدرة التفسيرية للانتقاء الطبيعي. وبالنظر إلى جلد الإنسان الأملس، ويديه وقدميه، وصوته، ناهيك عن قدراته الفكرية، شك والاس في عمل التصميم الذكي. وأشار كتاب ميلر المناهض للداروينية «آثار الخالق» (1861) إلى أنه يمكن استخلاص مؤشرات التصميم المتناغم والعناية الإلهية الأبدية من الحقائق الجيولوجية. واتفق المناهضون للداروينية على أن الأدلة لم تدعم الانتقاء الطبيعي على نحو كاف. فلا يمكن أن تكون سببا ماديا حقيقيا، كما أنها فشلت في تفسير دليل التعقيد على نحو مناسب. وأكد معارضو الداروينية، مثل دوق أرجيل وهيلر ميلر وسانت جورج ميفارت، أنه يلزم وجود الكثير من التنسيق في نمو الكائنات الحية، وبهذا لا يمكن أن ينسب إلى عمل الصدفة «العمياء». كان رفض الانتقاء الطبيعي، وإن لم يكن رفضا للتطور، طعنة في الفلسفة الميكانيكية.
13
ولكن إذا أخفق الانتقاء الطبيعي والفلسفة الميكانيكية، فإن اللجوء إلى التصميم يستعيد بعضا من المكانة. لا بد أن خطة ذكية تكمن في جذور التعقيد العضوي؛ فالتطور العضوي كله يجب أن يتضمن اتجاهية كامنة فيه.
تظهر سيناريوهات الخلق المتبعة لأسلوب الكتاب المقدس من وقت لآخر، ولكن التحدي الموثوق للداروينية يجب أن يأخذ الأساليب العلمية والحقائق على محمل الجد. في تسعينيات القرن العشرين ظهرت نظرية حديثة للتصميم الذكي، وهي تهدف إلى أن تثبت علميا أن الانتقاء الطبيعي لا يمكن أن يقوم بالعمل التفسيري الذي يدعي القيام به. من وجهة النظر الفلسفية، تعد نظرية التصميم الذكي مثيرة للاهتمام؛ لأن الحجج تصاغ في صورة أسئلة تثار عن الاستدلالات المسموح بها. ولقد رأينا بالفعل أن الاستدلالات تلعب دورا رئيسيا في التاريخ الدارويني. (5-4) التصميم الذكي
كل ثورة في العلوم الطبيعية أنتجت قضايا فلسفية جديدة. (روزنبرج، «فلسفة العلوم الاجتماعية» (1995)، 212)
استنتجت حجج التصميم القديمة من النظام المرئي وجود تصميم، ومن الكمال الظاهري وجود مصمم إلهي. وأكد داروين أنه يوجد نظام في الطبيعة، ولكن لا يوجد كمال. وتستنتج حجج التصميم الجديدة، من التعقيد العضوي وعدم الاحتمالية، وجود تصميم ذكي. ويعتبر استدلال بيلي الإضافي من التصميم، الذي يقضي بوجود مصمم، استدلالا غير ضروري. إن التعقيد ناتج عن الدراسات العلمية، وليس التأمل الديني. وتأخذ نظرية التصميم الذكي - على غرار سابقاتها من القرن التاسع عشر - العلم على محمل الجد. فتعتمد على وجه التحديد على الاكتشافات العلمية للبيولوجيا الجزيئية والنتائج الرياضية لنظرية الاحتمالات. وهكذا نقلت المعركة إلى أرض التطوريين. كانت تتفق مع الداروينيين في عدم تسامحها المطلق مع دعاة نظرية الخلق. وكانت توافق على أن عمر الأرض حوالي 4,5 مليارات سنة، وتوافق على أن الانتقاء الطبيعي يلعب دورا في التطور، ولا ترى حاجة للالتجاء إلى وجود مصمم؛ فهي تعامل التصميم الذكي باعتباره فرضية «الذكاء غير المتطور» (ديمبسكي/روس 2004، 3) أو حتى كاستدلال لأفضل تفسير (مينوج 2004، 32؛ ماير 2004، 371-372). ومن وجهة نظر منطقية، يبدو أنها تستخدم ممارسات استدلالية تماما مثل الداروينيين.
