الإهداء
المقدمة
أنا ... ... أنت/أنت ...
نحن ...
الإهداء
المقدمة
أنا ... ... أنت/أنت ...
نحن ...
العواصف العقلية
العواصف العقلية
تأليف
مهيب نصر
الإهداء
إلى أطفالي المدماة جباههم، الجائعين في الإسلام،
العارين في العروبة، الخائفين من الخوف،
الباكين على ضريح الإنسانية.
سيفهم القليل ما كتبت ها هنا،
وسيقرأ الباقون ما لم أكتب.
المقدمة
رخيصة هي الأفكار، إذا ما تشبعت بحرارة الطور المتدرج، وتقمصت روح المفكر وعقله، واندست في أعطاف الحياة صارخة عن وجودها، الذي استصرخ العالمين من قبل، فشرعوا ينسجون على منوالها ألف منوال، يحقق البغية الشاردة عنهم، ويبعثهم في سرابيلها قائمين.
إن للفكرة وقع الانشطار كما للقنبلة العنقودية، على مسارح الفهم الباذخ منه ومعالم الفتور، تشرح الكتب، بومضة كليلة، دون أن تقدر على شرح ذاتها، وتبلل الواقع بفعلها الجواد النافع، كصيب في طريق الغمام، يتسلل إلى فم استزله العطش حتى استحال إلى صحراء تستغيث، وإذا ببخار الرمال تتصعد هنيهة تلو أخرى، فإذا بها تختمر كلها، كما يختمر المعطف بين يدي مغسله.
سطر يستحث وهج الحق، خير من قمطر غثاث لا وهج وراءه، وقمطر غالب في معركة الأدمغة، خير من صاروخ يتجاوز القارة، ذلك لمن فطن مآلات الكلمة المنشطرة من نواة الفكر، وقدر للإنشاء مبتداه، كفاعل رئيس للخبر الرئيس.
إن أمة تستعلي وعيها، باستعلائها المتهافت على الكلمة، هي أمة تستغني عن وعيها، وتبيع وهم الحقيقة في مخلفات التبر، وعلى كثب الرمل، تهيم بوجهها على المدى الأقصى، دون أداء لحقها المنقوص، وتغيم أعينها؛ حتى لا ترى الغيم الذي يسكنها.
فدونكم العواصف العقلية.
أنا ...
1
أنت مجرد إناء فارغ، يقوم المجتمع بملئه بما شاء وكيفما شاء، أما أنا فإنسان حر، سأجعل من مجتمعك إناء لأملأه بالحرية والإنسانية والكرامة والإبداع، فأنا المجتمع، والمجتمع في نظري مجرد إناء.
2
فلذة من كبد كاتب، ورغوة من ضميره، وبركان قلم، يأبى الصلاة في المحراب، ذلك الحلم الساهد وراء جفوني.
3
وما عذابي إلا لأنني أكرع النور من ثدي السراج الضئيل، بينما يسرق الآخرون الظلام.
4
من قال لك ما قالت الأشجان في قلبي؟
حين تراها تغدرني دموع البلاغة، أو يغمى على قلمي أمام الكلمات، فقد جف القلب، حيث قطر القلم.
5
يلذ لي أحيانا أن أمسك بلحى بعضهم، ثم أضرب رأس هذا بذاك، فقد كثرت اللحى وقل أصحاب النهى، وكثرت المدارس وقل الخالقون.
6
ويمضي قلمي، يتلمس الحلال والحرام في الكلمات، وينفث شهوته، بينما لساني غريب في فمي.
7
أحاول جمع شعاع نفسي، كي أرى الصباح من فوهة عيني الغارقتين في بركة دم، وفي أنفاسي وهج الحنين إلى المساء الذي لا أرى فيه سوى نفسي.
8
وجعي، أراك طاويا في ظلام هذا النهار، تأكل أشفارك القاسية، وتشرب مآقيك الساخنة، وكأنما أشفق عليك حين أراك يتيما تلتصق بزاويتك، تتكوم فيها كقصاع أحلامنا المتعثرة، وتتهادى على يديك، كلما كلت أبصارنا عن رؤية الجادة، أوتظنك خارجا دوني، وأنت الوفي الذي لا ينسى معروفا، ولا يضيع مظلوما؟ خذني إليك وفي مسارك، طالما سال رضاب فكري، واتقدت قريحة ذهني، واستوت مطامحي في سياقها؛ فالفكر وجع، وأنت فكري الذي أوجعني.
9
كيف لا أستقيم في طريقي، وأنا الذي سقطت ألف مرة، أثناء بحثي عن الطريق.
10
أن أموت ويدي مخضبة بدمي، أجل من أن أموت أمام بوابات الدنيا الموصدة في وجهي.
11
أحبك؛ لأني أحب نفسي فيك.
أكرهك؛ لأني فهمتك من خلال رؤيتي وتجربتي.
12
كدارس للقانون، أقترح على سوق التأمينات، ابتداع عقد يتجدد كل ستة أشهر كحد أقصى، يضمن عدم انطفاء التالي: (1)
الوفاء. (2)
التضحية. (3)
الحب.
13
لو تتركني هذه المشاعر الماجنة لوحدي، لتشاغلت بربط حذائي عن السير في آلام هذه الأمة.
14
صحوت أنظر للمرآة، فلم أر ملامحي، وإنما رأيت الكثير من الحزن والألم؛ على هيئة عمال البناء، يصنعون ويرممون شخصي.
15
أقاوم الصبر بالقليل من الضعف، حتى أتقوى بالكثير من التجربة.
16
أبحث عن منفى خارج الصورة، أرى فيه الحياة التي لم أرها، بالصورة التي تم كسرها في حياتي.
17
كطالب للقانون، أجد أن لا مستقبل للقانون، طالما المستقبل متعلق بالاستقامة، ولا استقامة طالما أن القانون من وضع الإنسان.
18
أشعر بتكسر في داخلي، كشققة شيباء، تضرب سكون المحيط.
19
لم أزل معلقا قلبي على أسوار وطني، أنوح على صنعاء.
20
سأنتصر لوحدتي يوما، وسأشكل منها أغلبية الواحد، ففي حروفي نبوءتي وسلاحي.
21
بدأت رحلتي في قلبي، حتى أدركت الغد، الذي طالما حرمني منه الأمس.
22
تتألب الأسئلة في رأسي، كلما نظرت للإنسان، وغفلت عن الرب.
23
أحسست بسياط في فكري، وبوخزة حادة في دمي، وأنا أتأمل هذا الكاهن الأحمق، المسمى زورا «إنسان».
24
لا أستطيع أن أفهم المنطق الاستئصالي من رجل قرأ التاريخ؛ لأن الدماء لم توقف الدماء، وإنما أوقفها الفكر.
25
لم يعرف التاريخ فاتحا رحيما كقلبي، يذهب إلى الحب فاسقا، ويئوب عاشقا.
26
في اللحظة التي ينفض فيها شغب مشاعري عني، أقف متأملا وجه ذلك البؤس الذي ينهرني.
27
وإني لأحلم، والحلم حق، أن تسير الرياح مع سفينتي المعطلة في المحيط.
28
نظرت إلى ما وراء البحر يوما، وإلى ما وراء الجبل، فوقفت طفولتي تسألني عما وراءهم، وحين كبرت، أدركت أن طفولتي كانت وراء البحر والجبل معا، مع العلم بأني الوحيد، الذي كان يجهل ذلك.
29
يستثيرني ذلك الأعمه الذي يدعو الله في كل خطبة جمعة، ألا تخرب بلاد المسلمين، في الوقت الذي أصبحت فيه أكبر من عجاجة.
30
أكحل عينيك بإثمد النهار، كي أرى في الليل ما حجب النهار.
31
أنا كالمسيح صلبت في جذع الألم.
وفي من قول المسيح خطاب.
32
أعيريني قلبك حتى تسمعي مشاعري، فتسارعي إلى أعماقي، تسكبين خمر جنتك، بعد صديد جهنمك.
33
من الممكن أن أكون أي شيء، إلا أنني لن أقبل أن أكون من علماء الإسلام، حتى أحصل على جواز أهل الكفر.
34
ماتت التي ولدت قلبي، ليتها لم تلد.
35
زرعت حبي ببذور الوجع، ولست أدري متى لأغصانها أن تبسق.
36
ولقد رأيت حبيبتي بعين خيالي، كالأرجوان الدموي، تحت ضوء جديد.
37
ما أصغرني حين كبرت في عينيك، وأنا الصغير الذي لم يكبر.
38
خلقت الحب يوما من خيالي، ولكنه لم يكن في حياتي، أكثر من الخيال.
39
في قلة حياء الوجع، شكوت للطريق التي فوق الطريق عيائي، ودمعتي في قلبي، لطالما أبكتني.
40
إذا ما غادرت صدفة الفؤاد، واستقليت سواقي الألم، لن أكتم عنك هذا السر أبدا؛ لقد أدركت أخيرا، أن إشعاع جمالك أغراني في جميع النساء.
41
وداعا يا حبيبة الروح وروح الحبيب، وداعا يا زهرة الوزال اللدنة، ويا نظارتي التي أقرأ بها الروايات الثرية، ويا سكر قلبي إذا ما أحمضته الحياة، وسكرة الحياة.
42
في شذوذ عن قوامك، رأيت جمالك المطهم، وانحسار نقابك عن وجهك الثاغم، أشبه بأنين محبرة تحت أوزار الكتابة.
43
طويت أشرعتي من على مراكب الوهم، وطفقت مهووسا إلى مراكب المرأة، فعكازة الأعمى لن تصنع نصرا، ولن تشيد صرحا، حتى يبصر، ولن يبصر ما لم تقدح الخمصانة المكسال كئوس خمرها في رأسه.
44
اليوم وفي مثل هذا اليوم، أبحث عن ولادة جديدة دون ولادتي الأولى، ولادة قيصرية تعجل بي إلى الدنيا، وفي عقيدتي قبلة امرأة تعادل حرارة خطوط الاستواء.
45
أيها الحب:
فطمت قلبي عن سواك، وفطرت روحي في هواك، ولم يبق مني سوى الهيكل، فقدسني، يا قدسي المحتل، على سرير آمالي القاسية.
46
إذا كانت السعادة زفرة باردة في سكون الوعي، فقد رفضتها واخترت معاناتي؛ ففي معاناتي روافد وعي، وفي سعادتك بذور الانكسار.
47
في رأسي ضباب كثيف، ولم أعد أسمع غير وجيب قلبي، وحين أحاول الهروب إلى حيث لا أدري، تقف أمامي الجدر العارية.
48
إذا ما صدعت الأنواء مراكب حريتي، ووجدت في مراكب عبوديتي مساحة للخيار، لاخترت عبودية الجمال، ولما رضيت بعبودية القوة يوما.
49
أين الخير في تراجيديا الترداد: كل عام وأنتم بخير؟
لا أستطيع اعتقادها؛ لأني لا أراها، وإن قلتها؛ فلأني أقدر على قولها فقط؛ إذ أشعر بأن قول هذه الكلمة، أو عدم قولها، أصبح خادشا للحياء.
50
إن عقلي ليسألني عن عقلي، وإن نفسي لتسألني عن هدوئها، وإن روحي لتسألني عن راحتها، ولا أجدني جديرا بالإجابة، حتى أغادر جسدي المشقوق عن جسدي، أو يغادرني.
51
لقد كانت تطوي ضلوعها على قلب كبير، وتغسل كلماتها في شفاهها، كإبريق مزجج، مسه النار والمطر معا.
