الفصل السابع
اجتماع المحبين
تركنا ضرغاما في انتظار جهان بغرفتها وأهل القصر لا يرون بأسا من اجتماعهما، لما يعلمونه من منزلة ضرغام عند مولاهم، ولأن جهان لا تحتجب عن الرجال، جلس ضرغام على كرسي في بعض جوانب الغرفة ينتظر حبيبته وهو على مثل الجمر وقد أهمه ما شاهده من مرض أبيها وتشاءم من ذلك، ولكن شوقه لجهان وشدة رغبته في مقابلتها أنسياه كل شاغل.
ثم سمع صوتها بجانب باب الغرفة تكلم «المهتر» وتوصيه بما أمر به أبوها، فخفق قلبه، ثم دخلت فلما أقبلت عليه خف للقائها وكلاهما يبتسم وقلبه يضحك، وقد نسيا الدنيا ومصائبها كأنهما انتقلا من عالم الشقاء إلى عالم السعادة والهناء.
وإذا عجز الفلاسفة تمثيل الفردوس، فإن أقرب مثل لحال المقيمين به، وحال حبيبين تصافيا وصفا لهما الزمان وخلا الجو، فاجتمعا وطفقا يتشاكيان لا يزعجهما رقيب، ولا يخامر قلبيهما شك أو غيرة. تلك هي الجنة لولا ما ينتابها من القصر، أو يعرض لأصحابها من طوارق الحدثان.
فلما رأت جهان حبيبها واقفا لاستقبالها هشت له ومدت يدها لمصافحته، فمد يده وقبض على كفها وقلبه يضحك وعيناه تبرقان. وإذا كان، وهو الشجاع الباسل الذي لا يهاب مواقف القتال، قد ارتعد واضطرب. فكيف يكون شأنها وهي مهما تبلغ من رباطة الجأش والتعقل لا تخرج عن طبيعة المرأة الحساسة!
وبدأ ضرغام الكلام فقال: «لقد أطلت الغيبة عليك يا سيدتي.»
فنزعت يدها من يده ونظرت في عينيه نظرة المحب العاتب وقالت: «لا تقل سيدتي بل ...» وتشاغلت عن إتمام الكلام بالقعود وهي تدعوه إليه، فقعد كل منهما على كرسي، وأدرك هو مرادها فقال: «كيف لا أدعوك سيدتي وأنت جهان عروس فرغانة وبنت المرزبان، وأنا ضرغام اليتيم ابن آفتاب الأرملة المسكينة؟!»
فقطعت كلامه قائلة: «بل أنت سيدي ومولاي. ليس لأنك رئيس حرس الملك أو قائد جند الخليفة، ولكن لأنك شهم نبيل باسل. بل إن هذا أيضا لا يزيدك رفعة في عيني. إني أشعر بشيء آخر يعجزني التعبير عنه؛ أشعر بسلطة لك علي، إذا لم تسعفني بالتعبير عنها كنت حزينة بائسة!» قالت ذلك وتوردت وجنتاها وغلب الحياء عليها، فعلم أنها تعني الحب وأن الحياء يمنعها من التصريح فقال: «إن العامل الذي تحسبين ضرغاما المسكين أصبح به سيدا قد جعل الأميرة جهان معبودة فأنا عبدها الخاضع المطيع.»
فقالت: «قلت لك إني عاجزة عن أداء ما في خاطري أو بيان أسبابه، وإنما أعلم أن منزلتك عندي لا تعلوها منزلة أحد على وجه هذه البسيطة. ويهمني الآن ألا نضيع الوقت سدى؛ إذ أخشى أن يأتي الموبذ فيدعوني أبي إليه.»
Shafi da ba'a sani ba