Ilimin Halayyar Zuciya
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Nau'ikan
الحرص على بقاء الذات هو النزعة الأولى المتضمنة في الحياة، والبقاء أول مرمى ترمي إليه أفعال الحياة الأدبية، ولكن في سلوك المرء كثيرا من الأفعال التي تضل السبيل إلى هذا الهدف، ولو اقتصر الإنسان على الغريزة الحيوانية العاملة للحرص على البقاء لهلك في يومه الأول؛ لأن عقليته أضعفت هذه الغريزة فيه، بدليل أن الطفل لا يعيش يوما بلا حضانة أمه، خلافا للحيوان الأعجم الذي يتكل في حياته كثيرا على هذه الغريزة.
فعقلية الإنسان تولت قسما كبيرا من هذه المهمة وأخذته عن عاتق الغريزة؛ فلا بد له من عقليته للحرص على بقائه. وهذا الالتزام يعين فضل الأدبية في الحرص على البقاء، فإذن الحياة الأدبية ليست الحياة البيولوجية فقط، بل هي الحياة العقلية أيضا. (1-3) الحرص على بقاء السلالة
الحرص على بقاء السلالة نزعة أخرى للحياة، وبقاء السلالة هو غرض للحياة أعظم من غرض بقاء الفرد؛ فإذا كان الفرد لا يرمي بأفعاله إلى هذه الغاية «بقاء السلالة»، بل إلى مسرة نفسه فقط، فهذه المسرة تفضي إلى تلك الغاية نفسها. إذا كنت تتزوج لتسر نفسك بعائلتك، فهذه المسرة كافلة الحصول على حفظ السلالة الذي هو غاية الحياة، وإذا كانت الطبيعة قد أوجدت هذه المسرة كوسيلة للحرص على بقاء السلالة، فوجود هذه المسرة لهذا الغرض كاف لأن يعين أنها غاية أدبية؛ فالحرص على بقاء السلالة إذن أعظم نزعة من نزعات الحياة الأدبية. (1-4) إدراك الذاتية كمركز الحركة الحيوية
تتميز الحياة الإنسانية عن الحياة الحيوانية بأنها تشتمل على ذاتية متصورة فيها؛ أي إن في عقلية الإنسان صورة لذاتيته، وليس في عقلية الحيوان هذه الصورة على الأرجح: الإنسان يستطيع أن يقيم في مخيلته صورة لذاتيته يجردها عن نفسه، وينظر إليها كشخص مستقل عنه، وهي التي يسميها «أنا»، ولكن الضمير «أنا» قد لا يكفي لتجريد الذاتية العقلية وإقامتها كصورة متمثلة في الذهن، وإنما الضمير «أنت» يجعل هذا التجريد حين يخاطب الإنسان نفسه محاسبا أو معاتبا أو مغريا أو غير ذلك، فيقول لنفسه: لماذا فعلت هكذا يا هذا؟ هل أنت مجنون؟
ففي مخاطبة النفس على هذا النحو يتضح للمرء جيدا أن لذاتيته صورة في ذهنه كشيء قائم بذاته مستقل عنه، ويشعر أن هذه الذاتية هي المركز الذي تصدر منه أفعاله، وترجع إليه نتائجها، هي المركز الذي يقرر الغرض من الفعل، وهي المركز الذي يبتغي نتيجة الفعل، سارة كانت أو مؤلمة.
في هذه الذاتية المتصورة تتجمع جذور الغرائز والسجايا والأخلاق تحت سيطرة التعقل، فهي تحرك الأفعال مترسمة نتائجها قبل الوصول إليها، متمتعة بمسراتها المتصورة قبل الحصول عليها. فتمركزها على هذا النحو إنما هو نزعة أخرى من نزعات الحياة، والحياة تنزع إلى هذا التمركز منذ بدء تكونها.
وتطور الطفل في أثناء نموه إنما هو اتجاه إلى هذا الغرض، فأول ما يبتدئ أن يفهمه الطفل هو أنه شيء آخر مستقل عن الأشياء المحيطة به، ومتى صار يعبر عن نفسه بلفظة «أنا» يشرع يميز ذاتيته عن ذاتيات غيره، والأشياء التي حوله، بل يميز أنه هو «عند نفسه» ذاتية أعلى من الذاتيات التي تحف به، يشعر أنه غاية الوجود القصوى، وأن الكون خلق لأجله، فكأن طبيعة الحياة تربي فيه إدراك الذاتية بهذا الغرور كما تربى الثمرة الزاهية في كم الزهرة، حتى متى استتم وجدانه، وتحقق وجود ذاتيته كما هي، انتفض منه هذا الغرور كانتفاض الزهرة الزاهية عن الثمرة اليانعة بعد نضجها.
مع ذلك لا تخلو الذاتية الناضجة من الغرور، كما أن الثمرة الناضجة لا تخلو من تلون الزهرة؛ لأن هذا الاعتداد بالذاتية أو التباهي بها هو نفسه عملية تجردها التصوري، فالمرء لا يستطيع أن يعجب بنفسه إلا حيث يتمثل ذاتية فخمة في ذهنه، كما تتمثل امرأة طيف جمالها في المرآة.
في هذه الذاتية يختلف الناس بعضهم عن بعض ويتمايزون، وتختلف أفعالهم باختلاف ذاتياتهم؛ ولذلك تعد الذاتية مركز الحياة الأدبية أو نواتها. (1-5) النزعة إلى التعاظم - الرقي
لا نشعر أننا متمايزون عما حولنا فقط، بل نشعر أننا مسيطرون على ما حولنا، ولا نشعر شعورا فقط، بل ندرك أننا ذوو قوة ذاتية مستقلة عن قوة الطبيعة العامة، وبهذه القوة نستطيع أن نؤثر في ظروف الحياة ونكيفها كثيرا وقليلا، ونرى أننا بها نستطيع أن نسيطر على قوى الطبيعة ونخضعها لخدمتنا.
Shafi da ba'a sani ba