52
دماء صدري تغرق في عيني كلما رمقت أنيني، حتى إنني لم أعد أسمع سوى ذاك الأنين اليتيم. فهل تراني فقدت بصري، أم أنني لم أبصر بعد؟
53
يا ألله، أنت بداية الطريق، وتضاعيف الطريق، ومحطات الطريق كلها، ونهاية الطريق التي لا نهاية لها. فكن لمن غالبته نفسه، واستبد به هواه.
54
أعيدوني إلى ذلك الأفق الوميض، أو أودعوني في الأفق، فبغالنا وحميرنا، لا يزالون عالقين في العقبة.
55
ليس معنى أن أكون طيبا وخلوقا، ألا أكون مجرما وسفاحا، تلك المعاني ليست أكثر من جزئيات في شخصيتي، لا شخصيتي كلها.
56
ألا رحمة يا شجوني! فما في صحائف المنى غير الدموع السخينة المختلطة بعصير الفكر، وملامح كأس لم يتشكل بعد في أحداقي.
57
إن الناس لا تمسح تراب أوجاعي، إلا إذا مسحت لها طريق العبور إلى وجعي، وكم كان حريا بي أن أمسح ترابي بيدي، دون تلك الطريق.
58
أكاد أعتقد، أنني إذا ما تهت في بحر المعارف، قاصدا الحقيقة لا سواها، لا بد وأن أجدني في اللحظة الأخيرة من السقوط الأخير، فإن سقطت دون أن أتبين وجهها، كان الله لي بفضل نيتي، لا بهوة سقوطي.
59
أنا لا أحتاج إلا لذلك الشخص الذي احتاج الناس يوما، فإذا ما احتاج إليه الناس، كان به البأو والكبر كما يكون الطفل بلعبته، أما احتياجي إليه، فغالبه الضحك على انتفاخه البارد.
60
لا يد تجسد أنباضي، غير يد قلبها في يدي، تلك التي ستسمع قلبي حين يقرع أضلعي.
61
تلك المآذن الناشبة في أعماقي، تئن من صوت رياح الفكر، ومن نزيز جراح العقل، وهي بين ذلك ما انفكت تبحث عن بلال.
62
ارسمني أيها الأمل، بربك ارسمني، حتى أكون من أوليائك الجامحين، وأربابك الطامحين، فإني أتعثر أحيانا في رسمك.
63
ذلك الوهج العالق في كبدي، الهائج في أحداقي، إن لم يكن يقينا فهو أقرب من اليقين.
64
أبكي الكلمات الدامعة من عيني، وشهيقي يختنق، ومكبرات الصوت ترجف من خلفي: ابك كبكاء النساء أيها المتمرد، فأنت في مملكة الرثاء.
65
أوليست كل معدات دفني جاهزة إذا ما قضيت؟
66
أنا أكره النوم، وأراه غريزة من غرائز السرقة والذل، وكم تمنيت أن أجد عقاقير أستعيض بها عنه؛ إذ ستأتينا ساعة ننام فيها عميقا، فلماذا ننام قبل أن تدق الساعة؟
67
سكبت على منبر أحلامي قنينة خمر، فثملت ولم أستيقظ، وشربت من ينبوع صبري عزما، فوجدتني كمسحوق ذهب على صفيح من فولاذ.
68
إنني لأحتار مرارا، في كيفية أن أكون إنسانا يسعى في تثمير وتخصيب شخصه، بغية إفادة أمته، وفي أن يحافظ على ما يقيم به أوده وأود من يعول. هل تصدقون يا سادة أن هذين الخطين متجانفان تماما؟
69
لن أكون مع وطني، ولن أكون مع محرابي، ولن أكون مع عشيرتي، في الحالة التي أفقد فيها إيماني بها أو بأحدها، أو أي أمر أو موقف أو شخص لا أجدني مضطرا لتقديره، وسأدافع عن رؤيتي حيال ذلك بالصمت، والعزلة، والإبداع.
70
إني لأعشق الحديث للصمت الذي يسمعني ولا أسمعه، لأنين الأقحوان العالق على متن غصن، لحبات الدموع المكورة على خد عجوز أكلها الكبر، لم أعد أجد لكلماتي قلبا سوى تلكم القلوب اللاهثة، اللاغبة، المتعبة، تلكم القلوب التي استلبها القدر لحاف اللذة، ومكانز الغرور، ووهبها أباريق الوجع الصافي الذي لم يختلط بشائبة، وأكرمها بنعيم الحنان الغامر، حتى اغتررت بمفاتن الفطرة التي تشوقني إليها، وطلبت المنبر كي أفرط مسبحة الحرف، ثم لذت بالصمت كطفل رأى معطف أمه في الظلام، فظنه رأس ذئب.
71
جالست ذلكم الفقير وهو يبكي من قلبي، وعيناي تنهال بدموعه السخينة، فوضعت كفي باحثا عن موضع ذلك الملح السائل من جراح الكيان فلم أجده، فتبعثرت أبحث حتى رأيت داخله، فاندفعت متشبثا بألواح روحه الساكنة، أشاهد ملامح الضوء البادي منه، وفي مخيالي عبارة العظيم «اللهم عبدا رسولا»، بها اتقدت الرؤيا وبذرت سنابل البشرى، بذلكم العظيم لاحت المشارق والمغارب من على دابته، والحجارة تضغط على بطنه وتشد على مئزره، وبينما أنا مطرق تساءلت عن سر هذا السحر في المتربين، وعن سحر راحتنا على كفوفهم اللدنة اليابسة، فوجدت أن ذلك هو القرار الذي أتينا منه، وإن شطنا فسنظل ميالين إلى قرارنا الأول الأصيل، فما أغنى حياة الفقير في البؤس، وما أشد فقرنا في الغناء!
72
هنا وطني ... ممسك بأكفانه البيضاء، والدماء تتسرب من بين أصابعه النحيلة، وفي فمه ظمأ الهواجر، وفي عيونه أرق الأبدية.
73
أريد أن أسأل:
كيف لهذا الجمال الشامخ أن يموت، بينما تقف جميع النساء في الجانب الآخر؟
74
وهي تتموع وتتغنوج على سفح نهر، وخلف ستار المحسوسات، وقف قلبي، كيما يغير ميزان دقاته.
75
أنا ... مسكون بالعاصفة، كلما رأيت البرق يمزق السماء.
76
ألا ليت وطني تحول في هذا اليوم إلى رماد؛ حتى لا تعيث فيه الزواني خرابا، وتحدجه عيون الداعرين.
77
في اعتقادي، أن ما من وطن ولا أمة، إلا وسيحل بها الدمار والشنار يوما ما، إن عاجلا أو آجلا.
78
أراهم وقد نسج على أفواههم لجام الإفحام، كما لو خلقت شخوصهم على قواعد رملية.
79
كطعنة سكين مغموس بالسم، دخلت إلى قلبي الباكي.
80
اللهم إني أستهديك لأرشد أمري، وزدني علما ينفعني.
81
لا أزال أظن أن المرأة التي لا تفهم معنى أن تكون زوجة، لن تفهم معنى أن تكون مطلقة.
82
وجدتهم يتسرولون بسراويل الموت، بغية ازدراد الإمام علي بجبته وحذائه، فغصوا، وفي غصتهم تلك، كان ينبوع مرارتهم وظلمتهم وعذابهم.
83
ضجيج يستبيح خفقان قلبي ويقلق نوم روحي، وتخاريف شتى ملء فمي، وضحكة طفل تكاد تتدلى على شفتي، وتهاويم علوية نازحة من السماء، ولغة مغلقة لا تفصح، بعد أن استحالت إلى سؤال، أهان تفكير الباحث، وكرس أوهام المتوجس، وغرغرة قلم يكاد يختنق من الكتابة، وفي تتاخم حدود التوهان.
84
في اليوم الذي أصاب فيه بالجنون، سأعلن بكبرياء عن رزانة عقلي، أما اليوم فما زلت مهتما بالجنون.
85
أنا لا أثق فيمن يدعي الإيمان بالله، وهو غير مؤمن بنفسه.
86
لم تقتلني الحقيقة يوما، إلا أن الوهم قتلني كل يوم.
87
أنا أسير حريتي يا مجنون، قد حير البلاء بصري، واستنهض القبر جثتي، وهذا حذائي يصرخ في وجهك.
88
أنا أفكر في الوطن العربي، إذن أنا متهم.
89
كلما أرى كف امرأة أو قدمها، وما عليها من الأظافر الطويلة، كأنما أرى كف كلب، أو قدم سبع.
90
أبكتني طفلة كنت قد رأيتها ذات مساء، وفي يدها جرة من اللبن، تمشي الهوينا فيسقط منها بعض ما في الجرة، وهي تضحك، إذ تبتهج بتلك الخطوط التي ترسمها على الطريق، حين كانت في طريقها إلى الله، دون أن تعلم بأن الله لم يعد وحده في السماء، حتى طائرات الإف 16 كانت في انتظارها.
91
أعمل دائما على تجاوز نفسي، أن أتخطى قيودها فأكسرها، ولا أفكر في أن أتجاوز الآخر، إذ الآخر بالنسبة لي ليس أكثر من حواجز في أعماقي، أقوم على إزاحتها يوما بعد آخر، متحديا أغلالي الداخلية وتحت أقدامي ديناميت لا أعلم متى يستيقظ، إلا أنني وجدت الخوف مضيعة لوقتي الثمين، لعمري الذي لا يعود، لجسارتي التي تتحداني.
وجدتني أصارع كي أكون واثبا، فوجدتني واثبا بعد كل صراع، ولن يسقط المسار، حتى وإن تعثرت الأقدام في تربة الأقزام يوما، فالقلم كالمعبد، والمعبد مداد حبر، لا يتهدم وإن تهدمت قوائمه.
92
اصنعيني أيتها العجينة من ذراتك، فأنا السائل الذي يبحث عن الماء والدقيق.
93
في ظني أن السلطة الرابعة في الدول غير الديمقراطية، أقوى من السلطات الثلاث.
94
وفي تراويح روحي ألف ساجدة
قامت بكف الهوى تكتب رواياتي
وفي جروحي من الأقلام معركة
لم يسقط الحبر بل ثبت راياتي
وثورة الدم في الأنباض غائرة
كرمح اعوج من أرياش غاراتي
تأبى المروءة يا ولدي تغادرني
ويرفض الناس آمالي وغاياتي
فلا تبين بحق الله في أمر
إلا بقول ارتحق من فم جداتي
وفي يا وضح الأنهار معجزة
أرى بعين أحزاني انتصاراتي
فما بقي حال حتى صرت ممتنا
من قمة الرأس من إفراط مأساتي
تلك التي أورثتني مبرد ودم
أقطع أحلامي الصغرى بآهاتي
واستوثقتني بأن الحلم في يدها
لن تستبيح الحمى إن خنت راحاتي
فاستثمر الصبر في أهداب ملحمتي
معنى يغرد في صفصاف واحاتي
استنهضوا أيها الأحرار خندقكم
واستذكروا في نهاياتي بداياتي
... أنت/أنت ...
1
إن المستباح عقله، مستباحة حريته.
2
تتسع مأساتك، بقدر اتساع روح المعرفة في روحك.
3
إن البريق المرموق في وجنة القمر، قد ذاد عن السماء حين مقدمك الأرض.
4
أن تتخذ قرارك، هذا يعني أنك شخص تعرف من أنت، إلا أن أصعب ما عاناه سقراط، هو أن يعرف من هو.
5
أن تكون راشدا؛ يعني أن تتعثر، كما لو كنت طفلا.
6
ما أقبح حياة من لا يرى في الحياة سوى المال!
