Charles Darwin: Rayuwarsa
تشارلز داروين: حياته
Nau'ikan
لا أذكر ذلك بهدف ملء فراغ فحسب (وإن كنت أعتقد أن الطبيعة تكره الفراغات)، ولكن لإثبات أنني أرسل إليك ردي وشكري في أبكر وقت فراغ سنح لي، وإن كان ذاك الوقت السانح ضئيلا جدا. إذ لولا أنني أراك رجلا هادئ الطبع ومحبا للحقيقة، لما أخبرتك بأن قراءة كتابك (بالرغم مما يحويه من معرفة عظيمة، ومخزون من الحقائق، وآراء ممتازة عن الأجزاء المختلفة من الطبيعة العضوية، وتلميحات مثيرة للإعجاب عن انتشار العديد من الكائنات العضوية التي تجمعها صلة قرابة عبر مناطق واسعة، إلى آخر ذلك) أشعرتني بألم أكثر مما أشعرتني به من لذة. لقد أعجبت جدا بأجزاء منه، وضحكت من أجزاء أخرى حتى كادت ضلوعي تؤلمني، فيما قرأت أجزاء أخرى بحزن بالغ؛ لأنني أظنها خاطئة تماما ومؤذية بشدة. فبعدما بدأت السير بنا في عربة ترام هادئة، تتمثل في الحقيقة الطبيعية الراسخة، «تخليت» عن نهج الاستقراء الحقيقي، وفاجأتنا بآلية جامحة، في رأيي، كقاطرة الأسقف ويلكينس التي كانت ستسافر بنا إلى القمر. يستند العديد من استنتاجاتك على افتراضات لا يمكن إثباتها ولا إثبات بطلانها، فلماذا إذن تعبر عنها بلغة الاستقراء الفلسفي وترتيبه؟ وبخصوص مبدئك العام - الانتقاء الطبيعي - فماذا يكون سوى نتيجة ثانوية لحقائق أولية مفترضة، أو معروفة! أرى أن استخدام كلمة «التطوير» أفضل منه؛ لأنها أقرب إلى سبب الحقيقة. إنك لا تنكر السببية. وأنا أصف السببية (في العموم) بأنها مشيئة الرب، وأستطيع إثبات أن الرب يتصرف من أجل مصلحة مخلوقاته. وهو يتصرف أيضا بموجب قوانين نستطيع دراستها وفهمها. وأظن أن التصرف بموجب قانون، وتحت ما يسمى العلل الغائية، يشمل مبدأك كله. إنك تكتب عن «الانتقاء الطبيعي» كما لو أنه يحدث بوعي بواسطة العامل المنتقي. إنه ليس سوى نتيجة للتطوير المفترض، وما يتبعه من صراع على الحياة. لقد عرضت هذا الرأي عن الطبيعة عرضا مثيرا للإعجاب، وإن كان كل علماء التاريخ الطبيعي يعترفون به ولا ينكره كل ذي حس منطقي رشيد. فكلنا نعترف بأن التطوير حقيقة تاريخية، ولكن كيف حدث؟ انتبه إلى كلامي، إننا نواجه مشكلة مباشرة في اللغة، ومشكلة أكبر منها في المنطق. يوجد جزء معنوي أو ميتافيزيقي في الطبيعة إضافة إلى الجزء المادي. وأي رجل ينكر ذلك فهو غارق في الحماقة. ثم إن درة تاج العلوم العضوية وعظمتها أنها تربط المادي بالمعنوي عبر «علة غائية»، ولكنها «لا» تسمح لنا بخلطهما في مفهومنا الأول المتعلق بالقوانين، وتصنيفنا لهذه القوانين، سواء أتناولنا أحد جانبي الطبيعة، أم الجانب الآخر. غير أنك تجاهلت هذا الرابط، وإذا لم أكن مخطئا في فهم مغزاك، فأنت بذلت قصارى جهدك في حالة أو اثنتين من الحالات التي تحمل دلالة معينة لتكسره. ولو كان من الممكن كسره (ونحمد الرب أنه ليس كذلك) لعانت الإنسانية، في رأيي، من ضرر ربما كان سيجعلها وحشية، ويهوي بالعرق البشري إلى درجة انحطاط أدنى من أي درجة أخرى سقط إليها منذ أن أخبرتنا سجلاته المكتوبة عن تاريخه. لتتأمل حالة خلايا النحل على سبيل المثال. إذا أسفر تطويرك عن التعديل المتعاقب للنحلة وخلاياها (وهو تعديل لا يستطيع أي