وعاد السلطان يقهقه حتى ليكاد يستلقي على قفاه من الضحك والكلمات تختلط بالقهقهة: بقي يبقى عمك شاهين الطحان، وأنت بتقرا أدهم الشرقاوي، وانفض الجمع والحادث، ولكن غيظا ما كان لم ينفرج بعد من نفس السلطان، فأرسل يستدعيه في جلسة المغربية، تلك التي يتبهرج لها دوار الضيافة بالأنوار، وقد أصبحت مصابيح كهربائية باهرة الضوء، وقد ارتدى جلبابا أسود من لون جلده وهات يا تريقة من سلطان والجالسين عليه وعلى عمه، حتى لقد وصل الحد أن قال له السلطان: عمك كان معاك زي الباقيين يا ولد؟ كان بياخدك في الدرة برضه؟ وهنا انطلق الولد مغادرا المجلس في عنفوان كلب قطع سلسلته، والضحكات تشيعه لا تزال.
وربما لهذا السبب عاد إلى سلطان بعض الغيظ الذي كاد ينتهي من نفسه.
كان اليوم التالي يوم جمعة، وبينما السلطان في حاشيته خارجين من المسجد لمحوا أحمد الطحان قادما من الحقل موحل السيقان بالطين يحمل تحت إبطه ربطة برسيم. - وضلالي وما بتصليش كمان، يبقى لازم عمك خدك لفة.
وانفرطت دموع حقيقية من عيون الولد وهو يقول: يا فندي ما يصحش الكلام ده. - إيه، ما يصحش؟ إنت لسه شفت حاجة، والله لنخليك تعملها في عمك عيني عينك الليلة دي.
وهنا حدث شيء لم يكن أحد يتوقعه أبدا.
فجأة، ألقى الولد بحزمة البرسيم جانبا، وقفز على السلطان، واضعا ساقه خلف ساقيه، فتهاوى السلطان على الأرض كالشجرة الفارهة، وانقض الولد عليه وفي يمناه «الشرشرة» التي «يحشون» بها البرسيم، وفي عينيه نار من قرر أن يذبح الرجل ليقتله فورا.
اندفع أكثر من رجل ناحية الراقد والراقد فوقه، فإذا بالولد يزأر: والله اللي حيخطي ناحيتي لجازر رقبة ال... دهه.
وتجمد الكل في مكانه، فالتفت إلى السلطان وطرف الشرشرة مغروز في أيمن عنقه، ما هي إلا جرة واحدة حتى يذبحه ذبح الشاة، والنار لا تزال تتلظى من عينيه، وقال: مش حاسيبك إلا لما تقول أني مرة، قول.
تعالت أصوات الاحتجاجات من خلف الولد وأمامه، وقد أصبح هو والسلطان وسط حلقة لا نهاية لها، ولكن الولد صرخ كالوحش الجريح: اللي عنده كلمة يوفرها ووالله والله إن ما قالها حالا لدابحه. انطق ... قول أني مرة.
ولم ير السلطان مخلوقا في عينيه عزم الجريمة كما رأى وجه الولد، ولم يحس هو برعب فوق طاقة البشر مثلما أحس وسن الشرشرة قد بدأ يقطع والدم يتفجر.
Shafi da ba'a sani ba