7
الحقيقة التي نظنها كذلك، ليست أقل من نصف وهم، إن لم تكن الوهم كله.
8
المال في زيادة، والعمر في نقصان، فعلام الحرص يا أحمق؟!
9
نقطة دم لو تجمدت في دماغك لما عرفت من أنت ... فتواضع.
10
قد يكون سر قوتك؛ شعورك بالضعف.
11
يا من تجاملني وفيك ملامحي
اقرأ جبيني كي ترى أحلامي
12
الرجل الفاشل، لا يملك حق اليأس؛ لأنه لم يسع يوما ليملك حقه في النجاح.
13
إن التخلي عن «الأنا» شرط نشوء الوعي ويقظته، كما أن التشبث بتلك «الصغيرة» الدونية، شرط لما دونها من سفال.
14
صحيح أن منصة المسرح ترفع قامتك، ولكنها لا تهب لك طولا بعد نزولها.
15
إذا ألجأتك حاجتك للحطب أن تعيش في الغابة، فمن الضروري أن تبني صداقة طيبة مع الذئاب.
16
ما المبرر في أن تكون ذكيا مع أغبياء، حرا مع عبيد، أخلاقيا مع سوقة ...؟
17
قد يقف معك بلال الحبشي، وقد يقف ضدك عمك أبو لهب، فكن أنت لرسالتك ولا تلتفت.
18
إذا ظننت أن حياتك ثمن لما تملك، خسرتها، وخسرت معها ما تملك.
19
الناجح يعيد تعريف نفسه باستمرار، والفاشل يكتفي بتعريف أمه.
20
كن رجل «اللا» لا رجل «النعم».
21
احذر ذلك الإنسان، الذي يستغني عنك، بأي أمر يمكنه أن ينشغل به.
22
ما من معركة دينية، كان طرفاها المرأة ورجل الدين، إلا انتصرت المرأة.
23
حبيس جسده وقبره، وميزان خشب، لا يرى في العبادة تجفيفا للعبودية؛ ليمتنع عن عبادة ذاته.
24
إن الرذيلة الكبرى؛ هي أن تؤمن بما تكفر به.
25
العقل من طرف واحد جنون.
26
لا يعني أنك بزواجك تعرف الزواج، قد يكون كل ما تعرف؛ مجرد اختزالات، تحت سقف الهيمنة.
27
عليك أن تنطلق كشخص، يحرث حقول المعرفة، ليقطف سنبلة الفهم التي بذرها.
28
من لا يستطيع أن يدير ائتلافه مع من يحب، كيف له أن يدير اختلافه مع من يكره؟
29
لا تنتظر الحشرة حتى تزحف في فمك، فقد تضطر إلى إطلاق النار عليها، حينها تصبح عرضة للموت أكثر منها.
30
قد ترى ما ليس موجودا، إذا ما كان له معنى عندك.
31
المسئولية ثقل مرعب، لمن فقد المعنى.
32
إن الصواب الذي تؤمن به ليس أبديا، كذلك الخطأ، فأنت تحدد الصواب والخطأ من مكانك أنت، ولو صرت مكان الآخر، لرأيت عكس ما رأيت حيث كنت.
33
إذا لم تأت في الوقت الذي يجب عليك أن تأتي فيه، فلا معنى بعد ذلك لدموع الآسفين التي تسكبها.
34
بقدر استحضارك ومباهاتك بالآخرين، الراحلين منهم والباقين، بقدر ما تؤكد غيابك واستصغارك لنفسك إزاءهم، وقد كان حريا بك أن تكون مثلهم، إن لم تكن أفضل منهم.
35
إذا كنت أصبت بنوبة نفسية حادة، فيمكنك أن تعزي نفسك، بأنك لست الوحيد الذي سيصبح مجنونا، فالمجانين كثر في أوطاننا، ولكن الجنون لا يؤلم؛ كي تسمع صراخهم.
36
الجائعون على أبواب البحر ينتظرون منك سمكة، وأنت الغريب المسئول عن البحر، وعن الجائعين.
37
في سكون الليل تستزلك وحدتك، كما تستزل الريح قطرات الندى من على ورقة اليقطين، دون أن يستزل السكون.
38
ليس أصعب من عبودية تقابلها يوميا، حين يخيل إليك ألا تعرف وجه الحرية حين تراها.
39
الرأس الجسور لا يجد ما يسنده غير القبر، أما الرأس النذل فيمكن لظلف عنزة أن يسنده.
40
المرأة الجاهلية:
خفيفة الوزن، زهيدة الثمن، في فمها حجارة الكفر، وفي أحلامها مطر الكهنة، فكل وعود الحياة في انتظارها، وكل حدودها سدود، تجد في عينيها قبس الوهم المسروق من معبد الأمهات.
41
الاستثنائيون لا يخططون للمواقف حتى يتبنوها، إنهم يفعلون ما يرونه صوابا وكفى، وإن كلفهم ذلك حياتهم وأقواتهم.
42
أنى للضمير من رفيق يسكن الضمير، يرافقك في ليالي الأسى، ويشدد قوادمك في شدائد النهار.
43
قد لا تسيء بعض المواقف إلى سمعتك، ولكنها تسيء إلى وجدانك، فاجمع شظايا نفسك المتبعثرة، فأنت بحقيقة وجدانك، لا بما يقال عنك.
44
إن حياتك الآتية، رهينة لحياتك الآنية، فاحرص على أن تكون الآن، إذا ما أردت أن تكون غدا.
45
سر قوتك: إدراكك لضعفك ، وكمال إيمانك منوط بالاستكمال في مدارج الإيمان، كما أن ليس من المهم سقوطك، وإنما الأهم انطلاقك.
46
لا عالم يخشى الله أكثر منك، إذا ما استقيت نهر الكتب، وأريت الله منك صدق العطش، متحريا كرع الحقيقة لا سواه، ولا أهتك منك ولا أحمق، إذا ما سلمت عقلك لدجاجلة اللحى وفقهاء النساء، فقد أفلح اليوم من اتخذ الكتاب نبيا، وكفر بأذناب الأذناب.
47
حين يعجز الإنسان عن ردع الظلم؛ فإنه يضطر لتحويل الكراهية إلى إعجاب.
48
لا تترك يقين نفسك في نفسك، لشك الناس فيك، وعش برسالة، ومت برسالة، فأحقر الناس من يعيش لنفسه.
49
لن يصل الإنسان الجموح أبدا، فكل محطة بمثابة مفتاح لما بعدها، ذلك أن الملل من ضروريات النجاح.
50
ستمضي وحدك يا صديقي، وستتحدث لدموعك السخينة يوميا، ولن تسمعك آذان المتحدثين بحماسة عن ضجة البكاء، فكل الذين حولك مجرد أصوات، لن ترافقك، ولن يرافقك الصدى.
51
إن المحنة التي لا تقدر على تجاوزها، لا بد لها وأن تتجاوزك، فمسارعتك جاهدا لتتجاوزها كمسارعتها نحوك لتتجاوزك، ولا محيد من الصراع الذي قد يقتلك قبل أن تحدث، أو تقتلك دون أن تحدث، أو تتجاوزها، ولكن بعد أن ألهبت قدميك صحراؤها، وأضعفت يديك ليالي سوادها.
52
ما الوسيلة التي يمكن من خلالها تقبل الرأي المتهافت الغريب، حين ترى الحب في كامل وقاره عاجزا عن ذلك؟ على أن الحب وحده من يقدر.
53
أن تموت إنسانا، أشرف من أن تموت رئيسا أو خفيرا أو وزيرا، ذلك أن كل ما دون الإنسان، أو كل ما يتفرع عنه، أقل منه.
54
الغصة التي قذفت بداية هذا الشهر الكريم إلى خيوط دمك وانسكاب دموعك، ستحجز عنك بهجة العيد في آخره، فلا تمرح لظاهر ما تراه جميلا، عن باطن ما تجهل فيه من الحزن، واعمل في تصميم عيدك ورمضانك بألم دافق، فشهرك الكريم وعيدك البهيج هو أنت، بهذه الأنانية المتعجرفة ستفرح حين أوان العيد، وستتعبد قبل أوانه بيقين.
55
أن تكون على الصواب، في عالم فطم على الخطيئة، لا يعني ذلك سوى حاجتك إلى الخبث والدهاء ، أكثر من حاجتك لتكريس الصواب.
56
لا أحد يستطيع أن يخبرنا كيف نبصر، ما يهم هو أننا أمة ترى، وعلى نحو دائم، كل الأشياء، وفي ذلك ستر لعورة العقل، وعدم إدراك لماهية الخشبة حين تقلد الخيزرانة.
57
يكمن الألم في الروح التي تعرف الطريق، أما الروح الهائمة، فتستلذ الغواية، وتدعي المعرفة.
58
إن أخطر أنواع العيش، العيش مع امرأة لا تتطور، وإن أخطر أسباب تمسكك بها، تطورك معها في سبيل غايتك.
59
من ذاق الكرامة في يومين، لن يتذوق غيرها باقي الدهر، وإن كبلت يداه أو صفدت قدماه، سيزرع في جدار داره توتها وليمونها، وفي دمعه سقياها، وفي كلماته أكمام ثمارها.
60
ارتقت ولم تسقط، كشهيدة خانتها أنوثة الذكور.
61
كما ترتمي الغيمة في أحضان النسيم، ترتمي المقاومة في وجدان الثلة المنتجبة، إذ يهبون لبناء سماء الكرامة، فيجعلون لسقفها النصر، ولأبوابها الصبر، وفي أيديهم مصير الكثرة الخانعة، فسدد رميهم يا جبار، واخلع عليهم ثوب الثبات والعزم.
62
ما يفهمه الأحرار، أن الساعة التي يعيشون فيها أسودا، أجل وأكرم من خلودهم في هذه الحياة أرانب، ولن يتجلى ذلك ما لم تكن لهم عقيدة راسخة، ومناشط أرواحهم تنشدهم إلى مظانها، كما أن طريقهم تظل لاحبة، وكأنها قد عبدت كي يمروا عليها شامخي الرءوس ناصعي الجباه، فيحدثون في حياتهم البطولة، وترتسم في دمائهم الشاخبة حياة الآخرين وحبر التاريخ.
63
لا تتبن موقفا لا تقدر على تبريره، ولا ترى في فعلك الصواب، لمجرد أنك فعلت، كما أن حياتك لا تقاس بطولها، وإنما بعرضها، ولتفهم أن بعض الأمور لا تفهم بالمنطق، وإنما بالتجربة.
64
حين تبلغ مقام الرأي، ما عساك تقول، وأنت في دركات الواقع، ترنو إلى مآذن الخنوع، وتسمع لوسوساتك الجافة من فجوة روحك، وفي فمك ألف كلمة، تتهاوى ألف خريف في أحشائك الخامدة، دون أن تقدر على إخراجها من أعماقها ثم من أعماقك، ثم تضعها على فوهة فمك، وتقذفها إلى هناك، هناك حيث اغتال الركود الماء، وحيث انتحرت ذرات الأوكسجين في غبار الهوى، هل ستموت ألف سنة، أم ستعيش ألفا مثلها تخيط الآمال بالرقاع البالية؟ وتلك يداك ترجف بالقواصف كالسماء في رحم إبرة نحيلة.
65
من عرف كيف يمضي في طريق الصواب، لن يتعثر في اختيار الموت الذي يتغياه، ومن عايش سيول التجارب، يبقى كالصخر ريثما يذهب السيل.
66
ميزة العاقل عن الجاهل، أنه كلما علا رأى، وكلما رأى رمق ما فيه من قصور.