من أجل التبسيط، لنفترض وجود تفسيرين: القصة الدراوينية (الجديدة) المألوفة وتفسير التصميم الذكي، ولكن علماء الأحياء التطورية لم يعودوا يعتمدون على التشريح وعلم الأجنة وعلم الحفريات؛ فقد اتسع نطاق الأدلة إلى العالم الجيني والجزيئي. يركز منظرو التصميم المعاصرون تحديدا على: (أ) التعقيد على المستوى الجزيئي. (ب) الانتقال من الحياة غير العضوية إلى الحياة العضوية وظهور تصميمات أجسام حيوانية جديدة. (ج) الاحتمالات الرياضية الداعمة للتصميم الذكي. لنتناول هذه الحجج بإيجاز ثم نلق نظرة على بعض الانتقادات الموجهة لنظريات التصميم الذكي الحديثة. (أ)
حجة التعقيد غير القابل للاختزال (بيهي 1996؛ 2004): وفقا لبيهي، أثبتت البيولوجيا الجزيئية الحديثة وجود تعقيد غير قابل للاختزال في النظم الموجودة داخل الخلية. وتشير أمثلة بيهي العلمية الواقعية إلى تخثر الدم، والكيمياء الحيوية للرؤية، وما يسمى السياط البكتيرية كجزء من كيمياء الخلية (وهو محرك دوار يعمل بالطاقة الأيونية، بحسب ميلر (2004، 82)، وهو «متصل بالأغشية المحيطة بالخلية البكتيرية»). ويعني التعقيد غير القابل للاختزال أن «إزالة أي من الأجزاء المتفاعلة يؤدي إلى توقف النظام عن العمل» (بيهي 2004، 353). ووفقا لبيهي، تتمثل النقطة المتعلقة بالتعقيد غير القابل للاختزال في أنه لا يمكن تفسيره بعملية التعديل التدريجي الداروينية. وإذا أخفق الانتقاء الطبيعي والتدرجية في تفسير التعقيد، فإنه يبدو من المعقول بالنسبة لبيهي استنتاج التصميم الذكي لتفسير هذا النوع من التعقيد الجزيئي. يكشف التعقيد عن التصميم الذكي. من وجهة النظر الفلسفية، من المدهش أن منظري التصميم الذكي - أمثال بيهي - على استعداد للانتقال من مسألة الاستدلالات المقبولة التي يوافق عليها جميع الأطراف إلى مسألة الاستدلالات المسموح بها. وهكذا، يعلن بيهي أن «عملية التصميم ربما لا تنتهك أي قوانين طبيعية على الإطلاق» (بيهي 2004، 357). (ب)
حجة ظهور الحياة وتصميمات الأجسام الجديدة: حاول علماء الأحياء تفسير التحول غير المحتمل من الحياة غير العضوية إلى الحياة العضوية. كانت المشكلة هي أن الجزيئات الأولى كانت معقدة جدا بالفعل، ويحتاج أصل هذا التعقيد إلى تفسير. ووفقا لمنظري التصميم الذكي، اللجوء إلى الصدفة والقوانين الطبيعية غير كاف. «يبدو أن أصل الحياة هو المثال الأقوى للتعقيد غير القابل للاختزال» والمثال «الأكثر إقناعا بالحاجة إلى التصميم الذكي في الطبيعة» (برادلي 2004، 350). لاحظ مرة أخرى الشكل الذي تتخذه الحجة: «تفشل» التفسيرات التقليدية؛ ومن ثم يبدو أن استدلال التصميم الذكي يفرض نفسه. وفي تطور آخر للحجة، لم يقدم التصميم الذكي كحل مناسب لمسألة «أصل الحياة» وحسب، ولكن أيضا لظهور تصميمات الأجسام الحيوانية الجديدة في فترة انفجار العصر الكامبري (ماير 2004، 372). يقبل منظرو التصميم الذكي أن «الآلية الداروينية يمكنها تفسير التكيف التطوري الصغير»، مثل مجموعة المناقير المتنوعة لدى عصفور الدوري التي ذكرها داروين. ما يعارضونه هو أن التطور يستطيع أن يفسر «ظهور معلومات محددة معقدة في الكائنات الحية» (ماير 2004، 386؛ ولكن قارن ذلك مع جولد 1991؛ 2001 من أجل التفسير التطوري). نلاحظ مرة أخرى الاستعداد للانتقال من الاستدلالات المقبولة إلى الاستدلالات المسموح بها:
Shafi da ba'a sani ba