شرحت له المطلوب وساعدناه على التدثر بالعباءة. ثم أردفته خلفي. ودعت عبد الظاهر والشيخ واتجهت غربا في عابدين مرورا ببيوت بعض البكوات المهجورة. هبت علي رائحة السلخانات والمدابغ. وعندما وصلت باب اللوق طلبت منه بصوت خافت أن يلزم الصمت تماما ولا يفوه بحرف.
استوقفني حرسية الباب فكدت أقع من طولي. سألني أحدهم وهو يرفع قنديلا فوق رأسي: أين تذهب؟ قلت إن زوجتي مريضة وأنا ذاهب بها إلى طبيب رومي في غيط العدة. قال: من أين جئت؟ ذكرت له الحقيقة. قال: كان بإمكانك أن تذهب مباشرة من باب زويلة. قلت إني ظننت أن هذا الطريق أقرب.
كنت أشعر بصدر الفرنساوي يخفق في ظهري. رفع العسكري القنديل فوق رأس رفيقي، لكنه لم يتبين شيئا سوى خصلة الشعر الأصفر. وخيل لي أنه سيطلب رؤية وجهه، لكنه أنزل القنديل وأشار لي بالمرور.
شعرت برفيقي يرتعش فطمأنته إلى أننا بخير، ولن يتعرض لنا أحد. انحرفت ناحية الشمال في اتجاه غيط العدة خوفا من أن يحاول العسكري التأكد من اتجاه سيري. وبعد أن ابتعدت بما فيه الكفاية غيرت طريقي صوب باب اللوق. لم يستوقفنا أحد فاستأنفنا طريقنا يسارا حتى الشيخ ريحان. وأخيرا وصلنا شاطئ النيل قرب قصر العيني بجوار جسر المراكب. توقفت هناك وهبطت عن الحمار وساعدت السيدة التي ترافقني على النزول، ثم اقتربنا من الشاطئ.
تلفت حولي ووجدت المنطقة هادئة ولا يبدو شيء في الظلام سوى بعض القناديل من المراكب الراسية. وقفنا ننتظر حسب تعليمات عبد الظاهر.
مضى بعض الوقت دون أن يظهر أحد، وفجأة انبثق أمامنا شبح أسود. كدت أبول على نفسي وقد ظننته عفريتا. سألني عن الفرنساوي، أشرت إلى المرأة، فسألها إذا كانت جاهزة لركوب القارب. أجبت عنها بالإيجاب وشرحت للفرنساوي الأمر. ساعدته على الترجل. وربطت حماري إلى شجرة وساعدته على هبوط الشاطئ وركوب القارب الصغير، ثم ودعتهما وانصرفت وأنا أتنهد في ارتياح.
عندما وصلت باب اللوق سألني الحرسي عن زوجتي. قلت: إن حالتها استلزمت بقاءها عند الطبيب، وإني سأعود إليها في الصباح. وسمح لي بالمرور.
الأحد 17 نوفمبر
ذهبت إلى بيتها فوجدتها منفعلة وساخطة. قالت: إن بونابرته تم تعيينه قنصلا بعد أن حاصر مجلس الشيوخ وخدعهم بمساعدة أخيه لوسيان رئيس المجلس. أرتني في الكوريير خبر تهنئة الديوان لبونابرته بتعيينه قنصلا، وتضمنت التهنئة مطالبة بالاتحاد مع الأمة الفرنسية وقعها أعضاء الديوان بمن فيهم الجبرتي.
لم أفهم سبب انفعالها وسألتها عن ذلك، فقالت: معنى هذا أنه لن يعود إلى مصر.
Shafi da ba'a sani ba