لم أكد أغني البيت الأول حتى سمعت صياحا في السطح جميعا. إعجاب لا شك. هدأ الصياح قليلا ... ليرتفع صوت منفرد: أضعت الكاسين، الله يخرب بيتك.
قلت في نفسي إنه إما ملحن أو مطرب يحقد علي. ومضيت في الغناء وإذا صوت آخر: أهذا كلام؟ أدعينا هنا لكي نتهزأ؟
وتصورت أن الكلام موجه إلى شخص آخر، ولكن ما هي إلا لحظة حتى رأيت الكراسي تتطاير في الهواء، وقبل أن أرى وجهتها غبت عن الوعي.
أفقت على المقهى الذي التقيت فيه بالمتعهد، ولم يكن أحد معي لأسأله ما الذي حدث. ولكني أدركته.
لقد خرج الناس عن وقارهم، وأصابهم صوتي بالنشوة المجنونة العارمة فراحوا يقذفون في الهواء كل ما تصل إليه أيديهم، وكانت الكراسي أقرب شيء إليهم. ولم يدركوا في غمرة السعادة التي داخلتهم من غنائي أنهم قد يصيبون مصدر السعادة نفسه، فهوت الكراسي على رأسي ورءوس العازفين لي.
وانتهز المتعهد فرصة الغيبوبة التي أسلمتني إليها الكراسي التي هوت على رأسي فألقى بي على المقهى حيث لقيني أول مرة وتخلص مني. وأنا لا يهمني المال، ولكنني كنت أرجو أن يكون إعجاب الناس بي أقل مما كان حتى يقبل وكلاء الفنانين الاتفاق معي وأصل إلى الناس وأمتعهم. هذه القصة التي لم يعرفوا لها مثيلا في حياتهم، ولن يعرفوا.
والآن ماذا أنا صانع، وما سبيلي الذي ينبغي علي أن أتخذه حتى أحقق هذه الأمنية التي وهبت نفسي لها؟
انطويت على نفسي وعيناي تراقبان في حدة الأخبار الفنية. رحت أقرأ أنباء الحفلات بعيني نمر متربص لا يفوتني من أمرها شاردة ولا واردة، حتى كان يوم قرأت في جرائد الصباح أن النادي الرياضي سيقيم حفلة غنائية بمناسبة فوزه بالكأس، فطرأت على رأسي فكرة حاسمة.
فقد جاء في النبأ أن المطرب الشهير فوزي المعلاوي سيغني في الحفل، فأدركت أن تلك هي فرصتي، وأنني لن أجد خيرا منها لأحقق للناس ما لا يحلمون به من سعادة وطرب.
لبست خير حللي، وكانت حلة سوداء بها خطوط بيضاء ناصعة البياض من قماش إنجليزي فاخر نجح الترزي أن يفصلها علي تفصيلا رائعا يزيد من مظهر رشاقتي التي لا مثيل لها، ورجلت شعري عند أعظم حلاق. وحين نظرت إلى المرآة داخلني الخوف أن يراني الناس فيحسدوا جمالي ورشاقتي واتساق طلعتي وقامتي وأناقة ملبسي، التي زاد منها رباط العنق الذي اشتريته مستوردا من أعظم بيوت الأزياء في باريس، وقد انعقد حول ياقة قميص مستورد من سويسرا.
Shafi da ba'a sani ba