Contemporary History of Algeria
تاريخ الجزائر المعاصر
Mai Buga Littafi
من منشورات اتحاد الكتاب العرب
Nau'ikan
تطور التشكيلات السياسية الجزائرية
في الفترة ما بين ١٩٤٦و١٩٥٤
يرى معظم المؤرخين وجميع الذين كتبوا في تاريخ الجزائر المعاصر، حتى اليوم، أن حركة مايو ١٩٤٥ هي التي أنضجت فكرة الكفاح المسلح في أواسط الحركة المصالية وشكلت القاعدة الأساس لانطلاق ثورة نوفمبر ١٩٥٤. إن هذا الرأي - المنقول والمتناقل - بعيد كل البعد عن أن يكون هو الصواب، بل أن إخضاعه للمقاييس العلمية التي تتحكم عادة في البحوث الجادة، سوف يبين بكل سهولة أن فيه إجحافًا كبيرًا لجهد الرواد من المناضلين الذين آمنوا مبكرين، بفكرة الكفاح المسلح كأفضل وسيلة لاسترجاع الاستقلال الوطني، وبذلوا كل مافي وسعهم من أجل تجسيدها على أرض الواقع.
فالقرن التاسع عشر، في ثلثيه الأخيرين، قد شاهد مقاومة شعبية مسلحة في أماكن متعددة من البلاد وفي فترات زمنية مختلفة، وإذا كنا، هنا، في غير حاجة إلى تعداد تلك المقاومة، فإننا، بالمقابل، نعتقد مفيدًا الإشارة إلى أنها كانت تندلع، دائمًا، تحت إشراف وبقيادة الطلائع المثقفة، الأمر الذي جعل الإدارة الاستعمارية تبذل كل ما في وسعها من وسائل القمع والإبادة من أجل القضاء على مصادر الثقافة الوطنية التي كانت تتولى نشر الوعي في أوساط الجماهير، وتؤمن للإنسان الجزائري مناعة تحميه من إصابات الاعتداءات العقائدية والفكرية التي كانت جزءًا مهمًا من مخطط الغزو الاستعماري.
لقد كان الجيش الفرنسي، كلما خرج منتصرًا من معركة، وكلما تمكن من إخماد مقاومة، يوجه آلته التدميرية إلى المدرسة الجزائرية بجميع أنواعها وإلى المسجد الجامع خاصة، بعد أن يتولى قادته نهب المكتبات وإتلاف ماتعذر حمله من نفائس المخطوطات والكتب، وفي ذات الوقت، تشن حملة واسعة النطاق قصد التنكيل بالأحياء من المثقفين الذين كثيرًا مايرغمون على الهجرة إلى البلاد العربية الإسلامية أويساقون إلى سجون فرنسا في سائر مستعمراتها النائية إلى جانب كل ذلك، تؤمم الأوقاف، في جميع المستويات ثم توزع الغنائم على الغزاة وعلى من تميز بالعمالة من أعوانهم.
1 / 100