Copernicus Darwin Freud
كوبرنيكوس وداروين وفرويد: ثورات في تاريخ وفلسفة العلم
Nau'ikan
4
وعلى نحو متوقع، واجه الداروينيون أكبر تحد لهم عندما طبقوا فكرة الانتقاء الطبيعي على نشأة البشر؛ الكائنات المالكة لأعلى أشكال الوعي. وكما سنرى، كان الاعتراض هو أن الانتقاء الطبيعي لا يمكن أن يفسر الوظائف العقلية الأعلى لدى البشر. لم يتحد الداروينيون قط المكانة العليا للبشر في تدرج الحياة العضوية. ولكن ما يصنع الفارق الجوهري هو هل كان هذا مفهوما بمعنى مكاني، كما في «سلسلة الوجود العظمى»، أم بمعنى زمني كما في نظرية التطور (ويندورف 1985، 403)؛ ومن ثم فإن نظرية التطور لها انعكاسات كبيرة على فلسفة العقل: كيف نفسر ظهور الوظائف العقلية العليا الخاصة بالأنشطة العصبية في المخ؟ (أ) مبادئ التطور
يتواصل التطور وكأنه عامل حرفي يعيد تغيير شكل أعماله على مدار ملايين السنين (...). (جاكوب، «لعبة الإمكانات» (1981)، 66، ترجمه المؤلف)
قبل تناول داروين لأصل الإنسان، تعامل أولا مع أصل الأنواع. إن عنوان كتاب داروين «أصل الأنواع» مضلل؛ فليس مقصد الكتاب تفسير أصل الحياة في فجر التاريخ ولكن تفسير كيفية ظهور الأنواع الجديدة. حاولت نظرية داروين تقديم تفسير طبيعي لبقاء الكائنات العضوية وما مرت به من تعديلات في الماضي القريب وفي الحاضر. فبدلا من الإشارة - على غرار لامارك - إلى أن سلسلة الأنواع تميل نحو نوع من الكمال وتبلغ ذروتها في ظهور الجنس البشري، كانت فكرة داروين أن التغير العضوي يؤدي إلى تكيف محلي استجابة للبيئة المتغيرة. تؤدي الاستجابات التكيفية للظروف البيئية المتغيرة إلى التنوع ، وقد تؤدي هذه العملية إلى تطور ضمن السلالة (التخلق التجددي) أو إلى تقسيم السلالة (التخلق التفرعي). وتصبح بعض الكائنات أكثر تعقيدا من غيرها. زادت سعة الجمجمة البشرية كثيرا مع تطور الإنسان من «الإنسان الماهر» إلى «الإنسان العاقل»، ولكن ليس حتميا أن يكون هذا انتقالا نحو الكمال. فربما يفقد كائن حي وظيفة البصر لو كان يتكيف مع ظروف المعيشة في الكهوف المظلمة؛ لذلك ليس الأصلح هو الأفضل بالمعنى المطلق. إنما تكتسب الكائنات ببساطة تكيفا أنسب مع البيئة المحلية. يستشهد علماء الأحياء بالعديد من أمثلة تعديل أجزاء الجسم: من فقدان الآذان الداخلية والخارجية إلى فقدان الأطراف الأمامية لدى الثعابين، ومن تبسيط العيون لدى الثعابين (فقدان الجفون) إلى فقدان البصر لدى أسماك الكهف (راف 1996، 207-209؛ جولد 2002، 203-204، 218-219).
لفهم الأفكار الرئيسية للتطور، تأمل ثلاثة مستويات: مستوى الأنواع، ومستوى الكائنات الفردية، ومستوى الجينات.
على مستوى الأنواع، قدم لامارك وجهة نظر «خطية» متدرجة للتطور. تولد الطبيعة سلسلة من أشكال الحياة متزايدة التعقيد، وتنتهي السلسلة بالبشر، ذروة الخليقة. رد الداروينيون بوجهة نظر «متفرعة» للتطور. يحتاج البقاء على قيد الحياة إلى دفع الكائنات إلى أنماط حياتية معينة. وهذه الأنماط الحياتية تفرض قيودا على الكائنات على المستوى المورفولوجي والبنيوي. وتوفر الاستجابات التكيفية درع الحياة الواقي النابض بالحيوية.
كان تركيز والاس منصبا على نمو وتضاؤل الأنواع. وهذا ألهمه بالفعل في عام 1855 بصياغة صورة مجازية جديدة: شجرة الحياة العضوية المتفرعة. من منظور عين الطائر، يعني تطور الأنواع التكيف المحلي مع الظروف البيئية المتغيرة. وتكون النتيجة تنوعا كبيرا في الأنواع. تحمل شجرة الحياة العديد من الفروع والأغصان. صور تي إتش هكسلي - الرائد الأول لنشر العلم بين العامة - جوهر التغيير في صورة مجازية:
بدلا من تخيل الكائنات الحية على أنها مرتبة مثل درجات السلم، تجبرنا الدراسات الحديثة على ترتيبها كما لو كانت أغصان وفروع شجرة. تمثل نهاية الأغصان الأفراد، وتمثل أصغر المجموعات الأنواع، وتمثل المجموعات الأكبر الأجناس، ويمثل الفرع الرئيسي مخطط بنية مشترك. (هكسلي 1888، 300)
كلما زاد تنوع الأنواع، زاد استغلالها لما يقدمه النمط الحياتي المحلي من حيث الموارد؛ إذ تعمل البيئة بمنزلة قيد. يمثل دب الكوالا شكلا متطرفا من أشكال التنوع؛ إذ إنه يعتمد فقط على مصدر غذائي واحد. وتسمى دراسة تنوع الأنواع تلك باسم «التطور الكبروي». يمتلك التطور على هذا المستوى اثنتين من الخصائص الأساسية؛ أولاهما هي الانتواع: بمعنى انقسام السلالة وتطور أنواع جديدة.
5
Shafi da ba'a sani ba