شرع المشايخ في الانصراف فتبعتهم. قلبت جيوبي حتى جمعت خمس بارات هي ما تبقى معي من المصروف الذي يعطيه لي أستاذي. تلفت حولي بحثا عن مكاري أكتري حماره فلم أجد. فكرت في السير إلى محطة الحمير قرب مسجد الكخيا. ثم عدلت عن ذلك. درت حول البركة حتى صار ربع الرويعي على يساري، ثم عبرت أرض وقف مصطفى كتخدا مقتربا من حارة النصارى. لمحت جمعا من الناس وبعض العسكر الإنكشارية؛ فاتجهت مباشرة إلى بيت حنا.
كان في مثل عمري، وكنت قد تعرفت عليه لدى تاجر الحبوب والعقاقير الفرنسي الذي عملت عنده قبل أن يضمني الجبرتي إلى بيته. أما هو فقد انتقل إلى بيت الشيخ البكري الذي اتخذه سكرتيرا. واستمرت صداقتنا.
طرقت الباب عدة مرات، فتحه لي شاحب الوجه، جذبني إلى الداخل في لهفة، تبعته وأنا أردد بصوت مرتفع: دستور، يا ساتر؛ لتنبيه النساء. جلسنا في قاعة مجاورة للباب. أحضر لي كوبا من الماء الذي يحرص الأقباط على غليه. حكيت له مشاهداتي. عرضت عليه أن يخرج معي لنتفرج. هز رأسه مترددا. ألححت عليه. غادر الغرفة وعاد مرتديا عمامة القبط سوداء اللون. كان ممنوعا على القبط واليهود لبس العمامة الخضراء أو الحمراء أو البيضاء، أو انتعال المراكيب الحمراء والصفراء. امتنع عليهم أيضا ركوب الخيل والبغال، أو البقاء فوق حميرهم عندما يمرون بالمساجد.
سألته عما به، فقال إنه لم ينم جيدا لأن أطفال سكان الطابق الأعلى كانوا يمرحون بالقباقيب الخشبية ، ويلعبون بدق الهون.
استمهلني عند الباب وواربه. ترددت في الخارج صيحات تدعو إلى قتل النصارى واليهود. اصفر وجهه وارتعش أنفه الكبير. قلت له: غير ملابسك. قال: كيف؟ قلت غير العمامة، ضع واحدة بيضاء، والبس مركوبا أصفر.
قال: سيكتشفونني. قلت: لا تخش شيئا. الفرنسيون الآن هم الذين يحكمون وهم من ملتك.
دخل وعاد مرتديا عمامة بيضاء.
غادرنا البيت. وجدته يتجه تلقائيا إلى يسار الطريق كعادة الأقباط الذين يتحتم عليهم ترك الجانب الأيمن من الشارع للمسلمين. جذبته من ذراعه ليسير إلى جواري ناحية اليمين. خرجنا إلى الشارع وسط صيحات الحمارين. قال: نذهب إلى بيت البكري فأنا قلق عليه.
قلت: لن يصيبه أذى؛ فهؤلاء الشيوخ يفلتون دائما من كل مصيبة.
قال: أنا خائف على زينب.
Shafi da ba'a sani ba