وأتصور أن صاحب الحمار عنده أكوام من اللؤلؤ يكيلها كيلا ولا يعدها عدا. وأتصور أن الفتى الذي يقوم بشأن الحمار لا يعرف الفرق بين الذرة وبين اللؤلؤ - فهو يكتال اللؤلؤ ويضعه أمام الحمار لأنه يظنه ذرة. والحمار لا يأكل اللؤلؤ ولا يقبل طعمته ولكنه ما دام قد رآه أمامه فهو يمضغه فيطحنه ولكنه لا يبتلعه وإنما يبصقه.
ولكن اللؤلؤ مع ذلك يأبى أن يترك الحمار؛ فلا بد أن كميات منه وفيرة بقدر سعة الفم عند الحمار قد ذهبت إلى معدة الحمار.
وما دامت معدة الحمار تستقبل شيئا لم يكن من المفروض أن تستقبله فمن الطبيعي أن يموت الحمار.
أرأيت؟ هي خيال كلها. كلها خيال ولكنها مع ذلك تلح علي.
المخطئ لا شك هو ذلك الرجل الذي يملك الحمار، والذي استأجر له الفتى، والذي ترك اللؤلؤ يلهو به من لا يعرف قيمته.
وقد دفع صاحب اللؤلؤ والحمار ومستأجر الفتى الثمن، ففقد اللؤلؤ وفقد الحمار، ولكن هل هذا هو كل ما يخسره.
المؤكد أن الذين يبيعون اللؤلؤ سيرفضون كل الرفض أن يتعاملوا مع هذا الرجل؛ لأن الذين يبيعون اللؤلؤ لا يهمهم أن يبيعوه، وإنما يهمهم أولا وقبل كل شيء أن يفهم مشتريه قيمته. أما إذا كانت الذرة عنده تستوي مع اللؤلؤ فهو لا يستحق أن يملك لؤلؤة واحدة، بل هو حتى لا يستحق أن يرى اللؤلؤ، فليس هناك أي معنى أن يرى شخص ما شيئا لا يعرف قيمته.
تصورت هذا جميعه. وتصورت لماذا تختفي اللآلئ في كثير من الأحيان ويعتز بها أصحابها أن يعرضوها خشية أن تصادف في سوق الجواهر أشخاصا كأصحاب الحمار، أو تشتريها الحمير أنفسها في غفلة خلط فيها بين اللؤلؤ وحبات الذرة.
خطاب في موعد
هي فتاة في ريق العمر ونضرته، وكان فتاها شابا يعمل في مطبعة، وكان يكسب ما يقوم بشأن بيته. وتم بينهما الزواج ومشى بهما العمر رضيا هانئا تلك الهناءة التي تخلو من الأحداث الكبرى، ولا تخلو من الخلافات الصغيرة التي تنشأ بين زوجين في أول حياتهما الزوجية، فالزوج ذو عادات وتربية خاصة، والزوجة لها بداوتها وتربيتها الخاصة. وحين تصطدم التربية بالتربية والنشأة الغريبة بالنشأة الغريبة لا بد أن تنشب هذه الخلافات الصغيرة. وربما كانت الحياة تحلو بهذه الخلافات؛ فهي آخر الأمر لرباط الزوجية، أقدس ما خلق الله من صلة ومن عقود.
Shafi da ba'a sani ba