Ilimin Halayyar Zuciya
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Nau'ikan
يفكرون في أدبيات قومهم وما يختلط فيها من مبادئ قويمة صالحة لتكتل المجتمع واستتبابه على قاعدة الحق الكافلة سلامه وأمنه، ومن مبادئ باطلة تهدد سلامه ومتانته بالاختلال والتحلل. هؤلاء هم طائفة المفكرين الأدبيين من العبقريين، هم الأفراد القلائل الذين تعشقوا الفضائل والحق، والذين يبتغون أن يرفعوا أدبية قومهم درجة أو درجات. يتعشقون الفضيلة والحق إلى حد أن يضحوا بأنفسهم لأجلها.
هم طائفة المصلحين ككنفوشيوس وبوذه وموسى وسقراط وأرسطو والمسيح وبولس ومحمد إلخ. وكل امرئ صالح النية والعمل إنما هو مصلح في بيئته إلى حد، ولكن هؤلاء الذين ذكرناهم كانوا أكثر تماديا في الإصلاح، وكانت مبادئهم أوسع انتشارا وأشد تأثيرا في حياة المجتمعات الأدبية. (1-7) كيف يحدث الإصلاح؟
الإصلاح هو التطور الأدبي الذي نحن بصدده، فمتى كان في المجتمع عناصر حيوية متباينة أو متناقضة كان وجودها كافيا للدلالة على ضرورة إيجاد مبدأ أو نموذج جديد، أو على إيجاد نظام جديد؛ لأن النظام أو المنهج الذي يتعذر تطبيق السلوك عليه يشعر الجمهور، أو على الأقل المفكرين منهم، بأنه غير صالح ويجب أن يلغى، مثال ذلك: نظام الرق؛ فقد وجد أنه جائر لأنه ليس عدلا ولا حقا أن يكون فريقان من ذرية آدم الواحد عبدا والآخر سيدا.
ناهيك عن أنه غير صالح لمتانة المجتمع ورقيه؛ فألغي. وفي بعض الأحوال تكون العادة مخالفة للمبدأ، فتتكيف لكي توافق المبدأ، كما هو حادث الآن في مسألة السفور. وأحيانا يحدث في الحياة الاجتماعية اضطراب بسبب العادات والمبادئ، فيتنازع الفريقان إلى أن تتغير العادات حسب المبادئ، أو المبادئ حسب العادات.
مثال ذلك: الرفق بالحيوانات. إلى أي حد يجب الرفق بها؟ فقد يبالغ البعض بهذا الرفق إلى حد أن يمنع تشريحها حية لفائدة العلم، أو إلى حد أن يمنع صيدها، أو إلى حد أن يمنع أكلها. وقد يعارض فريق آخر بكل ذلك؛ باعتبار أن الحيوانات ليست من جنس الإنسان لكي يعمها المبدأ الأدبي ، وتشترك في نعمه مع الإنسان، بل هي مخلوقة لنفع الإنسان. فوظيفة المصلح أن يجد المبدأ الذي يوجب الرفق بالحيوان لا رفقا بالحيوان نفسه، بل رفقا بشعور الإنسان نفسه تجاه الحيوان.
مثال آخر: معاملة الأطفال. إلى أي حد يجوز تصرف الوالدين بأولادهم، ويجب منعهم من هذا التصرف؟ متى يجوز للأب أن يقسو على ابنه؟ وفي أي سن يجوز أن يشتغل الغلام؟ وإلى أي حد يجب أن يتعلم إجباريا؟
كل هذه المسائل وأمثالها تحدث اضطرابا في حياة المجتمع؛ لوجود التباين بين المبادئ والأنظمة. والتطور المنشود يوفق بين النظام والمبدأ والعادة. (2) تاريخ التطورات الأدبية القومية (2-1) وحدة المبدأ الأدبي
قد يتعذر تفصيل التطورات الأدبية التي تقلب عليها المجتمع الإنساني منذ تكونه متكتلا إلى اليوم: أولا؛ لأن المبادئ الأدبية المتطورة إنما هي بضعة سلاسل ممتدة من بدء تكتل المجتمع إلى الآن جنبا إلى جنب، ومتفرعة في سياق تسلسلها، وفي كثير من المواقع مشتبكة بعضها ببعض، وبعض فروعها مندمج ببعض بحيث يتعذر استقراؤها واستقصاء أصولها، وثانيا: لأن المبادئ الأدبية مهما أمكن تمييز بعضها عن بعض، فإنها ترجع إلى مبدأ رئيسي واحد، ربما تعذر التعبير عنه لاتساع معناه وتفرعه إلى معان مختلفة، بحسب اختلاف الظواهر الاجتماعية التي يظهر فيها.
لقد اتضح لك في الفصول المتقدمة أن المبدأ الأدبي الرئيسي، أو المثل الأعلى في الأدبية هو النموذج الذي إذا ترسمه الفرد في سلوكه، ونسج على منواله، كانت أفعاله متفقة حتما مع سائر أفعال الآخرين الآيلة إلى توثيق عرى المجتمع ونجاحه وتصاعده في سلم الرقي.
وكذلك علمت أن الفرد الأدبي هو الشخص الذي يعتقد ويحس أن كيانه متوقف على كونه جزءا من كل المجتمع، وأنه لذلك هو ذو شخصية أخرى اجتماعية غير ذاتيته الفردية، وشخصيته هذه أعلى من ذاتيته، وأنه لكونه كذلك يتطبع بذلك المثل الأعلى، ويترسم نموذجه في سلوكه لكي تتفق أفعاله مع أفعال الآخرين الآيلة لرقي المجتمع.
Shafi da ba'a sani ba