ذهبت مع أستاذي قبل العصر إلى الأزبكية حيث تجمع الناس والكثير من الإفرنج. وكان الفرنساوية قد أعلنوا عن تطيير مركب تسير في الهواء بحكمة مصنوعة، ويجلس فيها أنفار من الناس، ويسافرون في الهواء إلى البلاد البعيدة لكشف الأخبار ، وإرسال المراسلات.
شهدنا قماشا على عمود قائم، وهو ملون أحمر وأبيض وأزرق على مثل دائرة الغربال، وفي وسطه مسرجة بها فتيلة مغموسة ببعض الأدهان، وتلك المسرجة مصلوبة بسلوك من حديد منها إلى الدائرة، وهي مشدودة ببكر وأحبال، وأطراف الأحبال بأيدي أناس قائمين بأسطحة البيوت القريبة منها.
وبعد نحو ساعة أوقدوا الفتيلة؛ فصعد دخانها إلى القماش وملأه، فانتفخ وصار مثل الكرة التي ارتفعت عن الأرض، فقطعوا تلك الحبال فصعدت إلى الجو مع الهواء، ومشت هنيهة لطيفة، ثم سقطت طارتها بالفتيلة، وسقط أيضا ذلك القماش.
فلما حصل لها ذلك انكسف طبعهم لسقوطها، ولم يتبين صحة ما قالوه. وقال أستاذي في سخرية: إنها مثل الطيارة التي يعملها الفراشون بالمواسم والأفراح.
السبت أول ديسمبر
أرسلني أستاذي لأعاين التعديلات التي أدخلها الفرنساوية على شوارع المدينة. وجدت أنهم أحدثوا طريقا جديدة فيما بين باب الحديد وباب العدوي حيث معامل الفواخير، وردموا جسرا ممتدا ممهدا مستطيلا يبتدئ من الحد المذكور، وينتهي إلى جهة المذبح خارج الحسينية، وأزالوا ما يتخلل بين ذلك من الأبنية والغيطان والأشجار والتلول، ومدوا طريقا من الأزبكية إلى جهة قبة النصر المعروفة جهة العادلية على خط مستقيم.
كان العمل ما زال جاريا في بعض الأماكن. ولاحظت أنهم يستعينون في الأشغال وسرعة العمل بالآلات القريبة المأخذ، السهلة التناول. كانوا يجعلون بدل الغلقان والقصاع عربات صغيرة، ويداها خشبيتان ممتدتان من خلف، يملؤها الفاعل ترابا أو طينا أو أحجارا بحيث تسع مقدار خمسة غلقان، ثم يقبض بيديه على اليدين، ويدفعها أمامه فتجري على عجلتها بأدنى مساعدة إلى محل العمل، فيميلها بإحدى يديه ويفرغ ما فيها من غير تعب ولا مشقة.
تحدثت مع الفعلة فقالوا إنهم لا يعملون بالسخرة بل يأخذون أجرتهم المعتادة، ويصرفونهم من بعد الظهيرة.
مضيت إلى الأزبكية ووجدت أنهم هدموا الأماكن المقابلة لبيت ساري عسكر حتى جعلوها رحبة متسعة، وردموا مكانها بالأتربة الممهدة على خط معتدل من الجهتين مبتدئ من حد بيته إلى قنطرة المغربي الواقعة بين باب الخرق وباب الشعرية. وصار جسرا عظيما ممتدا ممهدا مستويا على خط مستقيم من الأزبكية إلى بولاق، وينقسم بقرب بولاق قسمين: قسم إلى طريق أبي العلا، وقسم يذهب إلى جهة التبانجة وساحل النيل، وحفروا في جانبي ذلك الجسر من أوله إلى منتهاه خندقين، وغرسوا بجانبيه أشجارا وسيسبانا.
ولاحظت أن بعض الإفرنج يسيرون على أقدامهم نحو جهة غيط النوبي القريبة فتبعتهم، ورأيتهم يتوقفون أمام قصر أحد البكوات فيبرزون أوراقا مخصوصة أو يدفعون نقودا ويدخلون. كانت للقصر حديقة واسعة من أشجار البرتقال والليمون والأشجار المعطرة علقت فوقها القناديل، وانبعثت منها موسيقى تعزفها فرقة عسكرية.
Shafi da ba'a sani ba