67
إن أصعب ما في العزلة، الحديث مع نفسك بصمت، عن رغبتك في التحدث عما في نفسك علانية.
68
من كان مستعدا من «ذوي المنابر» أن يقاد إلى المآسي وحبال المشانق القصيرة، فله الحق أن نستمع إليه، كما أن من واجبنا أن نتخذه قدوة وأسوة، ما لم فكفافهم أن يسترزقوا بخجل، فأوقاتنا أثمن من أن نضيعها بين يدي التافهين.
69
المرأة التي تسعى جد سعيها، بغية مساواتها للرجل، ستكون امرأة خائبة، ورجلا فاشلا.
70
هذا «النبيذ» المكدس في هشاشتك، اكرعه حتى يستقيه فمك من أنفك، كي تستقيم تفاهتك، وتتساوى مقابحك في كأس.
71
احفروا في ترابكم الماثل أمام المرآة، ودعوا الجدار، ففي الجدار الباب لمن ملك الإرادة، وتحت تراب كل واحد منا الذهب.
72
ما برحت روح ترتشف من قراح المجد، إلا تمردت، ونابذت ونبذت، إذ كان لها مخيالها وفكرها، إلا أن أصفاد الأسى والحزن في أعماقها.
73
النجاح ليس أكثر من شهرة، كما أن الشهرة كالمومس، إن لهثت خلفها، كنت أكثر انحطاطا منها.
74
إن أشد الفقر مكرمة من يد بخيل، وإن أفظع الألم ألم به الدم والعبهر، وإن أقسى الفكر ذاك الذي لا يقوم شخصك إلا به، ولا يتهدم إلا بسببه.
75
اكتسب قوتك من ضعفك، واملأ بيدرك بالغلة التي بين يديك، فأنت بإرادتك وغايتك أكثر قوة وصلابة من القوة التي تفتقدها ويملكها غيرك، وأثقل كرمتك بالعناقيد المتدلية على ملمح عينيك، ففيها ذائقة الإعجاز التي تتفردها، واقنع عن العناقيد النضيجة؛ إذ لا قيمة لها، فأصحابها لا يدركون نضجها وجمال مذاقها، وأفعم جرتك بالعسل، وانس النحلة التي ما زلت تتذكر أنها قرصتك، وتنسى أو تتناسى أنك قتلتها.
76
خمر الحديث بعد اندغام الظلمة في النور، وحرارة الرضاب المتدفق كشعر مجعد، والكوكب المتلبس بجمال البرفير، حكاية السهم في قلب الوتر، وجفول الجامح على رمس الذكرى، وشكوى الملهوف أمام بورتريه الشوق.
77
القلب العليل، في الصدر العليل، يظل يماطل الداء، والداء يماطله.
78
سلوا عن المرأة التي تعفر عقلها تحت حذائها، ففي أذنيها أقراط العمالقة، وفي قدميها خلخال الدين.
79
يحمل كل رجل بداخله أنثى، فإذا ما حملها بعد ذلك على كاهله، أوجد للرجولة معنى مركبا، ولا تستقيم قوامة الرجل، إن لم يكن حاملا للأنثى ظاهرا وباطنا.
80
قد يوجد الحنظل في النور، وقد يوجد العسل في الظلام، ولكنك لا تستطيع أن تغتر بأحدهما، ما لم تشكك حاجتك إليك.
81
أسقط القيمة عن كل ما يتملكك، واسع في صنع قيمتك، تكن حرا، ويكن لك الآخرون عبيدا.
82
إذا كان في مقدور الخطأ الواحد تدمير الإنسان، فكيف يقال للإنسان، أن يجرب كل شيء حتى يتعلم؟
83
إن العبارات التي نكتبها، لا تعني بالنص ما تعنيه اللغة؛ ذلك أن اللغة لا تقول، إنما نقول بها.
84
ليكن هناك نور، كيما نرى الظلام الذي بداخلنا.
85
لا أظن أن هنالك أخوة فيما بيننا، كل ما في الأمر أننا معارف، اللهم إلا الملق والمجاملات اللفظية أو الحرفية، التي تشعرنا بخلاف ما عليه الحقيقة المرة.
86
آه ما أبعد الصباح عن هذا العالم! كأنه ملاءة بيضاء غير ذات معنى، شدت أطرافها على هذا الكوكب.
87
من يقدر على كسر القالب، يقدر على صنع الكعك للآلهة.
88
صوت فيروز في الصباح، صوت من أصوات الصباح، يفلق الفجر الغافي، ويرمم وجه الشمس المتبلد.
89
ليست الجيوب الفارغة، بل العقول الفارغة، من تعيق تقدم الإنسان.
90
الشخص الذي لا يعرف ما يريد، قد يعادي الكل، فيصبح العداء عمليا كل ما يريد.
91
تغدو في بحرك وأنت في شاطئك، ثم تتهم الماء، والماء بلا ذاكرة، فيعترف بالجهل الذي يعلم، أو تتهم الرمال الجامدة عند هجوع الريح، أو السحابة المارة فوق بصرك، دونما إجابة سوى العجز عن الجواب، ثم تلعن اليوم الذي أتيت فيه، والساعة التي فكرت فيها، وترتمي كالمجنون على حافة الرصيف، تهوي إلى ما دونه تارة وتعاود توازنك تارة أخرى، وفي ملامحك غبار البشرية، ومعاد الأبدية، التي أتيت على ظهرها، وعدت تحت قدميها.
92
إن المرء كلما كان معجبا بنفسه، شق عليه تبين حقيقتها.
93
ما من كتاب إلا وكان متخصصا بشكل أو بآخر، إلا القرآن، فكلي التخصص.
94
يعيش اليمني حالة مشاعرية بائسة، إذا كان داخل الوطن عاش خارجه، وإذا كان خارج الوطن عاش داخله.
95
الرغبة في التغلب على الآخر، قد تعني أنك لم تتغلب على ذاتك بعد.
96
الشخص الذي لا يقدر على بناء رؤيته المستقلة من عجين يده، يملك أكثر من ضمير وأكثر من رأي وأكثر من منطق، وبالإزاء أكثر من تبرير، مما يصعب عليك الاتفاق معه لأكثر من يوم كحد أعلى، كما تجد عسرا في محاولة مساعدتك إياه بغية بناء رؤيته، فهو يستمرئ نقضها؛ كي يشعر بأن له كيانا، فالصراع الداخلي والتأرجح بين الطمأنينة والريبة، يدفعانه للقلق من أي رؤية واحدة ومستمرة لأكثر من يوم.
97
يتساوى العثار بالنجاح إذا ما كانت الأرض التي أنجبتهما واحدة؛ ذلك أن الأوحال خليط طين وماء، ولا قيمة لأي منهما حال اختلاطهما، ما لم يجر الماء إلى النهر وحيدا، وتتماسك ذرات الطين ببعضها أسفل الوادي.
98
الإلحاد بالذات وتكريسها في قالب المجتمع، يعدم الفرق بينه وبين الإلحاد بالله؛ ذلك أن الحرية قلب الإيمان، ولا إيمان لمن لا قلب له.
99
كيف للمرء أن يفكر دون مفاهيم مسبقة؟
نحن ...
1
الكلمة التي تهز الضوء، يتم إسقاطها في الظلام.
2
يعد ذلك انقلابا صريحا على الحديقة، كل من يسمى على الورد ملكا، خارج إطار الدستور وتقاليد الورد.
3
من القوانين الثابتة التي لا تتغير، أن كل احتلال يولد نقيضه، يولد مقاومة لا بد لها أن تنتصر، ولو بعد ألف عام.
4
يعلم الأب الصالح ابنه: بأن عليه العيش كإنسان مستقل، يتوصل مع من حوله إلى العيش دون أب.
5
المثقف الحقيقي لا يقول ولا يصمت، أما المثقف المزيف فيقول ويصمت.
6
إن مدرسة السياسة الحقيقية، ليست الجامعة، وإنما الدولة.
7
الأمنية العاقر، لا تبكي على جنينها الذي لم يأت، إنما تبكي على ذاتها التي لم تنجب.
8
مستعبدون بالخوف، نبحث عن الأمل كي يحررنا، مرابطون في معسكرات الصبر.
9
ولأن قلوبنا نائمة، استيقظ اللسان في أفواهنا، بيد أن الشفاه، بندف الثلج مختومة.
10
علمتنا التكنولوجيا، ألا نتعلم كل شيء، فهي تنوب عنا فيما نجهل.
11
تتوجع البراعم عندما تتفتح، وتستريح عندما تشيخ على حضن غصن.
12
وإن الجبان ما كان جبانا، لو لم يقرضه الشجاع من مخاوفه، وإن الأمنية العاقر تلد بعد لأي؛ العملاق الذي اقترض قامة القزم.
13
إن الاهتداء برب سياسي، لا يعني صدق الإيمان به، وإنما يعني أن المصلحة اقتضت الاهتداء بذلك الرب.
14
إن الذين يكبرون بالزهر وبماء الورد لن يسعهم التمرد على النسيم وعطر الأرض.
15
عجز اليقين أن يثبت نفسه، فكان الظن أقوى للتحقق، وأكثر إيمانا بالإنسان.
16
صحوت أنا وأخي ذات يوم، فوجدنا أعناقنا قد شدت إلى حبل مشنقة. لم نتفاجأ حقيقة، وكأن شعاع تشف قد أبرق في أعماقنا، وكان بإمكاننا فك تلك الحبال الغليظة، والعيش سوية بسلام، لكننا أبينا إلا أن يحكم كل واحد منا على الآخر بالإعدام.
17
المجتمعات التي يتعهر فيها الفكر، يجعل منها الفكر عاهرة.
18
من كثر اغتراره بالصدق، أباح لنفسه الكذب؛ لفرط ظنه أن شخصه لا يكذب.
19
لقد أضحت كلماتنا رمما، وليالينا غثيانا، لطالما تقيأت الأيام، ونحن الرميم في حالة المخاض.
20
متى يفض الخاتم الذي على أفواهنا، ومن ذا الذي سيرمم فينا ما أتلفه الناس في أنفسنا؟
21
الطريق التي ليس فيها زاد، لن يكفي زاد سالكها عبورها.
22
إن أحق الناس بالشفقة، طالب علم، كل القادرين على نفعه جهال.
23
من قرأ ولو القليل من الأدب الصهيوني، لوجد أن الفرق بات معدوما بينه وبين الأدب العربي المعاصر، ففي كليهما تحريض وتجيير وعنصرية ومقت.
24
من علامات الحداثة: أن يعوي الإنسان في منتصف الليل، وتهجع الكلاب عن العواء.
25
لا نهاية يمكن لنا أن نقف عندها، فكل نهاية بداية لما بعدها.
26
وحدهم الأغبياء من يفهمون السقوط في الطريق، سقوطا للطريق، فلا يغيرون طريقهم أبدا، وحين يموتون، يموتون دونما خجل من الحياة.
27
لا شيء يغري المكدود مثل الفشل.
28
إن أول من قال بالعذر: نذل، وإن أول من وقف حال عجزه عن الوقوف: بطل.
29
المترسمون برسوم العلماء في أمتنا، أو العلماء والدعاة أنفسهم، يفتقرون وبشكل فاقع، إلى العلوم العقلية والاجتماعية والإنسانية في المجموع، كالفلسفة والمنطق والقانون والسياسة ... إلى غير ذلك، فتجدهم يعاندون ما سوى الدين بجلافة، وينطقون بما لا يوائم الدين بجهل، وفي أفواههم عبارة سمجة: «ألا إن كل هذا الصوف في جوف الفرا.»
