Ilimin Halayyar Zuciya
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Nau'ikan
وينشأ الطمع في النفس من جراء الثقة بقوة الشخصية وتوسع الأحوال الاجتماعية التي تفسح السبيل للسعي إلى الأمر المطموع به. والناس متمايزون بالشخصيات؛ ولذلك يتفاوتون بالمطامع تبعا لهذا التمايز؛ فأقواهم شخصية أقدرهم على الأخذ من قوى المحيط وإضافتها إلى قوته، وأضعفهم أكثرهم تعرضا لخسران شيء من قواه. والمطامع أربعة أضرب:
الأول : «المال» فالمال أو الثروة على اختلاف صورها أو أنواعها إنما هي قوة عظمى؛ لأنها حاصل عمل العاملين، فما حصل دينار أو أي متاع أو أي حاصل إنتاج إلا بذل لقاءه تعب وجهاد في عمل، ولكن النظام الحالي الانفرادي أو الفردي لا يخول لكل عامل أن يتمتع بكل حاصل عمله، بل هو يفسح السبيل لذوي الشخصيات القوية الطامعين أن يختلسوا شيئا من حاصل أعمال العاملين، ويستأثروا بها ويستغلوها لتمتعهم؛ لذلك ترى الناس فريقين: فريقا يعمل، وفريقا آخر يستغل عمل غيره. وقد يكون الشخص الواحد من الفريقين معا؛ فيستغل من عمل غيره، وغيره يستغل من استغلاله، وهكذا تمول المليوني وافتقر العامل.
والتمول يستلزم أن يكون الشخص المطماع من عشاق المال، فيسعى بقوة هذا العشق أو الشوق إلى المال للحصول عليه بأية الوسائل. والمليوني جمع أموالا بحذقه وذكائه ودهائه واغتنامه الفرص في حلبة التنازع لقطف الثمار من أتعاب المجتمع. وهكذا أضاف إلى قوته قوة كبيرة من قوى الجماعة، وبهذه القوة المالية يستطيع أن يشتري كثيرا من الأماني ليتمتع بلذاتها. وحبه للمال يدفعه إلى السعي والاحتيال للحصول عليه.
الثاني: «الجاه أو الوجاهة» وهو أن يكون المرء في منزلة سامية بين جماعته أو قومه، وهذه المنزلة تكسبه اعتبار الجماعة وتجمعها حوله لخدمة مآربه. وهو يحصل على الجاه بتفوق شخصيته؛ إما لذكائه ودهائه، أو لغناه، أو لحسبه التالد الموروث، أو لبطولته وعبقريته، إلى غير ذلك من المزايا التي يمتاز بها على الآخرين.
وبهذه المزايا الشخصية يسيطر سيطرة أدبية على جماعته أو قومه أو حزبه، ويجمعهم تحت إمرته؛ فيكون نافذ الكلمة فيهم، فكأنه بهذه المزايا يضم إلى قوته الشخصية قوى الجماعة التي تحف حوله. وهو لقاء هذه القوة التي يستمدها منهم يحمي مصالحهم، ويسبب نفعهم.
يفعل ذلك بالقوة العظمى المتضمنة فيه، والتي استمدها من قواهم؛ فكأن قوة الجماعة تجمعت فيه وتكتلت، وهو القابض على أعنتها يستخدمها حسب مشيئته، وله القسط الأوفر من الانتفاع بها. فزعيم الجماعة أو رئيس الحزب أو شيخ القبيلة الذي إذا استنفر قومه هبوا للأخذ بناصره ومعاضدته هو الوجيه. فالجاه قوة نافذة أو نفوذ، والمطماع بالجاه يدفعه مطمعه هذا إلى السعي والعمل.
الثالث: «السلطة» وهي تعلو على الجاه وتشمله أيضا، وتختلف عنه أو تزيد عليه بأنها قوة شرعية مستمدة من قوة الجماعة، ومؤيدة بالدستور أو القانون أو العرف على الأقل؛ كقوة الحاكم والوزير أو أي موظف ذي سلطة آمرة وناهية. يحصل عليها المرء بأهليته الشخصية غالبا، ولا سيما في هذا العصر النظامي، وأحيانا يحصل عليها بجاهه أو بماله، ويمكنه أن ينتفع بها كثيرا لشخصه، وتقدره على الحصول على كثير من الأماني للتمتع بها. فحسب السلطة قوة تحرك الإنسان للسعي إليها.
الرابع: «الشهرة» وهي أن يكون المرء معروفا بين قومه أو بين سواه من الناس بمزية قل الحاصلون عليها. والشهرة بحد ذاتها لذة للشهير، فضلا عن أنها كثيرا ما تكون ذريعة للاستقواء والانتفاع إلى أماني مختلفة. يحصل عليها المرء باستعمال مواهبه ومزاولتها بالثبات والإصرار والمثابرة.
من هذا القبيل شهرة الفنان؛ كالموسيقي، والمغني، والشاعر، والمصور، والممثل، والخطيب؛ لأن مضمار الشهرة هو على الغالب الفنون الجميلة التي تجتذب الجمهور إلى الفنان، وكل حرفة تتصل بالجمال؛ فالفنان يطمع بالشهرة لما فيها من الفخر من جهة، والفخر لذة، ولما فيها من الانتفاع من جهة أخرى؛ لأنها قوة يتذرع بها إلى الأماني.
ترى أن هذه الطائفة من الأخلاق الفرعية تبتدئ حيث يستفحل الطموح؛ فهي درجة أعلى من الرغائب. (2-5) الأدبيات النفسانية الذاتية
Shafi da ba'a sani ba