إنسان إثباته) فسوف تظل العلة الغائية سارية باعتبارها العلة التوجيهية التي تصرفت الأجيال المتعاقبة وتحسنت وفقا لها. لقد صدمت نزعتي الأخلاقية صدمة كبيرة ببعض فقرات كتابك، كتلك التي أشرت إليها، (وفقرات غيرها تكاد تضاهيها سوءا ). أظن أنك «تعظم» من أهمية الدليل الجيولوجي في تكهنك بشأن الانحدار العضوي، وأنك «تقلل» من أهميته في مناقشتك للروابط المفقودة في تسلسل النسب الطبيعي، لكن ورقتي شارفت على الانتهاء، ويجب أن أذهب إلى قاعة المحاضرات. لذا سأختتم الخطاب قائلا إنني أكره الفصل الختامي بشدة - ليس بصفته ملخصا؛ فهو جيد في هذا الصدد - بل بسبب نبرة الثقة المنتصرة التي تناشد بها الجيل الصاعد (بنبرة استنكرتها عندما استخدمها مؤلف كتاب «بقايا») والتنبؤ بأشياء لم توجد بعد في رحم الزمن، وإذا كان لنا أن نثق في خبرة الحس البشري المتراكمة واستدلالات منطقه، فمن المستبعد جدا أن توجد في أي مكان سوى الرحم الخصب لخيال الإنسان. والآن حان الوقت لأقول شيئا عن ابن قرد وأحد أصدقائك القدامى: لقد صرت أفضل، بل أفضل بكثير، مما كنت في العام الماضي. أحاضر ثلاث مرات في الأسبوع (بعدما كنت أحاضر ستة أيام في الأسبوع سابقا) دون الشعور بإرهاق شديد، لكني أجد، بسبب فقدان النشاط والذاكرة وكل القدرات الإنتاجية، أن هيكلي الجسدي ينهار رويدا نحو الأرض. غير أنني أحمل رؤى للمستقبل. وهي جزء لا يتجزأ مني بقدر معدتي وقلبي، وستتحقق هذه الرؤى بما هو أفضل وأعظم. ولكن بشرط واحد؛ أن أقبل الوحي الإلهي الذي يكشف به الرب عن نفسه في أفعاله وكلامه بكل تواضع، وأبذل قصارى جهدي لأتصرف وفق تلك المعرفة التي لا يستطيع سواه أن يمنحني إياها، ولا يستطيع سواه أن يساعدني في فعل ذلك. إذا فعلنا أنا وأنت كل ذلك، فسنلتقي في الجنة.
أكتب إليك على عجل، وبروح المحبة الأخوية؛ لذا فلتسامحني على أي جملة قد يتصادف أنها لا تعجبك، وصدقني، بالرغم من أي خلاف في بعض النقاط ذات الأهمية الأخلاقية الشديدة، فأنا صديقك القديم المخلص.
إيه سيجويك
من تشارلز داروين إلى تي إتش هكسلي
داون، 25 ديسمبر [1859]
عزيزي هكسلي
لقد سررت بجزء من رسالتك سرورا بالغا إلى حد يحتم علي أن أشكرك عليها. لم يكن السير إتش إتش [هولاند] وحده من هاجمني بشأن التشابه الذي يؤدي إلى الإيمان بوجود شكل أولي «مخلوق» واحد.
25 (لست أقصد بذلك سوى أننا لا نعرف شيئا حتى الآن [عن] كيفية نشأة الحياة.) أظن أن الجميع استنكرني بسبب هذه المسألة. لكني أجبت بأنني لن أحذفها مع أن ذلك هو الخيار الأحكم على الأرجح؛ لأنني أراها احتمالية ممكنة، ولست أقدمها على أي أساس آخر. سترى في عقلك نوعية الحجج التي جعلتني أظنها احتمالية مرجحة، وما من حقيقة قد تركت في نفسي أثرا كبيرا بقدر ما تركته تعليقاتك المثيرة للفضول بشأن التناددات الظاهرة بين رأس الفقاريات والمفصليات.
لقد قدمت نفعا حقيقيا في مهام الوكالة التي تؤديها
26 (لم أسمع من قبل عن وكيل دءوب يعمل بلا أجر غيرك) بتحدثك إلى السير إتش إتش؛ لأن تأثيره سيكون عظيما على الكثيرين. لقد جعلني مذهولا من جهلي بعظام الأذن، وقد عزمت في نفسي على أن أسألك عن الحقائق وما كانت عليه.
Shafi da ba'a sani ba