30
اغفر لنا عجزنا أيها الضعف الشامت، اغفر لهذا الألم الذي يمزق نياط القلوب، ويلفظ الكبد فلذة فلذة.
31
نحن معشر المغتربين داخل الوطن وخارجه، على ملامحنا سمات المنبوذين، وفي نظراتنا تهمة الإنسانية، نتخبط في طريق الحياة المؤدية إلى الموت، كما لو أننا لم نخلق للحياة، فلا نجده بنا رحيما، ما لم يفض صدورنا بسكاكين الكد، والأحزان الثقال، هذا حالنا مع آخر ما ينشد، فكيف يا ترى حالنا إذا ما نشدنا الحياة؟
32
يقتل الطغاة على أيدي بسطاء مغمورين، لا يكاد الناس يعرفونهم، كما لو كان في طيات ذلك دعوة للتواضع.
33
يقف أطفال اليمن المدماة وجوههم، الخاوية بطونهم، الرثة ثيابهم، وينظرون إلى هذا العالم الوضيع، بعيون ساخطة دامعة، ويهتفون: لماذا ...؟
34
إن البطولة الفارغة؛ تمضي نحو الداخل.
35
ربما! إننا لن نفلح وإلى الأبد، في معرفة ما هي الفتنة.
36
تعدو الفيلة ذات الأنياب العاجية، عند مطاردتها إلى أقرب شجرة غليظة، فتكسر فيها أنيابها، وذلك في سبيل حفاظها على حريتها دون الأسر، بينما عبيد الآدمية المايزون بالعقل، يلهثون خلف عاج القوة والنفوذ، ويناصرون العابث والوغد، ويركبون كل مركب، كما يركبون الموجة المتخمة بالزبد.
37
ردة الفعل؛ ليست الفعل، إنما هي خليط من حماقة الكافر، وحماسة المؤمن.
38
لماذا تسارع النعجة في مناصرة أحد الذئبين حين اصطراعهما؟ أليس الأولى بها أن تهجم مع القطيع الذي تنتمي إليه على كلا الذئبين، بحيث تؤمن على صغارها ومرعاها مستقبلا، دون أن تخاف من مصارعة أي ذئب بعد ذلك؟
39
يجب ألا تمشي الكلمة إلا وصاحبها معها، لا أن يمشي ويتركها وحيدة تبحث عن مفعولها .
40
الشك فضيلة باذخة، ورأس مال العقل الإنساني.
41
لا شيء مثل القوة تبطش بذاتها.
42
الأفكار أقوى من الظروف، والكفاءة الشخصية أجل من الإمكانيات، وبين ذلك الضراعة والسعي.
43
وحدهم الأموات من يراكمون المصيبة؛ إذ لا يكتفون بمصيبة مواتهم، كذلك هم العرب.
44
أزعم جادا أن لو قرأتم عشرين مجلدا عن تاريخ الإسلام، لما فهمتم شيئا عن الإرهاب بالمعنى المطلق لهذا المصطلح الحداثي، وبالمقابل لو قرأتم خمسين صفحة عن الإرهاب بالمعنى المطلق، الذي لا معنى له، لأدركتم وضعنا العربي بصورة أفضل.
45
إذا استطعنا يوما أن ندرك الله بعقولنا، فهذا يعني أن الذي أدركناه ليس الله.
46
لم يتبق منا سوى كلمات غامضة، ترتعش بها شفاهنا، وتدمى بها جراحنا، علنا نؤكد فيها ومن خلالها إنسانيتنا.
47
نحن العبيد الآبقون في عالم الحرية، والصعاليك المغلوبون في وحدة الوجود العبثية، تروعنا مظاهر الحياة الفارهة، وفي بطنها رفاتنا، رفات من يغالي نفسه كما تغالي العذراء في بكارتها، خشية انطواء بساط، أو انطفاء شمس.
48
نستمطر الطريق اللاحبة من أعماقنا المبللة بالعجز والخجل، ونستنطق ألسنتنا المقيدة في زنزانة أفواهنا، ثم نمضي بتقلع، كمن يشتد به الحبل إلى سارية مسجد أو نخلة فارعة، حتى إذا حفت بنا مكاره الطريق تأملنا منافذها، وإذا غلقت خضنا في معركة المعنى كي لا نكع، أو ننساق في رحابة الفخوذ المطرزة بالشهوة، عن المعنى المتحيز للأثر.
49
إن أجمل ما في الجنون، عدم وجود الألم، مقارنة بالعقل الذي يكتوي بجنون الألم.
50
تطبيق القانون بشكل مطلق على كل نواحي الحياة، يعزز في الإنسان نسبية القصور لاستغلال المطلق.
51
أجمل قيم الحب؛ ليس الحق، إنما العاطفة.
52
إن إقرار العلم بعظمة الكون، دليل على أن العلم لم يجد نفسه إلا في عظمة غيره.
53
من يفتح مصحة عقلية للعالم، كي يدرك أن التمنطق بالقوة بحاجة إلى علاج.
54
التخصص طعنة نجلاء في نخاع الخيال، إذ يفرض القواعد التي لا تهديك إلى سواها، وفي سواها الخيال الذي أحدثها.
55
تبحث المرأة عن البطولة، فلا تجد للبطولة من طريق ما لم تستحل إلى رجل، وحين تبحث عن النصر تسترد إليها أنوثتها، كما لو كانت هي الطرف الأضعف، الذي يجب أن يقف معه الجميع، كيما ينتصر على القوة «الغاشمة».
56
في العصر العباسي؛ تخلفت الحرة وتقدمت الجارية، ثم حملت الحرة جريرة الجارية، ولا يزال أثر ذلك إلى يوم الناس هذا.
57
ما أجمل تاريخنا! وما أعظمه للذين لم يقرءوه! ما أقبحه وأكثر دسائسه وسيلان دمه، للذين قرءوه!
58
المغامرة في المجهول، ميراث الإنسان الذي لا يورث.
59
تخيلوا:
احذفوا كل أولئك المفكرين من الوجود، وكل أولئك العباقرة، ثم انظروا للعالم، ما عساه يكون بدونهم؟
ثم احذفوا دعاة التسطيح، وسلفية القصور، وصوفية المقابر، وانظروا للعالم، ما عساه يكون بزوالهم؟
60
في معركة صفين، رفعت المصاحف على الرماح، ولم يجد الطرفان بدا سوى التوسل بالنصوص، من الزاوية التي يراها كل طرف منهم، فكيف يقال اليوم وكل يوم، علينا بالعودة للكتاب والسنة، إذا ما أردنا أن يصلح حالنا؟
61
وحدها التفاحة الناضجة من تسقط.
62
كيف لكف صغيرة أن تنزح ماء البحر، عن كوة استلبتها رياح الوعي، عن البقاء مع الملح.
63
حين تكون العبودية هي الكسب الوحيد، لا يكون القيد قيدا.
64
لقد انقلب الكثير من اليمنيين على الدين، بسبب انقلاب الحوثيين على دنياهم.
65
إذا ما كانت النار امرأة، فما أجمل شهيقها وزفيرها!
66
لعل ما يؤكد أننا مصابون بالجنون، رؤية الظالم والمظلوم في آن؛ لعدالة قضيتهم.
67
حين يستحيل الجهل إلى رغبة مجموعية، نشعر بجمال الرأي وضياء المسرح، ممثلون نحن، وممثل بنا في الوقت ذاته، والمبكي أن لكل واحد منا تخوفاته، ونزعة تقهقر ضاحكة في الركود، كلما أراد الترميم خشي الكلفة، وكلما ثوى تحسس الضعف الراكب على خوذة رأسه.
68
قد يسن للعاشق، أن ينحر بدن الحب، كأضحية بلا ثواب، على خشبة الشهوة، أو مسرح العذاب.
69
متى سمع الناس حجة لعاشق؟
70
عجبت لمن لا يريد أن يرى طريقا أخرى للوصول إلى الحق، إلا طريق الفشل التي جربها.
71
من يجهل أقدار النبلاء، لن يعرف مواطئ السفهاء.
72
في يوم عاشوراء:
ندم المنتصرون، وانتصر المنهزمون.
73
من شق عصا الطاعة.
لماذا سموها عصا؟
74
بعض الناس يحبك ليتزين بك، تماما كحال الأهل والأقرباء، في المجتمعات القبلية.
75
ما أحوج الإسلام للتخلي عنا، بعد أن دخلناه كذريعة للخروج منه!
76
يجب القول إن الذين قاموا بثورة 26 سبتمبر حسينيون، وأن الذين لا يزالون يقاومون زينبيون، وأن الإمامة وأحفادها الحوثيين والعفاشيين، يزيديون.
77
على أفواه السكك وأبواب المساجد، نبحث عن النصر، والهزيمة في داخلنا.
78
كلما شاب الزمان، زادت السبتمبرية شبابا، إذ في رواقها الممتد؛ مدد العدالة الألق، الذي ينزع الملك من الملك، أو ينزع الملك من الملك.
79
الأذى يشعرنا بالغربة، بالخيبات، بالألم، ولكنه وحده القادر على أن يجعلنا خلقا آخر.
80
يبرز أحد أقزامهم وكلهم أقزام، ليقول: عليك بظل ناقتي أيها الشعب، وظل ناقتي عليك كثير.
81
تشبع الكلمات في الألم، وتجوع وتعرى في السعادة.
82
النموذج الملوث، يجب أن يغير، لا أن يفسر، ومن ذلك وضع العادات والتقاليد البالية، تحت قدمي هاتين.
83
من عابه عمله، وتعثرت به قدمه في مواطن الإنجاز، انتسب، وتكبر، وتفاخر بجده الميت.
84
سيموت أناس كثر خائنون لمبادئهم، لا يمدحون أنفسهم، إلا بذم غيرهم.
85
وحدهم الأغبياء لا يدفعون ثمن غبائهم، بينما الأذكياء يدفعون الأثمان غاليا.
86
درس الحب الأول والوحيد:
إن الذين يحبون لا يفترون.
87
لا تكون الجنة جنة؛ إلا بمن يجتن فيها، وإن كانت جنة بالنسبة للناظرين إليها.
88
الكوكب الأكثر بعدا منا في النظام الشمسي، يقع على بعد أكثر من 287 مليون إنسانية، وقليل كرامة.
89
يقولون بأنهم رجال عظماء، وأنا مستعد لإقناع نفسي؛ كي أعترف بذلك، ولكن أن يقال بأنهم رجال يعرفون الله ويتقونه، فهذا ما لا أصادق عليه، ولتنظروا إلى مواقفهم، وإلى واقعنا.
90
النار هناك لم تحرق، والسكين هنا لم يقطع، وإبراهيم [الشعب]، لا يزال يبحث عن ربه.
91
في اللحظة التي تنفرد فيها الخلية بالتصرف، وذلك من خلال انتقالها إلى مواطن الخلايا الأخرى، وأكل حقوقهن وما تحت تصرفهن، يكون السرطان.
92
لا عدل إلا بين أولئك الذين ينتمون إلى ذات الطبقة الأرستقراطية الواحدة.
93
قد يتصرف الإنسان كخنزير، ثم لا يتحرج من أن يلقي اللوم على الآخرين.
94
حين ننسى الحب، نذكر الكرامة.
95
القول في الناس، وتتبع أخبارهم، محاسنها ومقابحها، من شيات وعلامات الفارغين.
96
العبثية العاقلة، دافع رئيس لتجديد روح الواقع، وتنقية الوجود من التنميط.
97
إن كل عملية تستغرق وقتا كافيا للتحول، دون أن تدرك نفسها فيك، ودون أن تدرك نفسك فيها، فهي عملية لا تناسبك، ولا تناسبها.
