أما أنا فقد سكت، لأن آذان العالم قد انصرفت عن همس الضعفاء، وأنينهم إلى عويل الهاوية وضجتها، ومن الحكمة أن يسكت الضعيف عندما تتكلم القوى الكامنة في ضمير الوجود تلك القوى التي لا ترضى بغير المدافع ألسنة، ولا تقنع بسوى القنابل ألفاظا.
نحن الآن في زمن أصغر صغائره أكبر من كبائر ما تقدمه، فالأمور التي كانت تشغل أفكارنا، وأميالنا قد انزوت في الظل، والمسائل، والمشاكل التي كانت تتلاعب بآرائنا، ومبادئنا قد توارت وراء نقاب من الإهمال، أما الأحلام المستحبة، والأشباح الجميلة التي كانت تميس متنقلة على مسارح وجداننا، فقد تبددت كالضباب، وحل محلها جبابرة تسير كالعواصف، وتتمايل كالبحار وتتنفس كالبراكين.
وما عسى أن يصير إليه العالم بعد أن تنتهي الجبابرة من صراعها؟
هل يعود القروي إلى حقله فيلقي البذور حيث زرع الموت جماجم القتلى؟
هل يقود الراعي مواشيه إلى مروج مزقت أديمها السيوف، ويوردها مناهل يمتزج ماؤها بنجيع الدماء؟
هل يركع العابد في هيكل رقصت فيه الشياطين، ويردد الشاعر قصائده أمام كواكب حجبت بالدخان، وينغم المنشد أغانيه في ليل عانقت سكينته الأهوال؟
هل تجلس الأم بجانب سرير رضيعها مرتلة بالهدوء أغاني النوم، وهي لا ترتجف وجلا مما سيجلبه الغد؟
هل يلتقي الحبيب بحبيبته ويتبادلان القبل حيث التقى العدو بعدوه وتبادلا القذائف؟
وهل يعود نيسان إلى الأرض، ويستر بقميصه أعضائها المكلومة؟
ليت شعري! هل يعود نيسان إلى الحقول؟ •••
Shafi da ba'a sani ba