126

سلام على الدنيا إذا ما فقدتم

بني برمك من رايحين وغاد

ويؤخذ من المباحث التاريخية الحديثة للمستشرقين أن البرامكة هم أسرة فارسية أنتجب أول الوزراء الفرس للخلافة، وليست لفظة برمك باسم لشخص، وإنما تدل على رتبة وراثية خاصة برئيس الكهان بمعبد «نوبهار» ببلخ.

وكانت البرامكة تملك الأراضي التابعة للمعبد، ويبلغ طولها ثمانية فراسخ ، وعرضها أربعة، فكانت مساحتها أربعين وسبعمائة ميل مربع، ولم تزل هذه الممتلكات أو بعضها في حوزة البرامكة في الأيام التالية، ويقول ياقوت: إن قرية «روان» الكبيرة الغنية، وهي شرق بلخ، كانت في حوزة يحيى بن خالد.

ومعنى الاسم بالسنسكريتية: الدير الجديد، وكان هذا الدير عبارة عن دير بوذي، وقد وصف كذلك بوساطة حاج صيني اسمه «هوان شانج» في القرن السابع للمسيح، في كتاب اسمه «ذكريات على البقاع الشرقية»، وقد ترجمه إلى الفرنسية «سنت جوليان»، على أن هذالمعبد كان معروفا لبعض الجغرافيين من العرب، أمثال: ابن الفقيه (انظر: طبعة چوچ، ص322)؛ إذ قرر أن النوبهار كانت مخصصة لعبادة الأوثان لا النار. وإذا تركنا جانبا بعض المبالغات في وصف ابن الفقيه، فإنا نجد وصفه مطابقا للبوذية.

فلنلاحظ هذه العبادة لأقطاب من زعماء الفرس لعبوا دورا هاما في التاريخ العباسي، ولنلاحظها جيدا؛ فربما أفادتنا في إماطة اللثام قليلا عن عبادات لفئات عديدة اعتبرت زنادقة أو مانية أو ملحدين، ومهما كانت هذه الفئات موضع اضطهاد من خلفاء العصر؛ فإن من المبالغة الكتابية التي لا ترضي العلم ولا التاريخ في شيء ألا يحفل بها، أو لا يشار إليها إشارة طفيفة إذا لم يكن لدينا من المواد ما يسمح لنا بأن نفرد لدراستها بابا، كما حفل بها الخلفاء فأفردوا لها إدارة أسموا رئيسها «صاحب الزنادقة».

ولعل أول ذكر لبرمكي حفل به التاريخ واعتبره مؤسسا لتلك الأسرة البرمكية التي نبغت في تلك الأيام الزاهية الزاهرة، والتي امتدت إلى أن انقضت في أيام الرشيد، ونظر إليه باعتباره جد البرامكة هو: خالد بن برمك الذي استوزره السفاح بعد أبي سلمة الخلال وأبي الجهم.

كان خالد بن برمك من رجالات الدولة العباسية فاضلا جليلا كريما حازما يقظا، استوزره السفاح وخف على قلبه، وكان يسمى وزيرا، وقيل: إن كل من استوزر بعد أبي سلمة كان يتجنب أن يسمى وزيرا؛ تطيرا مما جرى على أبي سلمة، ولقول من قال:

إن الوزير وزير آل محمد

أودى فمن يشناك كان وزيرا

Shafi da ba'a sani ba