98
أنزل من السماء ماء فسالت أودية .
لم يقل فسالت الجبال، ولا الآكام، إنما قال أودية؛ وذلك لأن غيث الله وخيراته أيا تكن، لا تتنزل على الرءوس المتشامخة.
99
كيف نحول الكتابة إلى خمرة نشربها، دون أن نكتب؟
100
الغرور الساذج يتولد، وكذلك يختفي، تحت وقع تغيير فجائي.
101
أخطر ما في اللغة كلمة: «كيف»، وأخطر منها، كلمة: «لماذا».
102
الخيال كون آخر، مواز للكون، يجلس على عرشه الفلاسفة.
103
النحافة والشحوب والاصفرار لدى بعض الشعوب الفقيرة، ليست مقبولة، ولكن الذي أدى بهم إلى حالتهم تلك؛ أي الفقر، مقبول ومقبول جدا.
104
الديانات المؤسساتية ليست جديرة بالمحافظة على الحق، فضلا عن أن تكون جديرة على الديانات ذاتها، ذلك أن الله ليس في وارد أحكامها وفتاويها، بعد أن اتخذت ربا سياسيا من دون الله.
105
الجنة لن تخلق على الأرض، ذلك أن البشر يعرفون كيف يخلقون الجحيم.
106
عن ذلك الإنسان المقهور:
كيف يعيش في الظلام، من يبحث عن حاجته في النور؟
107
لا يخجل الناس من أن يختلفوا، حتى في شأن الموت.
108
يعبر الحب الأول عن تعرية فاضحة للوعي، وكأنما يريد أن يقول: ليس بالوعي وحده ندرك الحياة.
109
بم نحيط عما يضيق عن الوصف؟ وكيف لنا أن نبلغ لبه، ونحن أشبه بنبتة على خصر جبل، أو كدودة عارية لم تقو بعد على استلاب لباسها؟
110
أليس من المؤسف أن يعترف المرء، أن العيد مجرد شعيرة دينية، ليس له علاقة بالواقع؟
111
الإلحاد بالذات وتكريسها في قالب المجتمع، يعدم الفرق بينه وبين الإلحاد بالله؛ ذلك أن الحرية قلب الإيمان، ولا إيمان لمن لا قلب له.
112
ستبقى الجماهير قصة طريفة في دماء السياسة، كقصة الصراط المستقيم عند كثيفي اللحى، الذي لا يعرف الاستقامة.
113
إن الذين يقومون بقتل الشمس، بسهم ليلي عند كل مغيب، ساهموا بقتل مشاعري، بسهم من الشمس قبل مغيبها.
114
تستحيل المرأة إلى قطعة من البلور عديمة الشكل، تمحى فيها كل الألوان، حين تفهم عن قصد، كل ما تفهم.
115
اركبوا قشة التبلد عند كل عجيبة في القهر، ولا تركنوا للبطولة التي تسوقكم للبحر.
116
مسكينة تلك الورقة، يكسوها الحبر، وتعريها الممحاة.
117
تضج الوديان لصدى أصواتكم، ولكنها ليست أصواتكم، كالصوت الصادر عن الوتر، ولكن الوتر ليس الصوت، أو كالجمال الذي في الوردة، ولكن الوردة ليست الجمال.
118
وحدها المطارات تعرف وجهتنا، بينما نتخبط فيما دونها من حياة.
119
أن نحول الجامد إلى متغير، والكائن إلى ما نريد، سنضيع رفيقا، وسنوجد نبيا.
120
حين تغدو الأماكن غير صالحة للعيش، نجد في الكتابة مكانا صالحا للحياة.
121
في تعريف المأساة:
ألا يشعر المرء أنه في وطن، حتى في وطنه.
122
كمغتربين عن أوطاننا، وكطامحين في تطلعاتنا:
سعيدون بفكرة التعاسة، وبمساكنة الكآبة، وفي نعاسنا الأحلام التي لا تحبل.
123
يتمسك التقليدي بأهداب الفضيلة داخل إطار محدد، وهو إطار القبيلة، أو الأسرة، أو المجتمع المصغر، كأن يكون قرية أو حارة في مدينة، ولكنه سرعان ما يتفلت عن تلكم الفضائل إذا ما صار إلى إطار آخر، حيث تزول الكلفة التي كان يتعامل بها، وتبقى حقيقة الذات، التي يجهلها.
124
لماذا تقف الهاشمية عند فرع انتسابها لآل البيت، دون إكمال قراءة شجرة انتسابها إلى آدم؛ كي تفهم أننا من آل آدم كلنا؟
125
يمثل وصولنا إلى النضج النفسي صعوبة كبرى، بإزاء النضج العقلي، إذ أجد في الأخير يسرا عند المقارنة، فالثورة الغرزية في أشكالها المختلفة المطلقة، والتي تطالبنا بالإشباع على نحو دائم، مناطة بالنفس وأعماقها وحاجتها الملحة والعاجلة، ومدى سموها في الآن ذاته عن تلكم الحاجات، والسمو لا يتأتى إلا من خلال بوابة النضج، ولا نضج للنفس، وإن استقطر العقل عصير المعرفة، حتى يجد المرء خطواته في مسارها دونما رجوع، فإن عادت به خطوته للوراء عند كل خطوة يخطوها للأمام، على الرغم من شدة قلقه المعرفي حيال ما يحدث له من انتكاس، فلا يزال يكابد مرارة النفس وتشوفاتها، في خضم جحيم من الصراع الحارق، يتطلب منه الكثير من التجارب الإيمانية، والخبرات الإنسانية، كيما يصل إلى ذلك النضج القدسي.
126
من ثدي العقل يصنع حليب الخيال، فيخترق الإنسان جنبات الكون، ومن قعر بحر اللذة تقذف رسائل الغباء، فتعجز عن الوصول إلى الشاطئ.
127
العلمانيون مصابون باضطراب نفسي، إذ يفسرون كل شيء يندر عن الإسلاميين تفسيرا جنسيا.
128
ويلهم من التاريخ، الذين نصرهم إلى زوال، وأمجادهم بغير مجد!
129
إذا كان الصراع هو الحل، لحل الصراع، فما الحل؟
130
الصدفة حجة الحيارى، والعمل والمثابرة برهان الصدق والنضج معا، واعتمال الفكر في الوسائل، أجل من اختيار الغاية وترك الوسيلة، أو اختيار الوسيلة القاتلة للغاية المختارة، فاختلاف الناس في المسائل، واشتباكهم لاختلاف نجاعتها، أما الغايات فملاحظة خطت بقلم الزمان على صدر جبل، لا يجهل قراءتها سوى اثنين: (1)
متكبر، أبى إلا أن يقف على رأس ذلك الجبل؛ كي لا يرى ما خط على صدره. (2)
قزم، اندس في وطأة الأرض، فلم يستطع رؤية الجبل، فضلا عن أن يرى ما خط عليه.
131
عجيبة هي اليمن: جائعة، وعارية، ومريضة، وباردة، وفقيرة، وتائهة، إلا أنها وعلى نحو دائم تتحدى بالحلم، وتنطق بالحكمة، وتقاوم بالإيمان.
132
الإنسان حيوان اقتصادي.
الإنسان حيوان مصنع.
الإنسان حيوان اجتماعي.
الإنسان حيوان مستهلك.
الإنسان حيوان عربي.
الإنسان حيوان ... إلخ.
لا شك أن الحيوان المصنع أكثر إنسانية.
إصرار غريب على حيوانية الإنسان، هذه الحيوانية المستقاة من النظرية الداروينية، أحالت واقعنا حيوانيا بامتياز، حتى أصبح القتل والسلخ مجرد ترف، أما القرآن فقد أماز الإنسان أيما ميز، ولكننا نؤمن بالقرآن، ونطبق نظرية داروين حيال الإنسان.
133
كانت قريش متدينة قبل محمد
صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يلقبون بالحمس؛ أي المتشددين في الدين، فما ميزة المتسربل في ثوب أبيض إن لم يتقدم عن قريش بخطوة على أقل تقدير، مفادها الفكر وتوسيع مدارك الوعي الإنساني، والاحتياط من الاختباط، ثم الوقوع في إيمان قريش وكفرها، فعجزنا البادي ليس مناطه قلة المصلين، أو كثرة الذنوب، كما يحلو للجامدين الترداد، وهذا ليس منافاة للنقص الذي يعترينا ، أو التقليل من عقابيل الذنوب، إنما المراد الإمساك على الجراح النازفة، وتطييب قروحها، تلك الجراح التي لا يلتفت إليها رغم عوارها الواضح، وانتفاجها الفاضح. وفي ظني أن المعركة التي يجب أن ننصر الله فيها كي ينصرنا، لم تقم على هذا التنميط المخل، وهذه السكونية الباردة، بل إن قوامها، وممسك زمامها، المنهج القويم والمسار الجميل، الذي سار على خطه حبيب الحق وسيد الخلق، ذلك المسار الباذخ غير المنقوص، وغير المقتضب، وغير الحصري، وغير الجمودي، فبالسعي يعذر المقبل وإن قصر نتيجة نقصه، وبالركود نجد القبح مستفزا في القصور والميول عن المسار.
134
إذا ما أردنا تجفيف منابع التطرف، والأفكار العدوانية، والفئويات المتشنجة، فلا أنجع من خدمة الناس، وتلمس احتياجاتهم، وسد فجوة حياتهم.
135
يعتقد بعض أولئك الطقوسيين، أن ملازمة المحراب، وجر أذيال السبحة وراءهم، يعذرهم عن مسئولية التفكير، فضلا عن عدم إدراكهم لمعنى التكامل والنضوج الشخصي، الذي لا يمكن أن يقتصر على معنى التدين.
136
لماذا يعيش العباقرة وحدهم، وإذا ما قضوا سار الجميع في جنائزهم، واستظلوا بعد ذلك في ظلال تاريخهم الوارف؟
لماذا يكره المبدعون الناس، وطرق الناس، ونظرة الناس، هل لأن الناس فراخ، لا يضعون بيوضهم إلا تحت حجرة العادات والتقاليد، أم أنها الفوارق المتباينة بين السقف والقاع؟
أروني فرخة واحدة - منهم - لا تبيض في الظلام، ولها الحديقة والكرس.
137
حين يضيع الإنسان تضيع الأديان، حيث لا قيمة وقتئذ للبكائيات الدينية، أو التهويل من تركها.
138
يعيش العربي باحثا عن الحرية، حتى إذا ما وجدها، قايض ما بينها وبين آخرته، كما لو أن الحرية نقيض اليوم الآخر، بينما الأمانة (الحرية) وهو القول الراجح، التي احتملها، وناءت عن حملها الجبال تنشده، وأفواه المعذبين المكممة تطلبه بأن ينهس، وأسماعهم في سكون علها تسمع صدى الحقيقة ينطلق من فيه، أما البعض الآخر منهم، فيستحيل إلى «طرطور-ورشة» لا يعلم من أمور أمته شيئا.
139
المجرمون مجربون، والخطر لا يهيمن أبدا بدون خطر، كما أن لا معنى للاستمرار، إلا أننا لذلك نستمر.
