72

Commentary on Sharh al-Sunnah by Al-Barbahari - Nasser al-Aql

التعليق على شرح السنة للبربهاري - ناصر العقل

Nau'ikan

إثبات الصورة
(وخلق الله آدم على صورته) أي: صورة الرحمن، وهذا هو قول جمهور السلف وإن شذ عنهم بعض الأئمة لاشتباه عندهم، وإلا فالضمير في قوله: (على صورته) يرجع إلى الله ﷿ في الراجح، وهذا أمر غير مفسر الكيفية لكن معناه المجمل مفهوم عند عامة المخاطبين بأن الله ﷿ له الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وأفعاله، والله ﷿ جعل عند المخلوق شيئًا من الكمالات المحدودة التي لا توصله إلى القداسة والكمال المطلق؛ لكنها كمالات محدودة وصفات حميدة.
كذلك الصورة ثبتت لله ﷿ بنصوص أخرى، وهي كسائر الصفات ليس هناك ما يبرر التكلف في تأويلها أو نفيها، فهي كسائر الأخبار عن الله ﷿ وكسائر الصفات، كقوله ﷺ: (رأيت ربي في أحسن صورة).
قال: (فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض).
ولا يقصد التفويض بمعنى عدم إثبات الحقيقة، أو الهروب من الإثبات، ولا يقصد بالتفويض أيضًا اعتقاد أن ليس لها معنى أو أن معناها غير مفهوم عند المخاطبين أو نحو ذلك، إنما يقصد بالتفويض تفويض الكيفية، يعني: أن ما نعلمه بإجمال نثبته، وما لا ندركه ولا نعلمه من الكيفيات نفوضه إلى الله ﷿؛ لأننا ما أمرنا بالكلام فيه، بل نهينا.
والتفويض من الكلمات الحساسة التي ينبغي لطالب العلم أن يتفادى إطلاقها، وليست من الأمور الضرورية في تقرير العقيدة وإن أطلقها بعض السلف كما أطلقها الشيخ هنا، فإنما أطلقها على معنى صحيح لكنه غير شائع وغير مستعمل ويؤدي إلى حرج في إطلاق الصفات، فليس في الصفات ما يفوض على المعنى المفهوم عند المفوضة، إنما تفوض للكيفية؛ إطلاقها في الأمور الغيبية إلا مفسرة، بمعنى أن نقول: إن المفوض هو ما لا نعلمه وما لم نخاطب به، أما ما خوطبنا به فلا نفوضه وهو المعاني والحقائق.
وكذلك الحقائق تنقسم إلى قسمين حقائق بمعنى المعاني، هذه معلومة وحقائق بمعنى الكيفيات لا نفسر شيئًا منها بالرأي، بل إن تفسير هذه الأمور بالرأي يعتبر من كبائر الذنوب ومن البدع المغلظة، فإن الإيمان بها واجب، فمن فسر شيئًا منها بهواه أو رده فهو جهمي؛ لأن هذا هو منهج الجهمية الأوائل كانوا يردون النصوص ولا يبالون، فلما رأوا أن هذا المنهج فيه نوع مغالطة وأنه يصادم عقائد المسلمين وصار ينفر منه حتى العوام، سلكوا مسلكًا آخر وهو مسلك التأويل، وهو التفسير بالهوى.

5 / 7