جلست سناء تنعم بوقت تمنته كثيرا، إذ طالما حلمت بأن تحدث معجزة تضعها في صفوف كبار الموظفين، الذين لهم الحق في حجرات خاصة وتليفونات خاصة، ولم يك لديها عمل عاجل يذكر، ولولا خجلها من فكرة أن تنتهز الفرصة وتزوغ هي الأخرى ما ترددت في تنفيذها، وبينما هي تفكر في طريقة توفق بين خوفها من الموقف المخجل أمام صفوت أفندي في الغد، وبين رغبتها في مغادرة العمل ودخول إحدى حفلات الصباح السينمائية ... بينما هي في هذا وجدت الباب يدق والداخل عبادة «بك»، صبح وسلم وسأل عن الجندي، فأخبرته بما حدث وعن صفوت أفندي وأحمد الطويل وسليمان، وبالتفصيل أجابته عن سبب غيبة كل منهم على حدة، بدا عليه الهم والقلق حينئذ وبرطم بما معناه أن اليوم الخميس والغد إجازة والتصريح إذا لم يستخرج اليوم كلفه مبالغ طائلة، أخيرا واجهها بالسؤال الذي كان باديا أنه يفكر فيه مذ دخل الحجرة ووجدها خالية إلا منها، فسألها إن كان باستطاعتها أن تستخرج له التصريح؟ ودون تفكير أجابته بأنها لا تستطيع، فليس لديها تصاريح فاضية، وحتى لو كان لديها فهي لم تزاول العملية إلا بحضور زملائها والباشكاتب، ثم إن الأختام مقفول عليها في درج الأخير.
وكانت تعتقد أنها سدت كل الأبواب بطريقة لن يملك معها الرجل إلا الاستئذان منها ومغادرة الحجرة، ولكن بدا أن هذا آخر شيء ممكن أن يفكر فيه، وأنه من الصنف المثابر العنيد الذي لا ييأس أبدا، قال لها: أما عن التصاريح الفاضية فأمرها بسيط.
بكل بساطة صفق، ودخل خفاجة فطلب منه تصريحين أو ثلاثة فاضية، وتلكأ خفاجة فأشار له عبادة بك إشارة ذات معنى طالبا منه أن يذهب ويشتريها، حتى إن كانت تباع فهو مستعد أن يدفع في كل منها جنيها.
وفي أقل من دقيقة عاد خفاجة بالتصاريح، فأخذها الرجل وتأملها ثم بسطها على المكتب أمام سناء، واستدار إلى خفاجة قائلا: فيه حاجة تانية يا خفاجة عشان تاخد الورقة بخمسة حتة واحدة. - تحت أمرك يا عبادة بك من غير أي حاجة، والله يكفينا ظرف سعادتك. - الأختام يا خفاجة وإمضاء الباشكاتب. - أجيب لسعادتك الباشكاتب بنفسه هوا.
وهذه المرة استغرق إحضار الباشكاتب «بنفسه» خمس دقائق كاملة.
جاء الرجل وقد قطع اجتماع اللجنة لاهثا، وبسرعة أنهى مهمته فقد وقع التصاريح على بياض وختمها، وطلب من سناء أن تملأها وبعد أن تنتهي تذهب إلى مدير الإدارة وتحصل على توقيعه الكريم، كذلك أخرج لها دفتر القيد لتقييدها.
أما بالنسبة لعبادة بك فقد طلب منه أن يمر يوم السبت «ليسلم» على محمد الجندي، مؤكدا أنه يجازف بإعطائه التصريح قبل السلام على الجندي، ولكنه يفعل هذا اعتمادا على ثقته الكبيرة فيه، وأكد له عبادة أنه حتما سيفعل، وطمأنه بقوله إنه رجل في أيديهم ومن العبث أن يحاول اللعب بذيله معهم.
وعلى عجل أيضا غادر الباشكاتب الحجرة، وظل خفاجة واقفا بضع لحظات وكأنما يؤكد دوره ووجوده، ثم حين أحس أن وجوده نفسه غير مرغوب فيه من الزبون استأذن خارجا طالبا من سناء أن تدق الجرس فقط إذا لزمها شيء.
وهكذا وجدت سناء نفسها وقد فتحت على مصاريعها جميع الأبواب التي سدتها، ولم يعد أمامها إلا أن تملأ خانات التصريح أو تفتعل حجة ما وترفض.
وطاوعها عقلها أخيرا على افتعال حجة، وقالت إنها غير خبيرة في ملء التصاريح، وإن من المحتمل جدا أن تخطئ فيبطل مفعول التصريح، وأنه لهذا السبب يستحسن أن ينتظر «الأستاذ» عبادة ليوم السبت ليملأها الجندي الخبير بها.
Shafi da ba'a sani ba