هو فرع من فروع علم الفراسة وضعه رجل جرماني اسمه فرنس جوزف كول في أواخر القرن الثامن عشر، وقد استخرج قضاياه باختباره الشخصي في تلامذة المدارس وأهل المهن وغيرهم، وموضوعه استخراج مواهب الناس وأخلاقهم من النظر إلى أشكال رءوسهم وملاحظة ما فيها من البروز والتسطيح والسعة والضيق ونحو ذلك.
ولا بد لدارس الفرينولوجيا من الإلمام بتشريح الرأس ومعرفة ما يتألف منه من الأعضاء وأشكالها ووظائفها، وقد بينا ذلك في (خلاصة تشريحية) من هذا الكتاب، فلتراجع هناك.
أما استطلاع الأخلاق والقوى بفراسة الرأس فقد ألف فيه الإفرنج كتبا كثيرة، ولهم فيه أقوال متضاربة أكثرها لا يعتد به؛ لإسناده إلى الحدس والتخمين، وقد نشرنا في السنة السادسة من الهلال خلاصة أبحاث الفرينولوجيين للدكتور إبراهيم عربيلي نزيل نيويورك، فآثرنا نقلها لأنها حوت زبدة أقوالهم، وهي:
حجم الرأس:
يختلف حجم الرأس في الناس باختلاف أعمارهم، ولكن المعول عليه في مقالتنا هذه الشاب البالغ أشده، فإذا رسمنا حول جمجمته خطا يمر بالعظم المؤخري فالجدرايين فالصدغيين فوق الأذنين، حتى يلتقي طرفاه في مقدم العظم الجبهي فوق الحاجبين في الوسط، نجد المعدل غالبا من 20 إلى 22 قيراطا ونصف قيراط في الذكور، وأقل منه بنصف قيراط إلى ثلاثة أرباع القيراط في الإناث، ومن كان هذا قياس رأسه كان متوسط القوى، وأما ذوو العقول الثاقبة فمحيط رءوسهم من 12 إلى 23 قيراطا أو 24.
ولا يخفى أن هذه الطريقة من القياس تختلف باختلاف شكل الجمجمة الأصلي؛ لأن الرءوس قد تكون في البعض مستديرة وفي البعض الآخر مستطيلة أو واطية أو عالية القمة، والعظمان الجبهي والمؤخري قد يكونان مفلطحين أو بارزين كثيرا أو قليلا، فلا يبنى على ذلك حكم قطعي، وعليه فلا يكون كبر حجم الرأس دلالة ثابتة على الحذق وجودة العقل، ولكنه يقال بوجه عام بناء على المراقبات العديدة: إن رءوس الممتازين بجودة عقولهم وحذاقتهم أكبر حجما من رءوس غيرهم؛ فإن محيط رأس وبستر الشهير مثلا 24 قيراطا، والجنرال كلي 23 قيراطا، ونابليون 24 قيراطا، وهملتون 23 قيراطا، وبارك وجيفرسون كانا عظيمي الرأس، وهكذا فرنكلين فقد بلغ محيط رأسه 24 قيراطا، وكثيرون غيرهم ذوو رءوس كبيرة تفرد أكثرهم بالذكاء وقوة العقل والنبالة، وكثيرا ما نعجب لما نراه في بعض الناس من الذكاء والفطنة وغزارة المعارف والعلوم وحفظ اللغات وهم مع ذلك صغار الرءوس، غير أن أكثر هؤلاء لا يبلغون مبلغ أولئك بقوة أدمغتهم وعلو تصوراتهم وجودة عقولهم، ويظهر الفرق بينهما في احتمال الأعمال العقلية الشاقة، فترى أصحاب الأدمغة الكبيرة يقتحمون أعمالا يعجز غيرهم عن القيام بها.
وبناء على ما تقدم لا بد قبل الحكم في جودة العقل من ملاحظة نوع فعله كقوة التصور وسرعة الخاطر أو المقدرة على الأعمال الطويلة؛ فإن لذلك أهمية عظيمة، ويجب الانتباه إلى حجم الرأس وعلاقته بدرجات القوى المتفاوتة ما بين أفراد الناس من حيث زيادة حساسته أو نقصانها، وقوة الإرادة وضعفها، والإقدام والثبات، والكثرة والقلة، أو الهدوء والطيش، والتأني والعجلة، وسداد الرأي وضعفه، فإن أصحاب الرءوس الكبيرة إذا كانت أدمغتهم في حالة الصحة ظهرت فيهم عند العمل قوى عقلية عظيمة جدا، إلا أنها قلما تظهر أفعالا أو إحساسات فائقة الحد تميزهم عن سواهم، ولكن أصحابها يقضون أكثر سني حياتهم في التأمل العميق بالمواضيع العقلية، أما الذين هم مع كبر رءوسهم ذوو حركة وجد وسعي وإقدام وعزيمة، فهؤلاء لا يقف في سبيل تقدمهم ونجاحهم ولا يحول دون مشروعاتهم أمر من الأمور، وإذا ساعدتهم الأحوال لاقتباس العلوم والمعارف كانوا نوابغ بين أبناء جيلهم، فإذا زادت فيهم قوة الحركة وسرعة العمل عن المعدل الطبيعي بلغوا بأعمالهم واكتشافاتهم واختراعاتهم المستغربة أعلى درجة يستطيع الإنسان الوصول إليها، وأصحاب هذه المواهب لا يعجزون ولا يكلون ولا يفترون مدة حياتهم عن الجد والتبحر والتصور والتفكير في اختراع ولا اكتشاف أمور غامضة صعبة، فيتأملون ويفتكرون فيما يسهل عليهم إصدارها من حيز تصوراتهم إلى عالم الفعل، ولا يتأخرون عن شيء إلا ويتمعنون به بتأن، وأدمغتهم تعمل على الدوام لا ترتاح ليلا ولا نهارا، وهم في الغالب قليلو الكلام، لا يغرهم المديح والافتخار، وقلما يرتاحون إلى المجتمعات العمومية.
وبالاختصار إننا إذا تأملنا هيئات جماجم الناس وأقدارها بوجه عام رأينا الاختلاف واضحا بينها؛ لأنك قلما ترى جمجمتين تتشابهان في كل شيء، وليس أسهل من التمييز بين عظام الجمجمة ذات الأسطحة الخشنة والجدران الصلبة والجمجمة اللطيفة الملساء الناعمة قليلة النتوات والبروزات، فإن الأولى جمجمة رجل والثانية جمجمة امرأة.
علاقة الدماغ بظاهر الرأس:
وعندهم أن لكل قوة من قوى الدماغ تأثيرا خاصا على جزء أو أكثر من أجزاء الوجه أو على اليدين أو غيرهما من الأعضاء، فكلما عظمت قوى الدماغ عظم تأثيرها على الأجزاء المستولية عليها، فكلما كانت العلامات الدالة على سمو إحدى تلك القوى الدماغية ظاهرة ممتازة كلما كانت تلك القوى أعظم بالنسبة إلى سواها، فبواسطة هذا العلم يتمكن الدارس بفحصه مواقع هذه القوى الفحص المدقق من معرفة نسبتها بعضها إلى بعض، ولكل إنسان قوى دماغية خاصة به يعمل بموجبها أعماله اليومية في هذه الحياة، فعلم الفرينولوجيا موضوعه درس دماغ الإنسان ومعرفة درجة كل قوة من قواه العاقلة الطبيعية التي يرتئي الفرينولوجيون استقرارها في مراكز خاصة بها في الكتلة الدماغية بين تلافيفه.
Shafi da ba'a sani ba