وذكر يوسيفوس المؤرخ الإسرائيلي في كلامه عن قيصر أنه استطلع نفاق ألكسندر من النظر إلى خشونة كفيه.
على أن الفراسة لم تدون وتعتبر علما مستقلا قبل ما كتبه أرسطو الفيلسوف اليوناني الشهير في القرن الرابع قبل الميلاد؛ فقد خصص لهذا العلم ستة فصول، فذكر في الإنسان علامات تدل على قوته أو ضعفه، على ذكائه أو غباوته، على حذقه أو بلادته، واستدل على ذلك أيضا من الملامح والألوان وأشكال الشعر والأعضاء والقامة والصوت، ومن مقابلة أوجه الناس بأوجه الحيوانات، فمن كان في وجهه ملامح أحد الحيوانات حكم بقرب أخلاقه من أخلاق ذلك الحيوان. وعنده لكل حيوان أخلاق خاصة كما سنبينه في بعض فصول هذا الكتاب.
وانتشرت فراسة أرسطو هذه في الأجيال المظلمة وعول الناس عليها وترجموها إلى أكثر اللغات، وألف غيره على مثالها مما يضيق هذا المقام عن استيفائه.
أما العرب فقد كانوا في الجاهلية يعتقدون أشياء تعد من قبيل الفراسة؛ كالقيافة والريافة والعيافة.
وكانت القيافة عندهم صناعة يستدل بها على معرفة أحوال الإنسان يسمونها قيافة البشر؛ لأن صاحبها ينظر إلى بشرات الناس وجلودهم وما يتبع ذلك من هيئات الأعضاء وخصوصا الأقدام، ويستدل بتلك الأحوال على الأنساب، والريافة عبارة عن تعريف الرائف للماء المستجن في الأرض أقريب هو أم بعيد بشم رائحة ترابها ورؤية نباتها وحيوانها ومراقبة حركاته، والعيافة تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر في الطرق التي تتشكل بشكل القدم التي تقع عليها، ومن ذلك علم «الاختلاج»، وهو الاستدلال على ما سيقع للإنسان من النظر إلى اختلاج أعضائه من الرأس إلى القدم.
أما في الإسلام فقد نقلوا علم الفراسة في جملة ما نقلوه عن اليونان والرومان من علوم الطب وغيرها، فألف فيه بعضهم كتبا مستقلة، وذكره آخرون في جملة ما كتبوه في علوم الطب، كالرازي الطبيب فإنه لخص كتاب أرسطو وزاد فيه، وابن سينا أشار إلى كثير منه في كتبه، وكذلك ابن رشد والشافعي وابن العربي وغيرهم.
وكانت كتب هؤلاء وأمثالهم من علماء الإسلام عمدة الإفرنج في أجيالهم المظلمة، وعنهم أخذ غيرهم من كتاب العربية في ذلك الزمن، ولم يصل إلينا منها إلا القليل.
ومن أشهر ما وصل إلينا من كتب العرب في علم الفراسة كتاب «السياسة في علم الفراسة» لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي طالب الأنصاري المتوفى سنة 737 للهجرة، وفيه أحكام علم الفراسة منسوبة إلى أصحابها بأحرف يرمز كل حرف إلى اسم القائل، وقد طبع هذا الكتاب بمصر سنة 1882.
وعثرنا في المكتبة الخديوية بالقاهرة على منظومة خطية في علم الفراسة «لمحمد غرس الدين ابن غرس الدين بن محمد بن خليل خطيب الحرم النبوي»، وعلى كتاب خطي اسمه «البهجة الأنسية في الفراسة الإنسانية» للعارف بالله زين العابدين محمد العمري المرصفي، وعلى «مختصر في علم الفراسة»، وعلى رسالة «في الفراسة والرمل»، وأخرى في «علم الفراسة لأجل السياسة»، ذلك كل ما ظفرنا عليه من الكتب العربية في هذا الموضوع، وكلها مختصرات لا تشفي غليلا.
وقد اطلعنا على شذرات في بعض كتب الأدب كالمستطرف للأبشيهي، وسعود المطالع للإبياري، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والكشكول، وفي حياة الحيوان، وكشف الظنون، وغيرها.
Shafi da ba'a sani ba