Zamanin Farfadowa: Gabatarwa Ta Kankanin Lokaci
عصر النهضة: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
كان أهل فينيسيا المعاصرون للأخوين بيليني واضحين فيما يخص اعتمادهم على مثل هذه المعاملات. فقد كانت فينيسيا في موقع الوسيط التجاري المثالي، وكانت قادرة على الحصول على هذه السلع من الأسواق الشرقية، ثم نقلها إلى أسواق شمال أوروبا. وفي نفس الوقت الذي رسم فيه الأخوان بيليني لوحة القديس مرقص، كتب كانون بييترو كاسولا معبرا بدهشة عن أثر هذا التدفق للبضائع من الشرق على فينيسيا نفسها قائلا:
بالفعل يبدو كما لو أن كل العالم يندفع أفواجا إلى هنا، وكما لو أن كافة البشر قد ركزوا هناك كل ما لديهم من قوة للتجارة ... فمن ذا الذي يمكنه أن يحصي المحلات التجارية الكثيرة المملوءة بالبضائع، حتى كادت أن تبدو كمستودعات تحتوي على الكثير من الملابس من كل صنعة: النسيج، والأقمشة المطرزة، والستائر من كل تصميم، والسجاد من كل نوع، وأوبار الجمال [البسط] من كل لون، وكل ملمس؛ والحرير من كل نوع، وهذا العدد الهائل من محلات البقالة، والتوابل والأدوية، والكثير من الشموع الجميلة! إن هذه الأشياء تخلب لب الناظر.
كانت التجارة في هذه السلع بين الشرق والغرب تتم في مختلف أنحاء البحر المتوسط لقرون عديدة، ولكن زاد حجمها بعد نهاية الحروب الصليبية. وبداية من القرن الرابع عشر، حاربت فينيسيا منافسيها مثل جنوة وفلورنسا لترسي هيمنتها على التجارة من البحر الأحمر والمحيط الهندي وانتهاء في الإسكندرية. وتأسست المراكز التجارية والقنصليات التابعة لفينيسيا وجنوة في الإسكندرية ودمشق وحلب، بل وأبعد من ذلك. وبينما كانت أوروبا تصدر في الغالب البضائع غير المعبأة مثل المنسوجات والأخشاب والأواني الزجاجية والصابون والورق والنحاس والملح والفضة والذهب، فإنها كانت تميل إلى استيراد السلع الفاخرة والقيمة. وتراوحت هذه السلع من البهارات (الفلفل الأسود وجوزة الطيب والقرنفل والقرفة) والقطن والحرير والساتان والمخمل والسجاد، إلى الأفيون والخزامى وخشب الصندل والخزف الصيني والخيول وعشب الراوند والأحجار الكريمة، وكذلك الأصباغ الزاهية المستخدمة في صناعة الغزل والنسيج وفي الرسم.
كان تأثير ذلك على ثقافة واستهلاك المجتمعات من فينيسيا إلى لندن تدريجيا ولكنه كان عميقا؛ إذ تأثرت به مجالات الحياة كافة، من المأكل إلى الرسم. وكما تغير الاقتصاد المحلي مع هذا التدفق من السلع الغريبة، فكذلك طرأ هذا التغير على الفن والثقافة. فتوسعت لوحة ألوان الرسامين مثل الأخوين بيليني من خلال إضافة أصباغ مثل الأزرق السماوي والقرمزي والأحمر الزاهي، وجميعها ألوان تم استيرادها من الشرق عن طريق فينيسيا، وزودت لوحات عصر النهضة بدرجات لوني الأزرق والأحمر التي تميزها. وقد عكست التفاصيل الرقيقة - التي أظهرت بها لوحة الأخوين بيليني المسماة «القديس مرقص» الحرير والمخمل ونسيج الموسلين والقطن والقرميد والسجاد، وحتى الحيوانات - وعي الفنانين بالكيفية التي غيرت بها هذه المبادلات مع الشرق من المشاهد والروائح والأذواق في العالم، وكذلك قدرة الفنان على إعادة إنتاجها.
وكانت أسواق الشرق بالقاهرة وحلب ودمشق أيضا مسئولة عن تشكيل البنية المعمارية لفينيسيا في عصر النهضة. فقد وصف المؤرخ الفني الفينيسي جوزيبي فيوكو فينيسيا باعتبارها «سوقا ضخمة». ومؤخرا لاحظ المؤرخون المعماريون كيف أن العديد من الخصائص المعمارية للمدينة كانت قائمة على المحاكاة المباشرة للتصميم والديكور الشرقي. فسوق ريالتو بمبانيها المتراصة في خط مستقيم، والمرتبة بالتوازي مع الطرق الرئيسية؛ مماثلة بشكل مذهل لتخطيط العاصمة التجارية السورية حلب. كما أن النوافذ والأقواس والواجهات المزينة لقصر دوج وقصر دوكالي مستوحاة من المساجد والأسواق والقصور في مدن مثل القاهرة وعكا وتبريز، حيث كان تجار فينيسيا يتاجرون على مدار عدة قرون. لقد كانت فينيسيا مدينة متطورة في عصر النهضة، ليس فقط للمزيج بين التجارة والترف الجمالي، ولكن أيضا لإعجابها بالثقافات الشرقية ومحاكاتها لها.
