220

وكان المأمون قد كتب في أثناء سفره إلى طاهر وهو في الرقة أن يوافيه في النهروان، فوافاه بها، ثم تقدم بعد ذلك ودخل بغداد في صفر سنة 204ه/أغسطس سنة 819م.

وكان لا يزال الشعار الأخضر شعار العلويين الذي اتخذه المأمون وهو في مرو شعار الدولة، فما زال به كبار قواده وأهل بيته حتى طرحه واستبدل به الشعار الأسود شعار العباسيين.

ويحدثنا يحيى بن الحسن أن المأمون لبس الخضرة بعد دخوله بغداد تسعة وعشرين يوما ثم مزقت، ثم خلع الخلع السنية على من حضر من القواد والأشراف ورجالات الدولة، وعفا عن الفضل بن الربيع وزير الأمين الذي كان اختفى بعد مقتله ثم ظهر مساعدا لإبراهيم بن المهدي في ثورته، وكذلك عفا عن عيسى وزير إبراهيم مع أنهما كانا رأسي الفتن والقلاقل التي أثيرت على حكم المأمون، فكان موقف المأمون معهما غاية في التسامح والكرم.

ولم يكن قد استقر الأمر والنظام في جميع أنحاء الدولة بدخول المأمون بغداد، فقد كان لا يزال نصر بن شبث خارجا في سوريا، وكانت لا تزال مصر مسرحا للفتن والقلاقل، وبابك الخرمي يعظم خطره في شمال فارس، والزط لا يزالون يعيثون في الأرض فسادا على الخليج الفارسي. وسنقص عليك في موضعه ما وصلت إليه هذه الثورات وكيف أخمدت.

ثم ولي المأمون طاهرا حاكما على بغداد، وأقام ابنه عبد الله واليا على الرقة خلفا من أبيه، غير أن المأمون لم يلبث أن تنكر لطاهر وأظهر له الجفوة، ثم نرى بعد قليل أن طاهرا ولي حاكما على خراسان.

وقد كنا نكون في حيرة من أمر هذا التنكر الفجائي من الخليفة على رجله العظيم من غير سبب ظاهر، ثم ينتهي ذلك بأن يكون حاكما على خراسان، لولا أن ابن طيفور يروي لنا أسباب كل هذا في قصة ممتعة ملخصها: أن طاهرا دخل على المأمون ذات يوم في حاجة، وكان المأمون فيما قيل في مجلس شراب، فأمر له برطلين من النبيذ، ثم بكى المأمون وتغرغرت عيناه فقال له طاهر: يا أمير المؤمنين، لم تبكي، لا أبكي الله عينك؟! فوالله لقد دانت لك البلاد، وأذعن لك العباد، وصرت إلى المحبة في كل أمرك، فقال: أبكى لأمر ذكره ذل، وستره حزن، ولن يخلو أحد من شجن؛ فتكلم بحاجة إن كانت لك. فما زال طاهر بعد ذلك يتخذ الوسائل إلى معرفة السبب حتى وفق بالمال إلى إغراء ساقي المأمون أن يتعرف كنه ذلك السبب، فلما تغدى المأمون ذات يوم قال لساقيه: يا حسين، اسقني، قال: لا والله لا أسقيك أو تقول لم بكيت حين دخل عليك طاهر! قال: يا حسين، وكيف عنيت بهذا حتى سألتني عنه؟ قال: لغمي بذلك، قال: هو أمر إن خرج من رأسك قتلتك، قال: يا سيدي، ومتى أخرجت لك سرا؟! قال: إني ذكرت محمدا أخي وما ناله من الذلة فخنقتني العبرة، فاسترحت إلى الإفاضة، ولن يفوت طاهرا مني ما يكره! قال: فأخبر حسين طاهرا بذلك، فركب طاهر إلى أحمد بن أبي خالد وهو وزير المأمون فقال له: إن الثناء مني ليس برخيص، وإن المعروف عندي ليس بضائع، فغيبني عن عينه، فقال له: سأفعل؛ فبكر علي غدا.

قال وركب ابن أبي خالد إلى المأمون، فلما دخل عليه قال له: ما نمت الليلة، فقال له: ولم ويحك! قال: لأنك وليت غسان خراسان وهو ومن معه أكلة رأس،

1

فأخاف أن يخرج عليك خارجة من الترك فيصطلمه؛ قال: لقد فكرت فيما فكرت فيه، قال: فمن ترى؟ قال: طاهر بن الحسين، قال: ويلك يا أحمد! أهو والله خالع؟ قال: أنا الضامن له، قال له: فأنفذه، قال: فدعا بطاهر من ساعته.

ويظهر أن المأمون، فيما ذكر الرواة، لم يكن مطمئنا مع ضمان وزيره لطاهر إلى تعيينه حاكما على خراسان، فإن بعض الرواة يقول: إن المأمون أسر إلى خصي له أمين بمرافقة طاهر حتى إذا رأى منه خروجا دس له السم.

Shafi da ba'a sani ba