Dawowar Mutuwar Bakar Fata
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Nau'ikan
ربما يستمر الوباء الواحد في المناخ الدافئ هناك لمدة حوالي ثلاث أو أربع سنوات، إلا أن القطاع الساحلي لكل من سوريا ولبنان وإسرائيل ومصر صغير نسبيا؛ لذا كان الوباء يندثر في النهاية. ومن ثم، لو كانت هذه المنطقة اعتبرت خطرا دائما، فإن ذلك يرجع في الغالب إلى الأوبئة المتكررة المتقطعة هناك، التي كان كل منها يبدأ من جديد عن طريق وصول مصاب من وادي النيل.
إلا أن طول نهر النيل يبلغ حوالي 1500 ميل (2400كم)، وعليه، فلم يكن انتقال المرض ممكنا - على الأرجح - خلال فترة حضانة مصاب واحد للمرض، حتى لو كان مسافرا بالقارب في اتجاه مجرى النهر، إنما بالأحرى كانت هناك سلاسل لانتقال العدوى والأوبئة التي كانت تتحرك باستمرار على طول الوادي جيئة وذهابا عبر المراكب أو القوافل.
الفصل السابع عشر
لماذا اختفى الطاعون النزفي فجأة؟
كان الطاعون في إنجلترا وفي أوروبا القارية الشمالية يجتاز فصل الشتاء بصعوبة، وكما برهنا، كان استمراره على مدار القرون معتمدا بالكامل على الوصول المتكرر للمصابين من فرنسا. اختفى الطاعون من اسكتلندا عام 1649، وسرعان ما اندثر من إنجلترا بعد عام 1666 لأنه لم يستطع أن يجتاز أشهر الشتاء، ولم يكن هناك المزيد من المصابين الذين يفدون من أوروبا القارية لأنه اختفى من هناك. إذن فالسؤال المهم الآن هو: لماذا اختفى الطاعون أخيرا من معقله في فرنسا؟
في الغالب لا يوجد جواب وحيد لهذا السؤال، إنما بالأحرى لا بد أن مجموعة من العوامل - بعضها أهم من بعض - اتحدت معا للقضاء على المرض من مستودعه في فرنسا. من بعدها لم يكن هناك أمل للطاعون أن يعيش طويلا، كانت المسألة مسألة وقت ليس أكثر. (1) العصر الجليدي الصغير
صار المناخ العالمي باردا بدرجة كبيرة في القرنين السادس عشر والسابع عشر، واتسمت بداية العصر الجليدي الصغير بانخفاض نشاط البقع الشمسية، وزحف الكتل الجليدية، وانخفاض درجات الحرارة. ولم تبدأ فترة البرودة الأساسية حتى عام 1560، إلا أنه حتى في وقت سابق نحو عام 1506، قاسى جنوب فرنسا من شتاء قارس وتجمد البحر المتوسط عند مارسيليا.
في أوروبا، كان شهر مارس هو الذي يعكس التغير المناخي دائما تقريبا. صار هذا الشهر باردا شتويا مع سقوط الأمطار الخفيفة، وغالبا كان يسود الطقس في هذا الوقت من السنة مرتفعات جوية حاجزة ورياح شمالية. علاوة على أنه كانت تعقبه أشهر ربيع باردة وجافة، وكان شهر يونيو باردا ورطبا.
من ثم ربما كان استمرار المناخ البارد خلال الربيع وأوائل الصيف هو العامل المهم الذي كبح قدرة الطاعون على إعادة توطين نفسه بعد الشتاء؛ ومن ثم إخماد كثير من الأوبئة الوشيكة.
كانت هذه الظروف المناخية الأشد برودة ستسهم في اختفائه من إنجلترا، لكن الأمر الأهم من أجل خدمة أهدافنا هنا هو أن هذه الظروف ربما حدت أيضا من انتشار الطاعون وساهمت في زواله من جنوب فرنسا.
Shafi da ba'a sani ba