124

بالعرف عند الحدث النازل

لمشبه المنصور في ملكه

إذا تدجت ظلمة الباطل

فتم بالمأمون نور الهدى

وانكشف الجهل عن الجاهل

وفي سنة تسع وثمانين ومائة بايع الرشيد لابنه القاسم بعد المأمون، وجعل أمر القاسم، في خلعه وإقراره، إلى عبد الله إن أفضت الخلافة إليه.

وأراد الرشيد أن يوثق الأمر بين بنيه في ولاية العهد، حتى يسد دونهم باب الفتنة، فرأى أن خير وسيلة لذلك هي ما يحدثنا عنها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في حوادث سنة ست وثمانين ومائة إذ يقول: حج هارون ومحمد وعبد الله معه وقواده ووزراؤه وقضاته في سنة 186ه، وخلف بالرقة إبراهيم بن عثمان بن نهيك العكي على الحرم والخزائن والأموال والعسكر، وأشخص القاسم ابنه إلى منبج، فأنزله إياها بمن ضم إليه من القواد والجند، فلما قضى مناسكه كتب لعبد الله المأمون ابنه كتابين جهد الفقهاء والقضاة آراءهم فيهما:

أحدهما: على محمد بما اشترط عليه من الوفاء بما فيه من تسليم ما ولي عبد الله من الأعمال وصير إليه من الضياع والغلات والجواهر والأموال. والآخر: نسخة البيعة التي أخذها على الخاصة والعامة، والشروط لعبد الله على محمد وعليهم، وجعل الكتابين في البيت الحرام، وبعد أخذه البيعة على محمد، وإشهاده عليه بها الله وملائكته ومن كان في الكعبة معه من سائر ولده وأهل بيته ومواليه وقواده ووزرائه وكتابه وغيرهم، وكانت الشهادة بالبيعة والكتاب في البيت الحرام، وتقدم إلى الحجبة في حفظهما، ومنع من أراد إخراجهما والذهاب بهما؛ فذكر عبد الله بن محمد ومحمد بن يزيد التميمي وإبراهيم الحجبي، أن الرشيد حضر وأحضر وجوه بني هاشم والقواد والفقهاء وأدخلوا البيت الحرام، وأمر بقراءة الكتاب على عبد الله ومحمد، وأشهد عليهما جماعة من حضر، ثم رأى أن يعلق الكتاب في الكعبة، فلما رفع ليعلق وقع، فقيل: إن هذا الأمر سريع انتقاضه، قليل تمامه. وقد أثبتنا الكتابين لعظيم خطرهما التاريخي في باب المنثور في الكتاب الثاني من المجلد الثاني.

وبعد، فإن لعصر الرشيد مكانته وقدره، فقد ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية أيما ازدهار، وظهرت فيه آثار تحول المدنية في العصور التي سبقته، كما أثر هو في العصور التي تلته، ولقد صدق صاحب «النجوم الزاهرة» فيما رواه عن أبي علي صالح بن محمد الحافظ، قال: «اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره: وزراؤه البرامكة ، وقاضيه أبو يوسف، وشاعره مروان بن أبي حفصة، ونديمه العباس بن محمد عم أبيه، وحاجبه الفضل بن الربيع أنبه الناس وأعظمهم، ومغنيه إبراهيم الموصلي، وزوجته زبيدة بنت عمه جعفر.»

وإنا لنختم مبحثنا في حياة الرشيد وعصره بكلمة تبين وجهة نظر مؤرخ كبير المكانة في الشرقيات، وهو الأستاذ «ميور»، ونتقدم بملاحظة واحدة، وهي شدته على هارون الرشيد، وقد يكون الذي دفعه إلى ذلك تأثره بمرجعه العظيم الذي وضعه الأستاذ «ويل».

Shafi da ba'a sani ba