ناموس التشابه
إذا نظرت إلى الكائنات بوجه الإجمال رأيت لكل منها خاصة وشلا يمتاز بهما عن سواه، فإن لبر الشام مثلا إقليما غير إقليم مصر، وشكل أرضه يختلف عن شكل أرضها، ولبنان يمتاز عنهما جميعا، ولكل من هذه البقاع خاصة تمتاز عما للأخرى بنسبة ما بينهما من الفرق. وهكذا لو أجلت النظر في عالم النبات فإنك ترى بين أنواعه فرقا تختلف ظواهره باختلاف خصائصه، ويقال مثل ذلك في الحيوان.
ولكننا مع ذلك نرى المخلوقات تتشابه من وجوه كثيرة، وعلى هذا التشابه قسموها إلى جماد ونبات وحيوان، وذكروا لكل قسم منها خصائص يمتاز بها عن القسمين الآخرين، ثم نظروا في كل من هذه الأقسام على حدة فرأوا بين أجزائه تخالفا يقضي بانقسامها إلى مجاميع، فقسموا النبات إلى أنواع والحيوان إلى أنواع، وعلى هذا المبدأ قسموا كل نوع إلى ما تحته، وهنا موضع نظر في أمرين: (1)
أن الأنواع المتشابهة شكلا تتشابه عملا، والعكس بالعكس. (2)
أن التشابه أكثر وضوحا في الجماد مما في النبات، وفي هذا أوضح مما في الحيوان.
فإن لكل ملح من الأملاح المعدنية بلورات لها شكل خاص تعرف به حيثما وجدت، وأما أنواع النبات فإن بين أفراد النوع الواحد فروقا تستحق الاعتبار، وهي أظهر من ذلك بين أفراد الحيوان، فالتشابه قريب وثابت في الأجسام الجامدة ثم يبعد ويتشوش في الأحياء ويزداد تشوشه كلما ارتقى في سلم الحياة، ومعنى ذلك أن أفراد النوع الواحد من المخلوقات يزيد الاختلاف بين ظواهرها بنسبة التفاوت في أعمالها، فالجماد قليل العمل بسيط التركيب، والاختلاف بين أفراده قليل، والنبات وظائفه مركبة وأعماله أرقى فتنوعاته أكثر، وأما الحيوان فإنه أرقى من النبات ووظائفه أكثر والاختلاف بين أفراده أبعد.
وبعبارة أخرى: إن التشابه بين بلورتين من بلورات الملح يكاد يكون تاما، وأما بين قمحتين أو شعيرتين أو تفاحتين فالتشابه أبعد، وهو أبعد من ذلك بين فرسين أو نعجتين أو دجاجتين، وأما في الإنسان فالاختلاف بين أفراده أبعد مما بعد سائر أنواع الحيوان، وهو أكثر في الأمم المرتقية مما في الأمم المتوحشة، فالاختلاف بين عشرة من زنوج أفريقيا أقل مما بين عشرة من أهل أوروبا.
ومعلوم أن وظائف المخلوقات أو أعمالها المفروضة عليها تكثر وتتعدد بزيادة ارتقائها في سلم الوجود، فالجماد أقل عملا من النبات، وهذا أقل عملا من الحيوان، وأما الإنسان فإنه أكثر عملا من الجميع.
وبناء على ما تقدم أن ظواهر الأجسام تختلف باختلاف بواطنها، فكلما تفرعت أعمال الجسم تعددت ظواهره، وما ذلك إلا لعلاقة ثابتة بين ظواهر الأجسام وبواطنها والخلق الظاهر يدل على الخلق الباطن، وهي الفراسة.
ناموس التناسب
Shafi da ba'a sani ba