Collection of Letters and Fatwas on Critical Issues Needed by Our Times
مجموعة رسائل وفتاوى في مسائل مهمة تمس إليها حاجة العصر
Mai Buga Littafi
الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٠٤هـ
Nau'ikan
[الرسالة الأولى في الاتباع وحظر الغلو في الدين للشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ]
مجموعة رسائل وفتاوى في مسائل مهمة تمس إليها حاجة العصر رسالة
في الاتباع وحظر الغلو في الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن عبد اللطيف إلى من يراه من الإخوان، سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم، وثبتنا على دينه القويم، وأعاذنا من الأهواء والطرق المفضية بسالكها إلى طريق الجحيم، آمين.
سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد فالباعث لهذه النصيحة إقامة الحجة على المعاند، والبيان للجاهل (الذي) نيته وقصده طلب الحق ولكنه ابتلي بالوساوس والغرور.
1 / 1
تعلمون وفقنا الله وإياكم أن الله بعث محمدًا ﷺ بالهدى ودين الحق وهو ما جاء به من البرهان والنور. قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٧٤] وقال تعالى ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] وقال تعالى ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣] الفتنة هي الشرك (١) وفرض الله علينا الإخلاص في عبادته، واتباع سنة نبيه ﷺ ولا يقبل لأحد شيء من الأعمال إلا بالقيام بهذين الركنين: الإخلاص
_________
(١) الفتنة في أصل اللغة المحنة والابتلاء بما يشق على النفس فعله أو تركه ومنه قوله تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) وقوله (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) وتفسر بما يقع به الفتون والإفتان من الشرك والكفر والشهوات. وقد فسرت في آية النور التي أوردها الشيخ هنا بالكفر أو بإظهاره لأنها نزلت في المنافقين.
1 / 2
والمتابعة، فالإخلاص أن يكون العمل لله. والمتابعة أن يكون متّبعًا لأمر رسوله، لأن كل عبادة حدها الشرعي ما أمر به الرسول ﷺ من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي. ليست العبادة ما درج عليه عرف الناس وما اقتضته مقاييسهم وعقولهم، لها حد يقف المؤمن والخائف من عقاب الله عنده، وهو ما أمر به الرسول ﷺ، قال ﷺ «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» وقال «من أحدث شيئا ليس عليه أمرنا فهو رد» (١) .
وما خرج أحد عن شريعته وطريقته إلا سلك إحدى الطريقتين إما جفاء وإعراض، وإما غلو وإفراط،
_________
(١) أي مردود عليه لا يقبل. والحديث رواه الإمام أحمد ومسلم باللفظ الأول هنا ورواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه بلفظ (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) .
1 / 3
وهذه مصائد الشيطان التي يصطاد بها بني آدم ولهذا حذر سبحانه عن الغلو. قال تعالى ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [النساء: ١٧١] وفي الآية الأخرى ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: ٧٧] فلما من الله سبحانه على المسلمين في آخر هذه الأزمان التي اشتدت فيها غربة الدين باجتماع المسلمين ورد لهم الكرة، ولم شعثهم بإمام يدعوهم إلى دين الله وإلى طاعته بماله ونفسه ولسانه، وهدى الله بسبب ذلك من هدى من البادية وعرفهم الإسلام ورغبهم فيه ودانوا به وهي من أعظم النعم عليهم وعلى المسلمين عمومًا أن هداهم لدينه وعرفهم به وأخرجهم من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإسلام وطاعة ربهم، وعرفهم دينهم
1 / 4
الذي خلقوا له وتعبدهم الله سبحانه وبحمده به وقد كانوا قبل ذلك في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، أشقى الناس في الدنيا من عاش منهم عاش شقيًا، ومن مات منهم ردي في النار.
فالواجب علينا وعليكم معرفة هذه النعمة والقيام بحق الله تعالى في ذلك وشكر نعمه عليكم ولا تكونوا كالذين ﴿بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾ [إبراهيم: ٢٨] قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٠٠] وقال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ - وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢ - ١٠٣]
1 / 5
إلى قوله ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ - وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٥ - ١٠٧] قال ابن عباس ﵁: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والشناعة، وقال تعالى ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ [الشورى: ١٣] وقال تعالى ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [البينة: ٤]
1 / 6
والآيات في النهي عن التفرق في الدين والاختلاف كثيرة لكن القصد التنبيه على ما يلقيه الشيطان ويزينه للناس من التفرق والاختلاف. والذي قصده الله والدار الآخرة يرد ما صدر وما سمع إلى كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] ولا هنا عمل إلا بدليل وبرهان يطالب به صاحب العمل.