حسابات دائنة ومدينة
كان من بين سمات عصر النهضة ظهور أسلوب جديد للتعبير عن الثروة، وما يرتبط بذلك من استهلاك للسلع الكمالية. وقد ناقش المؤرخون الاقتصاديون والسياسيون بقوة أسباب التغيرات في الطلب والاستهلاك بداية من القرن الرابع عشر وما تلاه. ويتعارض الاعتقاد في ازدهار روح عصر النهضة مع الاعتقاد السائد بأن القرنين الرابع عشر والخامس عشر قد شهدا فترة كساد اقتصادي عميق، فانهارت الأسعار وتراجعت الأجور. وما كان لتفشي وباء الموت الأسود في عام 1348 سوى أن زاد من حدة هذه المشكلات. ومع ذلك، فكما هو الحال في حالة الحرب، فإنه غالبا ما يكون من بين تبعات انتشار المرض والموت على نطاق واسع؛ إحداث تغيير اجتماعي جذري واضطرابات، وكان هذا هو حال أوروبا في أعقاب الطاعون. وبالإضافة إلى المرض، عصفت الحروب بالمنطقة. فكان هناك الصراع الإسلامي المسيحي في إسبانيا وشمال أفريقيا (1291-1341)، والحروب التي دارت رحاها بين فينيسيا وجنوة (1291-1299، 1350-1355، 1378-1381)، وحرب المائة عام التي طالت شمال أوروبا كله (1336-1453)، والتي أثرت جميعها سلبا على التجارة والزراعة، وخلقت نمطا متكررا من التضخم والانكماش. وكان من بين تبعات كل هذا الموت والمرض والحروب التركيز على الحياة الحضرية، وتراكم الثروة في يد نخبة صغيرة شديدة الثراء.
وكما هو الحال في معظم فترات التاريخ، فحيث يواجه بعض الناس الكساد وتدهور الأحوال، يرى البعض الآخر الفرصة والثروة. فقد استفادت دول مثل فينيسيا من الطلب المتزايد على السلع الكمالية، وطورت وسائل جديدة لنقل كميات أكبر من البضائع. فتدريجيا حلت السفن الثقيلة ذات القيعان المستديرة والصواري محل القوارب الأقدم والسفن الصغيرة التي تعمل بالمجاديف. وأصبحت هذه السفن الكبيرة تستخدم في نقل البضائع الضخمة مثل الخشب والحبوب والملح والأسماك والحديد بين موانئ شمال أوروبا. وكانت هذه السفن قادرة على نقل أكثر من 300 «برميل» من البضائع (البرميل الواحد يساوى 900 لتر)؛ أي ما يزيد عن ثلاثة أضعاف حمولة السفن القديمة. وبنهاية القرن الخامس عشر، تم بناء المركب الشراعي ذي الصواري الثلاث بناء على تصاميم عربية، وكانت حمولته تصل إلى 400 برميل من البضائع، وكان أسرع بكثير من السفن القديمة.
وهكذا، مع ازدياد حجم البضائع وسرعة توزيعها، تغيرت كذلك سبل إتمام الصفقات التجارية. وبينما تبدو لنا تعقيدات تحقيق التوازن بين الواردات والصادرات لكل من السلع العالمية الأساسية والكمالية وحساب الائتمان والربح وسعر الفائدة؛ مألوفة للغاية بالنسبة لنا اليوم؛ فإنه من السهل أن نرى لماذا غالبا ما يشار إلى عصر النهضة بأنه كان مهد الرأسمالية الحديثة. فكما كان التجار الأوروبيون المسيحيون يتاجرون في السلع غير العادية القادمة من الشرق، فإنهم قاموا أيضا بإدخال طرق ممارسة الأعمال التجارية العربية والإسلامية من خلال زياراتهم للأسواق والمراكز التجارية في جميع أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط وبلاد فارس.
ففي القرن الثالث عشر، قام تاجر من بيزا يدعى ليوناردو بيزان - والمعروف باسم فيبوناتشي - باستخدام معرفته التجارية بالطرق العربية لحساب الربح والخسارة في إدخال الأرقام الهندية-العربية إلى التجارة الأوروبية. فأوضح فيبوناتشي طبيعة الأرقام الهندية-العربية من «0» إلى «9»، واستخدام الفاصلة العشرية، وتطبيقها على المسائل التجارية العملية التي تشمل الجمع والطرح والضرب والقسمة، وقياس الأوزان والمقاييس، بالإضافة إلى المقايضة وتحصيل الفوائد وتبادل العملات. وبينما قد تبدو هذه الأمور بديهية اليوم، فإنه يجدر بنا أن نتذكر أن علامات الجمع (+) والطرح (−) والضرب (×) لم تكن معروفة في أوروبا قبل القرن الخامس عشر.
Shafi da ba'a sani ba