Ilimin Halayyar Zuciya
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Nau'ikan
الثانية: «عائلية» وهي نوعان: بنوية وأخوية، فالنوع الأول: هو رد فعل العطف الوالدي بمثله، كرد الصدى، فالولد ينعطف إلى أبويه لأنه يجد ريا لشهواته من نتائج حنوهما، ومتى صار يفهم الحياة يعلم أنهما سبب وجوده، ويرى فيهما مثلا لنفسه أيضا، والنوع الثاني: هو التعاطف المتبادل بين الإخوة اقتباسا من تعاطف الوالدين والبنين؛ فالولد حين يرى أن أبويه يعطفان على أخيه وأخته يحاكيهما في هذه العاطفة. ولعطف الأخ على الأخ رجع صدى أيضا للأسباب المتقدمة. ويمتد هذا التعاطف من بين الإخوة إلى ما بين أبناء الأعمام والخالات إلى جميع أعضاء الأسرة بنفس الأسباب المتقدمة؛ فالتجاذب متبادل بين أعضاء الأسرة، وكل منهم جاذب ومنجذب.
الثالثة: «اجتماعية» وهي أن يعطف الإنسان على مشابهيه؛ أي سائر قومه، لأنهم مماثلون بل مساوون له في الشخصية. فما هم حيوانات أحط منه ليترفع عليهم، ولا هم آلهة أرفع منه ليتهيبهم، بل هم مرآته يرى فيهم مجمل شخصيته.
هذا الضرب من العواطف والنزعة الاجتماعية التي تأصلت في الإنسان وصارت طبيعة أو غريزة فيه متفاعلان على الدوام؛ أي إن هذه العاطفة تقوي في الإنسان النزعة الاجتماعية، والنزعة الاجتماعية تقويها. تظهر هذه العاطفة أقل حدة من العاطفة الوالدية، ولكنها ليست أقل منها قيمة؛ لأن الإنسان يذعن بحكمها إلى التضامن والتعاون، ويخضع للقوانين والشرائع والأنظمة الاجتماعية وأحكام السلطة المسيطرة، واثقا أنه يشاطر الجماعة المنفعة والتمتع المشتركين بين أفراد الجماعة، ويفهم أن منفعته ولذته متوقفتان على منفعة الجماعة ولذتها؛ فالعائلة والجماعة متوازنتان قيمة تجاه العاطفة، وإن اختلفت هذه العاطفة تجاههما.
الرابعة: «وطنية» وهي عطف الفرد على مجموع الأمة أو الشعب أو القوم بصفة كونه جسما واحدا هو عضو فيه. وتختلف هذه العاطفة الوطنية عن العاطفة الاجتماعية بكون هذه بين فرد وفرد، وتلك بين فرد وكتلة الجماعة؛ فالمرء يشعر بقوة هذه العاطفة أنه مدين بكيانه وسعادته إلى وجود الجسم الاجتماعي، فإذا كان هذا الجسم متكتلا ملتحما جيدا كانت هذه العاطفة شديدة؛ قد تدفع المرء إلى التضحية لأجل الوطن.
الخامسة: «الشفقة، وهي مبالغة في العاطفة الاجتماعية» هي عاطفة إنسانية أوسع من العاطفة الوطنية، لا ينظر فيها إلى القومية ولا إلى القرابة بل إلى الإنسانية، فيتحرك عطفنا على أي شخص حين نشعر بألمه أو تعسه أو شقائه أو مظلوميته حتى ولو كنا نحن سببها، اللهم إذا كانت لنا نفس راقية في الإنسانية، ولنا طباع دمثة وقلب طاهر. تتحرك فينا هذه العاطفة لأننا نتصور أنفسنا في مكان المتألم أو التعس أو المظلوم أو المصاب بمصيبة. وهذه العاطفة تدفعنا إلى إنقاذه أو إسعافه أو مساعدته في أمره.
ويمكن أن تعد هذه العاطفة في جملة الانفعالات النفسانية التي سنتبسط فيها في الحرف التالي؛ لأنها تكون أحيانا انفعالا نفسانيا من أمر مكروه، بدل أن يثير فينا الخوف أو الغضب يثير الشفقة.
وبالإجمال نقول: إن العواطف أخلاق منجذبة نابضة من داخل النفس كالأميال الغريزية، ولكنها تختلف عنها بأنها لا تنبض إلا عند مؤثر خارجي، وتختلف عن الانفعالات النفسانية التي هي طائفة أخلاق دافعة لا جاذبة كما سترى. (3-2) العاطفة تجاه النفس - التجرد النفساني
للمرء عواطف ثانوية تتفرع من العواطف الرئيسية، فمنها ما يتجه نحو نفسه، ومنها ما يتجه نحو غيره، فالأولى نسميها التجرد النفساني؛ وهي أن يجرد المرء من نفسه شخصية نفسانية خاصة يستقل تصورها له عن ذاتيته العمومية. يجرد من شخصه شخصا آخر عقليا يرفعه أو يحطه حسب ما تفعل فيه العوامل الخارجية؛ فهي عاطفة منه نحو نفسه. وهي ثلاثة أنواع:
الأولى: «عزة النفس أو الشمم أو الكبر» خلق نفساني يستقل به عن الآخرين، كأنه أمر لا يعنيهم، بل يهم نفسه فقط، فلا يكلف الآخرين أن يفعلوه له؛ ولكنه يروم أن يعرفوه فيه، ويود أن يعترفوا له به، يبتغي أن يكون عزيز النفس في خلوته كما يبتغي هذا في حضرة غيره. بهذا الخلق يتنزه عن الدنايا، ويأنف ارتكاب الآثام، ويأبى أن يحط نفسه إلى من هم أدنى منه، أو أن يذلها إلى غيره.
والكبرياء: هي تطرف في الكبر والأنفة إلى حد الاستعلاء على الآخرين واحتقارهم. بها يتعدى المرء من نفسه إلى غيره؛ فهي نقيض العاطفة الذاتية. هي خلق متفرع من هذا الفرع.
Shafi da ba'a sani ba