140
إنها لخطة بلهاء، تلك التي يتتابع عليها الأفراد والجماعات على ذات مسار، ولا أبله من مشايخ ودعاة، حفظوا كتاب الله، ومنهم من حفظ معه الأمهات الست، ولكنهم لم يحفظوا لهذه الأمة كلمة شرف، أو وجودا إصلاحيا باذخا، ولنسأل سوية، هل تسمعونهم؟ هل ترونهم؟ باستثناء تلكم البرامج التي يتقاضون من ورائها الذهب، دون أن يتغير الحال، أو يحمد المآل، بمعنى آخر: ما الفرق بين وجودهم وعدم وجودهم؟
141
من أقدار الله، أن الكاتب داخل أقدار السلطة، ومن أقدار السلطة أن تمنع وأن تبطش بشخص الكاتب، ولكنها لا تقدر على منع الناس من القراءة له، وما بين هذين القدرين يقف القلم على ناصية الثقافة عاريا، ينشد صاحبه كي لا تستزل به قدمه في محطة الرغيف، وألا يتقوس ظهره كلما هم بالتقاط اللقمة، وفي ختام نقاش الأضداد، يقف كل واحد منهما في مبعدة عن الآخر، لا ندري أيهما أولا سيرتدي قميص العفة، فللكاتب عورة عند ذاته، كما أن للقلم عورة عند غيره.
142
يحدث في الحرب، أن تخلق السياسة ساحة ما، كسجن أو مدينة، لغايات متوحشة أقلها الموت، وذلك لإشباع غرور الظلمة، كما لو كانت ترضية عادلة بين فقراء الإنسانية، وعبيد العبيد.
143
تسقط المبادئ حين تسقط الإنسانية، فالإنسانية أسمى، وهي بمثابة الدالة على صحة المبدأ من عدمه.
144
أرباب القتل، ومفجرو الدم، أولئك عشاق المعبد، لا تجد فيهم من لا يقدر على بعج البطون، أو طحن الأشلاء، رغم صلاتهم وحرارة دموعهم، وتنهداتهم الرتيبة البلهاء.
145
يفجرون بيوت الأبطال، ليبنوا لأصحابها مجدا، يا لغبائهم!
146
إذا ما كان العذاب المصدر الوحيد للإدراك، فلندرك.
147
إن محاربة السكونيات بالتحركات البلهاء، وادعاء الفرادة، كنبتة ترفض ملاحقة جذورها: منطق وفكر، كل أولئك الذين ذبحوا صغارنا مذ فجر التاريخ إلى يوم الناس هذا.
148
فلترتد أقدام أيامنا الزجاج، ولتكن لأقدامنا حذاء من فولاذ.
149
قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ، قدمت الاستعاذة واشترطت التقوى؛ لأنه لا قيمة للاستعاذة عند من لا تقوى له.
150
إن تحطيم قوالب الرؤية والفكر، التي تكرثنا بها وسائل الإعلام من ناحية، وانعدام وجود حق الشعوب في معرفة المعرفة من ناحية أخرى، لمن واجب المثقف المستقل، الذي يسعى في محاربة التبسيط والتسطيح، وفي مصارعة الأحزاب والفئويات اللحجة الضيقة، إذ لا يمكن أن نجد مثقفا حقيقا بهذا اللقب بغير هذا المسار، ما لم يساو بياع المسابح في الطرقات، أو المهرج على ظهر جمل.
151
يا إنسان الإيمان، كيف يستقيم إيمانك بالله وكفرانك بالإنسانية، إن كنت تبحث عن الله، فكن إلى جوار أضلع المظلومين المكسورة، وانظر بدموعك إلى عيون الأطفال الذين ماتوا فاتحي عيونهم، حتى إن دموعهم لم تسعفهم، كما لم يسعفهم إيمان العرب بالله، ولا إيمان الغرب بعذابات المسيح.
152
إن غياب الإله عن الفكر والروح معا، ينجب فكرة الكاهن، فيكون لحضوره القدر البالغ الذي يضاهي أو يزيد عن حضور الإله، فيباركه الناس، ويتخذون منه قدسية صاخبة، فيباركها بالإزاء ويغسلها بما أراد، بالزيت أو الدم، الأمر سيان، وحقيقة الحقيقة أن تلكم القدسية مسيسة، يقوم على استغلالها لغرض القوة والهيمنة، وكما أن الإله غائب عند مريديه، فتغيبه عند ذلكم الكاهن أولى.
153
كان محمد عليه الصلاة والسلام وحيدا، وكانت بالإزاء قريش، وكان معاوية داهية، إلا أنه نال لقب رأس الفئة الباغية، وبالإزاء كان علي أكثر منه دهاء وأكثر تقى، ومع ذلك قتل في محرابه، وعاش معاوية من بعد سنين طوالا، فلا معيار للكثرة؛ إذ إنها ما ذكرت في القرآن إلا ذمت، ولا معيار للذكاء إذا ما كان في الباطل، وإنما المحز الذي يجب أن نضع عليه سكين الوعي، هو محز الحقيقة والحقيقة فقط، وما دون ذلك ليس سوى رتوش تغري الجهلاء، ويستغلها الجبناء، وتنطلي على الدهماء.
154
لا تبحثوا عن أعدائكم طالما كان لكم أصدقاء، بل ابحثوا في أصدقائكم تجدوهم، وفي أقربائكم تشعرون بهم، ولتثقوا أن لا أعداء آخرين لكم.
155
صلاة الفجر بمثابة أمن قومي بالنسبة للفرد، إذا ما أقامها في الجماعة أقام أمنه الداخلي المتمثل في السلام والطمأنينة والتصالح مع الروح، وأقام بالإزاء أمنه الخارجي؛ المليء بالمكائد والمخاطر والصعاب.
156
يتساوى العثار بالنجاح إذا ما كانت الأرض التي أنجبتهما واحدة؛ ذلك أن الأوحال خليط طين وماء، ولا قيمة لأي منهما حال اختلاطهما، ما لم يجر الماء إلى النهر وحيدا، وتتماسك ذرات الطين ببعضها أسفل الوادي.
157
نحن أبناء الهدهد الذي لم يذبح، نرى الكثير يسجد لغير الله، يظلم ويضطهد عباد الله، يكفر بالإنسان من حيث هو، يدمر الأوطان ويمزق النسيج المجتمعي الواحد، وحين نبلغ رسالتنا بأقلامنا إلى سليمان الواقع، يقوم بذبحنا دائما.
158
إن الإحساس بالعدل لأكرم وأجل من ميزان العقل والتمايز به، فالأول هو المائز الأساس بين الإنسان والحيوان، أما الأخير فقد استخدم في تقويض العدل منذ فجر البشرية الأول، ولم يشارك في إقامة صرحه إلا سياسة، ولفترة مؤقتة - لحسابات - سرعان ما تتعرى خصوصيتها بظلم صارخ حيال ما رأيناه في يوم من الأيام عدلا، فشكل حيوانية مركبة على حيوانية الإنسان، وكان في نسج خيط الباطل أقرب منه إلى نسج خيط العدالة، كما لو كان هو الباطل والباطل فقط.
159
في فم يومنا هذا، كانت بلابل الأمل تحدونا بتنغيمها، وكان بنا الشجن إلى كل يوم مثله، حتى أتانا اليقين في صورة ثورة، فصرنا البلابل وصرنا الأمل، مؤمنون في الوقت عينه، بأن الفكرة الصلبة تولد في الهواء الطلق، بينما الفكرة المتعفنة لا تولد إلا في قصور الظلمة، والقلوب الخائفة، والعيون الوقحة.
160
إن الدولة التي غذت وأنضجت ثمرة الإرهاب، هي ذات الدولة التي أصابته بالتعفن.
161
خيوط خفيفة تربط القلوب ببعضها، وقيود ثقيلة تكبلها، وعيون جائعة تخلق الجمال، ونور يفتش في الظلام عن النور، ووجه كالذهب المحروق، يشاهد التبر المتشظي عنه.
162
الركاكة التي تدب في عظامنا، فنتعثر، ثم نسقط، هي كذلك اللسان الذي نحمله، ولا يحملنا عند بغيتنا لبصق الكلمة في وجه الظالم والغاشم، إذ تخلقنا في أرحام الأمهات قبل أن نخرج منها، مهشمي الروح، مطأطئي الرأس؛ لكون السلطة الأبوية أفزعتها حين كنا في أعماقها ساكنين، ولا عتب على أي من الأبوين؛ فقد استشربوا القمع قبلنا، وكانوا كالجدار لا أذن له ولا لسان، ثم توارثنا تلكم الضآلة كابرا عن كابر.
أما هؤلاء البشر، الذين لا نشبههم ولا يشبهوننا، فكأنما خلقوا بشكل آخر لا يمت لنا بصلة، صغيرهم وكبيرهم، أحرار، لا يعانون من فقدان الثقة ولا من رهبة المعتقل، ولا من استلاب الرزق؛ لأن لهم صرحا ممردا بالديمقراطية، وتربية موردة بالحرية.
فنرى العرابدة في شوارعهم إذا ما تحدثوا وجدنا الثقة تتطاير من بين جوانحهم، كأنها بساط، على أن ذلك السكير أو العربيد ليس له من الوعي الثقافي ما عند ذلك العربي، الذي يثغثغ ويحسب الحروف بالمسطرة خشية من الساطور.
163
إن الذين يجدون في الموت بهجة وسرورا، لا مصيبة كما وصفه الله في كتابه، أولئك حياتهم مصيبة، وموتهم بهجة وسرور.
164
أما بعد:
فبقدر ما يكون الطائر، يكون فيه الدم، وبقدر ما تصمت الشفاه، تثرثر الأصابع.
وفي الختام:
إن الإرهاب لا يولد، إنما يصير كذلك، وإن يد الفأس من تلكم الشجرة، ولكن هذا العالم، كالمحيط بلا ذاكرة، وكالتيس الذي أجر عقله لقرنيه.
والسلام.
165
كم تبدو الدول العربية واقعية بغير كلمة «لا إله إلا الله»؛ إذ إن نصاب الكفر وكل أصناف اللعنة ستكون بها كاملة، حينها سنتعايش بحقارة مطلقة، وبلا ألم.
166
أما إنني لا آسى على شيء من دنياكم هذه، ولكن آسى على ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وعلى أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية.
عبد الله بن عمر
بإمكان الكثير من العرابدة، أن «يتصرمحوا» في شوارع الشهوة ومكباتها، ويعبثوا بالكواعب والكاسات، فليس من شأنهم قيام الليل ودموعه السخينة، ولا صيام النهار وأيامه الصائفة، إلا أن في مقدورهم أن يقاتلوا فئة تعتاش من دمائهم وعليها، وأن يصنعوا للوعي فرجة يطل من خلالها وجه الحقيقة.
أصلحوا معاشر العرابدة ما لم يستطع ابن عمر إصلاحه، واتركوا قيام الليل وصيام النهار لمن أقدامهم ملساء كوعيهم، لا يستقيمون على صراط، حتى يعثروا؛ فقد يكون فضلكم أكبر، وقدركم عند الله أعظم، مع تنزيهنا لابن عمر من أن يكون منهم والترضي عليه، إلا أن الأتباع لجوا في عثارهم وتمادوا.
167
تسكن بين جنبات أرواحهم مدينة، ضحوا لأجلها أرواحهم، وأعادوا الدمعة التي انهمرت يوما إلى أحداقها، وبقيت دماؤهم كسواقي الماء في خنادقها، تخلق من ركامها حياة.
168
يحصرون حياتهم في فكرة، فإذا ما ذهبت فكرتهم، بقوا في مكانها بفعل العادة.
169
إن نمط الحياة السياسية في عالمنا العربي بشكل خاص، والعوالم الأخرى بشكل عام، لمثال ممتاز لما يجب ألا يكون عليه الإنسان.
