ك فقد أورق الشجر
فاشكر الله إنه
زائد كل من شكر
ولم يكتف الوليد بالقول دون الفعل، بل اندفع - فيما يخبرنا المؤرخون - مع تيار بطانته ومشايعيه، وشمر عن ساعد الانتقام ممن ناصر عمه هشاما، مثل محمد وإبراهيم ابني هشام بن إسماعيل؛ حيث عذبهما يوسف بن محمد الثقفي، والي المدينة، ويوسف بن عمر، حاكم العراق، حتى ماتا.
ولم يكتف الوليد بن يزيد بذلك، بل قبض على سليمان بن هشام فضربه مائة سوط ومثل به؛ إذ حلق رأسه ولحيته، كما حبس يزيد بن هشام والكثيرين من البيت المالك.
لم يكتف الوليد بن يزيد، بل أحرج خالدا القسري، وهو من زعماء اليمن ورؤسائها، بأن يبايع لابنه الحكم وعثمان بولاية العهد من بعده، فلما أبى عليه ذلك بعث به إلى والي العراق يوسف بن عمر الثقفي، فنزع ثيابه وعذبه عذابا مبرحا، وهو يحتمل ذلك كله بصمت وإباء، ثم حمله إلى الكوفة إلى من أنزلوا به كل لون من ألوان العذاب حتى مات، وما مات إلا بثمن باهظ دفعه الوليد؛ ذلك أنه كتب على نفسه عداوة قضاعة واليمن، وجل جند الشام من قضاعة واليمن، وهم هم الذين مثلوا دورهم الخطير أخيرا مع الوليد؛ إذ بايعوا يزيد وثاروا معه، فكانت خاتمة الوليد ما قد علمناه من احتمائه بقصره وتقحمهم عليه داره، وفعلهم به ما أصاب عثمان من مأساة؛ إذ حزوا رأسه وهو يتلو القرآن ثم نصبوه على رمح وطيف به في دمشق.
على أنا نفترض المبالغة فيما ينسبه الرواة إلى هذا الخليفة المغلوب على أمره، ولكنا نؤمن مع ذلك إيمانا صادقا بالنتائج السيئة لنظام ولاية العهد الثنائي أو الثلاثي.
وإنا نظن أن فيما قدمناه لك غنية وكفاية، وإن أردت منا مزيدا فانظر ما نال به سليمان قادة الدولة أمثال: محمد بن القاسم بن محمد الثقفي، وقتيبة بن مسلم الباهلي، وموسى بن نصير، وما كان يعد للحجاج وغيره ممن قل أن يجتمع أمثالهم في عصر واحد. وإنا نحيل القارئ إلى ابن الأثير ليقدر معنا الأسس التي بنينا عليها رأينا فيهم، وليقف بنفسه على كبريات فتوحهم وجسام أعمالهم التي كانت غرة في جبين عصرهم، بل في جبين تاريخ الدولة الأموية.
وبعد، أفليس من العدل أن يستنبط القارئ معنا ما يصيب الدولة من المنازعات والشقاق، ومن الضعف والإفلاس السياسي من جراء ذلك النظام الممقوت، نظام ولاية العهد على هذا النحو في غير قانون ولا سنة، وأن يعده معنا سببا لا يستهان به من أسباب سقوط البيت الأموي. (3) العصبية العربية
الذي يهمنا الآن هو أن نوجه النظر إلى تأثير نظام ولاية العهد في صورته التي صورناها لك من حيث مساسه بالعصبية العربية التي كانت، كما تعلم، عنيفة محتدمة بين المضرية واليمنية، وأنت تعلم أن الخلفاء من بني أمية كانوا يصهرون إلى قبائل مضر كما كانوا يصهرون إلى قبائل اليمن، فكانت هذه القبائل تجد في تأييد الأمير الذي يتصل بها نسبه. وهذه الفكرة نفسها تعيننا على أن نفهم، بنوع خاص، موقف العرب أيام يزيد بن معاوية، كما أنها تعيننا على أن نفهم ما ثار حول هشام والوليد بن يزيد من الخصومات التي قدمنا لك طرفا منها، ولم يكد ينتهي الأمر إلى مروان بن محمد حتى كانت الخصومة بين المضرية واليمنية قد انتهت إلى أقصاها، بحيث عجز هذان الفريقان من العرب عن أن يكونا وحدة قوية تثبت للطوارئ، فلم يظهر أمر الموالي حتى كان العرب مفترقين متخاذلين، لا يستطيعون عن أنفسهم دفاعا، وسنتكلم على العصبية وآثارها ببسطة في القول أكثر مما تكلمنا هنا في موضعها الطبيعي من الكتاب الثاني.
Shafi da ba'a sani ba