وفي الصيف أثمرت نفسي، ولما جاء الخريف جمعت أثمارها الناضجة بأطباق من الذهب ووضعتها على ملتقى السبل، فمر الناس أفرادا وجماعات، ولكن لم يمد أحد يده ليتناول منها.
فأخذت إذ ذاك ثمرة وأكلت، فوجدتها حلوة كالشهد، لذيذة كالكوثر، طيبة كالخمرة البابلية، عطرة كأنفاس الياسمين، فصرخت قائلا: «إن الناس لا يريدون البركة في أفواههم ولا الحق في أجوافهم، لأن البركة ابنة الدموع، والحق ابن الدماء».
ثم عدت وجلست في ظل شجرة نفسي المنفردة في حقل بعيد عن سبل الزمن. •••
اسكت يا قلبي حتى بالصباح.
اسكت، فالقضاء قد أتخمته رائحة الأشلاء، فلن يتشرب أنفاسك، اصغ يا قلبي، واسمعني متكلما.
كانت بالأمس فكرتي سفينة تتقلب بين أمواج البحار، وتتنقل مع الأهواء من شاطئ إلى شاطئ.
ولقد كانت سفينة فكرتي خالية إلا من سبعة أكواب طافحة بألوان مختلفة تشابه ألوان قوس القزح بنضارتها.
وجاء زمن مللت فيه التنقل على وجه البحار، فقلت سأعود بسفينة فكرتي الفارغة إلى ميناء البلد الذي ولدت فيه.
ثم أخذت أطلي جوانب سفينتي بألوان صفراء كشمس المغيب، وخضراء كقلب الربيع، وزرقاء ككبد السماء، وحمراء كذوب الشقيق، وأرسم على شراعها، ودفتها رسوما غريبة تجذب العين، وتبهج البصيرة، ولما انتهيت من عملي، وقد ظهرت سفينة فكرتي كرؤيا نبي تطوف بين اللانهايتين، البحر والسماء، دخلت ميناء بلدي؛ فخرج الناس لملاقاتي بالتهليل، والتعظيم، وأدخلوني المدينة ضاربين الدفوف، نافخين الزمور.
فعلوا ذلك؛ لأن خارج سفينتي كان مزخرفا بهجا، ولم يدخل أحد جوف سفينة فكرتي.
Shafi da ba'a sani ba