170
رؤساء اللامعقول، لم تنتخبهم الشعوب، وإن اصطنعوا لها صناديق من ذهب، واكتتبوا عقار رئاستهم باسمها، إنما هناك فترات وحقب وحالات من المصالح السياسية الاستراتيجية، تدفع بواطن الدول إلى الضغط على منظومة القيم بل وتخترقها، حيث تجند وسائل إعلامها بعد ذلك على عقلنة ما يخالف أبجديات المنطق، ويعمل على تصلب درزات جماجم الشعوب.
171
إن أكبر لوحة متحف، هي تلك التي رسمها مجموعة من الحمقى على شكل وطن، ثم هرعوا يلطخون بزيتها حياة الشعب.
172
كلما اكتملت دورة الوعي المأخوذة من ثمار المعارف - إذ الوعي عاجز عن الاكتمال - بدا لذلكم الوعي أن لا شيء يمكن له أن يغريه، لا دولة عظمى، ولا فيلسوف كبير، ولا امرأة حسناء. لا شيء البتة، إلا أمر واحد، هو محاولة الخروج من ذلكم الوعي الدوري المتأتي من صبابة العلم المطلق، إلى السعي الدائم بغية اكتمال الوعي الذي لن يكتمل، إلا أنه يظل يسعى دون تململ، وفي كل وعي يجد لذة مفرطة تشده لما بعدها، هنا يكمن الإغراء الأكبر للأفذاذ من الناس على ندرتهم.
173
أن ندرك جهلنا، هو أن نمنح أنفسنا الوسيلة للتعلم والتخلص منه، فالوعي ابن الحرية.
174
الجهل في تعريفه ليس أكثر من احتشاد، من تطابق، من توافق، فيما كان عليه الكهنوت الديني أو السياسي، أما الوعي فزئبقي الملمس، لا يمكن تأطيره، أو اختطافه، أو حشده.
175
هل تعلمون كيف تنام الغيوم؟ أو كيف تستيقظ؟
سلوا المطر؛ فالابن سر أبيه، وسلوا المحن تحدثكم عن شذوذ العباقرة.
176
يضطر كليل البصر إلى كسر عكازته التي يتوكأ عليها، فيظنه الرعيان متهورا، بينما يفهم القطيع أنه لا يحتاج سوى نظارة.
177
يا بني، دعك من المثقفين الذين لم تصقلهم المعاناة ولم تربهم التجربة، فالكتب وحدها لا تصنع العظماء، ولا تنجب النبلاء.
يا بني، إن مثقفي وطنك يسكنون في ذواتهم التي استحالت في أعينهم إلى قديس، فيتحامون عن قديسهم بالسباب والقذع الممض الحارق، كما تتأكلهم الغيرة ويتعاورهم الحسد، ولا مجد في مساعيهم للمجموع إلا تحت ظلال مجدهم.
يا بني، لا يسعدني أن أقوم بتربيتك على شاكلة أحدهم؛ ففي كل واحد منهم غضاضة كبرى، لا يستطيع الالتفات إليها؛ إذ شغلته محاسن ما يقال عنه، وما يجد هو عن قديسه.
دعهم يا بني؛ فقلوبهم من عجين، وأدمغتهم من مخاط.
178
اغتالونا في عقولنا، كما لو كانت ميدانا للحرب، قبل أن يغتالوا عقولنا.
179
يا رب، هذه الأرض لم تعد قابلة للنهوض - أعني أرض حبيبي محمد
صلى الله عليه وسلم - فاجتثنا جميعا أرجوك؛ إذ لا سعة في أن نظل محقورين ومدفوعين بالأبواب من طغاة العالم «وطيبينا»؛ لأن الخسارة التالية التي نخشاها التفلت عن الدين. هل بقي لنا سواه؟ لا أوطان، لا ديانة حنيفية، لا معتصم، لا إنسان ... إلخ. وفي النهاية بأي طريقة نبحث عن الله، وجميع المنافذ إليه قد سدت؟
180
يرافق الإنسان توق لا ينضب حيال البحث عن الأجمل، إذ كلما آض إلى جميل، وجد أنه لم يصل النهاية بعد، وأن هناك ما هو أجمل.
181
جزء من مأساة الإنسان: أن في إمكانه الهبوط إلى مستوى البهيمة، كما في إمكانه الارتقاء إلى الصفيح الأعلى.
182
إن الأمنيات مرتبة خفيضة، في مراتب الوعي، لا ينتظرها إلا أولئك الذين لا يجدون ما يعملون.
183
الدعاة المتسارعون إلى المنابر، لتعريفنا ما نعرف، ما جدواهم؟
184
لا تزال أحلامنا كجنين في ضمير الغيب، ترشف الحليب النيئ من ثدي امرأة سمراء، غشيتها ذنوب فرجها، ولم يسترها لسانها الطاهر.
185
متى تنتصر العين على الخرزة، وينتصر الدم على السكين؟ بل كيف ينتصر العنق الأعزل، على خيانات المقتدرين؟
186
والحب إذا بكى، أحجمت السماء عن إرسال حبال المطر، وتخشعت الأرض في أثوابها السمراء، وآن لكوثر الآلهة أن يجف.
187
إن ما أنجبته أقلام الأحرار، لأنبل مما أنجبته بعض تلكم الأرحام، فقد أنجبت الأقلام حضارة، بينما أنجبت الأرحام من هدوا صروحها.
188
تكمن مشكلة المتدين، في استباحة دم العلم، وتشوفه لإغلاق فمه، مع إيمانه المطلق بالحقيقة الدينية، كما تكمن مشكلة العلماني في تقديس المستباح من قبل المتدين، وكفرانه بأصالة الحقيقة الدينية، إذ يرى بها منادح واسعة على نحو دائم. والصحيح استلاب المعرفة أولا من محاجرها، بشقيها العقلي والروحي، لتكوين حقيقة ما، حيث لا يقين ما لم يكن قبل ذلك شك، وهذا مما يتعذر توفره في الطرفين، نظرا للاحتكار الناشب في فهم كل منهما.
189
يبقى الإنسان أكبر من حاجته، أكبر من كل ما يضمحل، وأكبر من كل مركب، فبنوال المال لن يشبع، وبالوصول إلى السلطة لن يقنع، وسيظل في لهث مستمر لنيل المزيد، ولا حاجة أكبر من الإنسان، سوى الإنسان، ولا نهاية لغاية كاملة، غير غاية الوصول إلى الله. «وأن إلى ربك المنتهى.»
190
ألا ليت القادرين علينا، في صنع ألف جحيم، أن يصنعوا لنا جنة واحدة.
191
أحد أحد، أقل من معلومة، على لسان حبشي، إلا أنها جسدت الإيمان الكامل، فأين ما نعلم نحن؟ وأين ما يجهله بلال؟
192
نبحث عن المنقذ، وكان بمقدورنا أن يكون كل منا المنقذ.
193
يتوسع الجحيم يوما بعد آخر، وكل منا يستعذب أنين الآخر.
194
دستور الحلم اليقظة التي لا تنام، ومفهوم الوعي الشك في اليقينيات المتجذرة في الشك، ميسمان في قلب جمرة واحدة، كفيلان بكي فصوص الدماغ، واستقطار الشخصية الناضجة.
195
إن الكاتب المستنير الذي لا يملك زمام حريته، يفكر دائما بالانتحار؛ إذ يشعر كما لو كان مومسا يلاحقها العار، بين فتيات المدينة العفيفة.
196
إن الأثر التاريخي للثورات، يمثل إلماعات فاقعة في العقل الجمعي، فيضوئ طريقها، ويشعل جذوتها، ويجعل كنه خطرها على الطغاة في مسارها، لا حدوثها كواقعة عارضة في المسار، مما يحيل نجاحها إلى قدسية، كما أن للحظة تاريخها، حاضرا مفعما بتاريخ اللحظة.
197
اغتيال العقل، أهون من اغتيال الضمير؛ فللضمير قوة على استعادة العقل من ربقة الكهنوت، وليس للعقل تلك القوة على استعادة الضمير.
198
ستنتهي الجمهورية إذا ما انتهت من حربها مع الحوثيين، وقد صنعت قرونا أخرى لرأس «تيس» في الجهة الأخرى، وسمنته بعلفها وسقته من قربتها، ولن يكون معها الإقليم كما هو معها اليوم، بل سينقسم، وسيكون له رأي آخر.
199
عندما يبحث ابن الإسلام عن أحد العمرين، فثقوا تماما أنه يبحث عن عمرو بن هشام، لا عن عمر بن الخطاب، فقد بنى الأول للأبناء مجدا، بينما هدم الأبناء مجد الثاني.
200
يتذكر النهر تلك اللحظة التي مر بها قبل أن يبلغ البحر، ولا تتذكر الصخور والأوحال والأدغال، انسكابات النهر، حين كان شاقا طريقه من بينها.
201
من يصطنع ورقة التوت، يعجز عن إسقاطها؛ لأنها سقطت حين اصطنعت، لا حين أراد إسقاطها.
202
جمرة هي الحياة، لامست أفواهنا وشققت أوجاعنا، حتى صار أحدنا كبخور محروق، في موقد من جمرها.
203
اغفروا للجوع الذي يقود صاحبه إلى خبز الذل، واغفروا للمرض الذي يقود صاحبه إلى العماية والزلل، فإن أسمى مراتب الوعي، الصمت المبطن بالمعرفة.
204 «والذي نفسي بيده لن تؤمنوا حتى تحابوا ...» الحديث.
هل نحن متحابون؟
لا.
هل نحن مؤمنون؟
نعم!
205
المجرمون مجربون، والخطر لا يهيمن أبدا بدون خطر، كما أن لا معنى للاستمرار، إلا أننا لذلك نستمر.
206
بوابل من الدموع على خد صغيرتك، تهاجم التباريح التي تتأوهها، وتدافع البلوى التي تتعاندها، ثم تقف متصنعا للابتسامة في وجهها الصغير؛ علك ترى ابتسامتها على مرايا دموعك الساخنة، تحاول آنا وبعد آن، ففيها روحك التي تتعانى الآلام، وفيك روحها القائمة في ميعة الطفولة، فتنادي مرارا هديلك التي لا تريد لها أن تسكت، وأن ترتحل، وأن تغيم، تنادي اسمها بلذة العاشق لسحر الخالق، كمن يتذوق العسل فلا يقنع، ويتناول التمر فلا يشبع، وكأن تلك التأتأة هد ... ي ... ل ألذ مما طاب للناس ولذ.
إنها الألذ، والملاذ، والقوة الباقية للقلب، في تصاريف الحياة ونواشبها الثقال، إنها البنية التي بها وجدت أمل الراحة على راحتيها اللدنة، والشمس الدافئة التي أضاءت لك مشارقك ومغاربك؛ بفضل بريق عينيها، وتحننت على أنفاسك من برد الوحدة، وتعاسة الاغتراب عن النفس.
هي هديلك وهديل كل أب، وتلك مشاعرك كما هي مشاعر الآباء حيال هديلهم، إنما لا أدري يا عزيزي: لماذا أشعر بخطئي حين أعمم على الآباء كافة فكرة المشاعر الجياشة التي انتابتك، وأني في ذات الوقت لفي حيرة وشك إذا ما نزعت عنهم ذلك، فبعد أن رزقت بطفلي الوحيد، عجت في رأسي عواصف السخرية المعجونة بالصدمة، نظير ما وجدت من حب جارف لا يمكن أن يسقط، وإن تحدر طفلي في عقوقه الأبدية، أجدني مضطرا لأن أكون طفله إن هو أبى أن يكون طفلي، وأن أكون أباه إن رضي أن يكون طفلي المطيع. ***
قد أكفر بجل أو بكل ما جاء في هذا الكتاب يوما ما، وقد أظل على إيماني؛ وذلك لأني إنسان حي.
Shafi da ba'a sani ba