وقد بلغني عن بعض من غره الغرور الطعن في العلماء ورميهم بالمداهنة وأشباه هذه الأقاويل التي صدت أكثر الخلق عن دين الله وزين لهم الشيطان بسبب ذلك الطعن في الولاية بأمور حقيقتها البهتان والطعن الباطل، وقد علمتم ما جاء به ﷺ وفرضه من السمع والطاعة قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]
1 / 7
ولم يستثن سبحانه برا من فاجر، ونهى ﷺ عن إنكار المنكر إذا أفضى إلى الخروج عن طاعة ولي الأمر، ونهى عن قتالهم لما فيه من الفساد.
عن عبادة بن الصامت قال: «دعانا رسول الله ﷺ فبايعنا وكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في مكرهنا ومنشطنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: (إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان» أخرجاه في الصحيحين، وقوله (وأن لا ننازع الأمر أهله) دليل على المنع من قتال الأئمة إلا أن يروا كفرًا بواحًا وهو الظاهر الذي قد باح به صاحبه. فطاعة ولي الأمر وترك منازعته هي فصل النزاع بين أهل السنة وبين الخوارج والرافضة.
وعن حذيفة بن اليمان ﵁ قال: إن رسول الله ﷺ قال «اسمع وأطع للأمير وإن ضرب ظهرك،
1 / 8
وأخذ مالك» وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرًا فمات إلا مات ميتة جاهلية» وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» فذكر في هذا الحديث البيعة والطاعة فالخروج عليهم نقض للعهد والبيعة، وترك طاعتهم ترك للطاعة.
وبهذه الأحاديث وأمثالها عمل أصحاب رسول الله ﷺ بها وعرفوا أنها من الأصول التي لا يقوم الإسلام إلا بها، وشاهدوا من يزيد بن معاوية والحجاج ومن بعدهم خلا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز أمورًا ظاهرة ليست خفية، ونهوا عن
1 / 9
الخروج عليهم والطعن فيهم، ورأوا أن الخارج عليهم خارج عن دعوة المسلمين إلى طريقة الخوارج، ولهذا لما حج ابن عمر ﵁ مع الحجاج وطعن في رجله قيل له: أنبايعك على الخروج على الحجاج وعزله - وهو أمير من أمراء عبد الملك بن مروان - غلظ الإنكار عليهم وقال: لا أنزع يدًا من طاعة واحتج عليهم بالحديث الذي تقدم ذكره.
فإذا فهمتم ذلك فاشكروا نعمة الله عليكم بما منَّ به من إمامة إسلام تدعوهم إليه ظاهرًا أو باطنًا مما سمعتم وصدقه الفعل من بذل المال والسلاح والقوة وإعانة المهاجرين لأجل دينه لا لقصد سوى ذلك، يعرف ذلك من عرفه، ولا يجحده إلا منافق مفارق بقلبه ونيته ما اعتقده المسلمون وقاموا به.
وأما الطعن على العلماء فالخطأ ما يعصم منه أحد،
1 / 10
والحق ضالة المؤمن، فمن كان عنده علم يقتضي الطعن فليبينه جهارًا ولا يخف في الله لومة لائم، حتى يعرفوا حقيقة الطعن وموجبه، واحذروا التمادي في الضلالة، والخروج عن الجماعة. فالحق عيوف، والباطل شنوف، والشيطان متكئ على شماله، يدب بين الأمة بالعداوة والشحناء، عياذًا بالله من فتنة جاهل مغرور، أو خديعة فاجر ذي دهاء وفجور، يميل به الهوى، ويزين له الشيطان طريق الغواية والردى، والله أسأل أن يُثبتنا وإياكم على دينه، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
1 / 11
[الرسالة الثانية للشيخ سعد بن حمد بن عتيق]
الرسالة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد بن حمد بن عتيق إلى من يصل إليه هذا الكتاب من إخواننا من أهل الأرطاوية والغطغط وغيرهم من عتيبة ومطير وقحطان وغيرهم من إخواننا المسلمين، نور الله قلوبنا وقلوبهم بنور العلم والإيمان، وجعلنا وإياهم من أتباع السنة والقرآن، وأعاذنا وإياهم من زيغ القلوب ونزغات الشيطان.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وبعد فإن الله ﷾ بعث محمدًا ﷺ بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه الكتاب المبين، وجعله هدى للمتقين، وشفاء ورحمة للمؤمنين،
1 / 12
وحجة على المبطلين، وضمن الرحمة والسعادة والفلاح والهدى والفوز بالجنة والنجاة من النار لمن اتبعه وعمل بما فيه، وتوعد من خالفه أو أعرض عنه أنواعًا من الوعيد. قال تعالى ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٥] وقال ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: ٢٩] وقال تعالى ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى - قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا - قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: ١٢٣ - ١٢٦] قال بعض السلف: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة.
