فانحنى ضرغام احتراما وامتنانا وقال: «قد غمرني أمير المؤمنين بإنعامه.»
قال: «إنك أهل لأكثر من ذلك.»
فتناول ضرغام العقد ولفه بمنديل وكرر الدعاء. ثم استأذن وخرج فقصد إلى منزله والهواجس تتقاذفه، على أن أمر الزواج بياقوتة لم يزده قلقا؛ لأنه رأى استبقاءها في بيته حتى يجد خطيبها فيجمعه بها دون أن يعلم الخليفة هل تزوجها أم لا. فوصل إلى المنزل ولقي أمه فسألته وياقوتة جالسة عن سبب ذهابه إلى الخليفة فقال: «دعاني لأمر يتعلق بياقوتة.»
فأجفلت ياقوتة؛ لأنها كانت تخاف وشاية الحارث، لكنها اطمأنت لما رأته يبتسم ونظرت إليه مستعطفة، ثم سألته أمه عما جرى فقال: «شكانا السمرقندي إلى أمير المؤمنين، فأرجعه خائبا، وأوصاني بياقوتة خيرا.»
فانشرح صدر الفتاة وازدادت إعجابا بضرغام وسمو منزلته عند الخليفة ونفوذ كلمته في الدولة، وأعجبت بهيبته وجلال طلعته. والإعجاب إذا اقترن بالألفة وبالعادة تحول إلى غرام، ولكن ياقوتة كانت مشتغلة القلب بحماد ورأت ضرغاما فوق ما ترجوه لنفسها. ولما سمعت قوله عن الخليفة توردت وجنتاها حياء ولم يمنعها الحياء عن الكلام؛ لأنها كانت عاقلة رابطة الجأش فقالت: «أشكر لمولاي الصاحب فضله؛ فقد أنقذني من العار والموت، ورفع منزلتي؛ إذ جعلني تحت حمايته.»
فمد ضرغام يده إلى جيبه وأخرج العقد وقدمه إليها وقال: «هذه هدية أمير المؤمنين إليك.»
فأصبحت ياقوتة لا تدري كيف تعبر عن إحساسها، فتناولت العقد ودفعته إلى آفتاب فأخذته وتلمست حباته وقالت: «يظهر أنه عقد جدير بك.» وتقدمت نحوها وقلدتها إياه.
كل ذلك لم يشغل ضرغاما عن قلقه وكل ما حدث في مساء الأمس وصباح اليوم يذكره بحبيبته وخاصة العقد لما لبسته ياقوتة فقال في نفسه: «لماذا لا تكون جهان هنا وتلبسه!» فلما تخيل ذلك اضطرب وترك الغرفة وخرج ليسأل الخدم عن وردان، فلقيه داخلا وفي وجهه ذعر. ولما رأى ضرغاما حياه، فقال ضرغام: «قد طال غيابك، فما الذي أعاقك؟» ثم مضى إلى حجرة منعزلة جلسا فيها، فقال وردان: «قد عاقني تأخر الأفشين عن الحضور؛ لأنه لم يصل إلى سامرا إلا منذ بضعة أيام، ولم أتمكن من إتمام مهمتي إلا اليوم.»
فقال: «وما الذي عرفته عن جهان؟»
فتوقف وردان لحظة ثم قال: «عرفت من صديق لي في حاشية الأفشين لا تخفى عليه من أحواله خافية أن جهان خرجت من فرغانة قبل خروجهم منها.»
Shafi da ba'a sani ba