ومما أمر الله به في كتابه المبين، وأوحاه إلى
1 / 13
رسوله الأمين، الحث على الاجتماع على الدين، والاعتصام بحبله المتين، واتباع سبيل المؤمنين، واجتناب ما ذمه الله سبحانه من أخلاق من ذمَّهم في كتابه من أهل التفرق والاختلاف والمشاقة له ولرسوله، ومخالفة أهل الصراط المستقيم، قال تعالى ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ [الشورى: ١٣] وقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ - وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٢ - ١٠٣] وقال تعالى ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ - يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٤ - ١٠٦]
1 / 14
قال بعض المفسرين: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف وتسود وجوه أهل البدعة والاختلاف، وقد ورد في الحديث عنه ﷺ أنه قال «إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» .
ومن أعظم أسباب التفرق والاختلاف والعدول عن طريق الحق والإنصاف، ما وقع من كثير من الناس من الِإفتاء في دين الله بغير علم، والخوض في مسائل العلم بغير دراية ولا فهم، فإن الله تعالى قد حرم القول عليه بغير علم في أسمائه وصفاته وشرعه وأحكامه، وجعل ذلك قرينًا للشرك الذي هو أعظم
1 / 15
المحرمات (١) كما قال تعالى ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٣] وقال تعالى ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ [النحل: ١١٦] وقال تعالى ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٤]
وهذا مصداق ما أخبر به النبي ﷺ مما يكون في
_________
(١) بل عده المحقق ابن القيم أشد من الشرك لأن الشرك كفر قاصر على صاحبه والقول على الله بغير علم كفر متعد ضرره إلى الناس " راجع تفسير الآية له في مدارج السالكين " ومن أدلة كون القول على الله تعالى بغير علم شرك قوله ﷿ (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) .
1 / 16
آخر الزمان من قبض العلم بذهاب أهله وظهور الجهل واتخاذ الناس الجهلة المفتين بالفتوى المضلة، وقال ﷺ في حديث عبد الله بن عمرو ﵁: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسًا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» وقد قال تعالى في هذا الصنف من الناس ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥] وفي الحديث عنه ﷺ أنه قال «من سنَّ في الِإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الِإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا» .
1 / 17
ومما انتحله بعض هؤلاء الجهلة المغرورين الاستخفاف بولاية المسلمين، والتساهل بمخالفة إمام المسلمين والخروج عن طاعته والافتيات عليه بالغزو وغيره، وهذا من الجهل والسعي في الأرض بالفساد بمكان، يعرف ذلك كل ذي عقل وإيمان، وقد علم بالضرورة الِإسلامية أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، وإن الخروج عن طاعة أولي أمر المسلمين والافتيات عليه من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد، وقد قيل:
تهدى الأمور بأهل الرأي إن رشدت ... وإن تولت فبالأشرار تنقاد
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا صلاح إذا جهالهم سادوا
1 / 18
وفي الحديث عنه ﷺ أنه قال: «وأنا آمركم بخمس السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الِإسلام من عنقه» وفي الحديث «ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله، ومناصحة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» .
ومن ذلك ما وقع من غلاة هؤلاء من اتهام أهل العلم والدين ونسبتهم إلى التقصير وترك القيام بما وجب عليهم من أمر الله سبحانه وكتمان ما يعلمون من الحق. ولم يدر هؤلاء الجهلة أن اغتياب أهل العلم والدين والتفكه بأعراض المؤمنين، سم قاتل وداء دفين، وإثم واضح مبين، قال الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٨]
1 / 19
شعرا:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكموا ... من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
ومن ذلك ما التزموه وألزموا به غيرهم من أعراب المسلمين من ترك سكنى البادية والتزام الحضر وإنشاء العمران والبنيان، والتشديد في أمر العمائم والعدوان على كثير من أهل الإسلام والتوحيد، بالضرب الشديد، والهجر والتهديد، إلى غير ذلك من الأمور التي خرجوا بها عن حكم العقل والعدل والإنصاف، وانتظموا بها في سلك أهل الجهل والظلم والاعتساف، وهم مع ذلك يحسبون أنهم مهتدون، ويزعمون أنهم هم المفسدون ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ١٢]
وهذه الأمور ونحوها يكفي في ردِّها مجرد الإشارة والتنبيه دون بسط القول فيها واستقصاء الأدلة على ردها.
1 / 20