فتفرست في عينيه وقالت: «إن الأفشين يخدعك ليكسب المال؛ لأنك إن لم تقم لحرب المسلمين لا يبقى له باب للارتزاق، أما المازيار صاحب طبرستان فقد يكون أخلص طوية ولكنه لا شأن له في عملك. فإذا شئت أن أجيبك إلى ما طلبته مني فلا أريد لك أن تكون مخدوعا تحارب برجالك فإذا فزت طالبك الأفشين بحق الشركة وإذا هزمت استفاد من هزيمتك.»
فانتبه بابك كأنه هب من رقاد، ورآها قد أزالت غشاوة عن عينيه، وشعر بسلطانها عليه فقال: «بورك فيك. نعم الرأي رأيك. لا شك أن الأفشين مداج.»
قالت: «فمثلك يجب أن يكون صاحب الأمر وإليه المرجع لا شريك له يقاسمه ولا منازع ينازعه. فإذا رأيت ذلك كنت أنا عونك في سراء السلم وضراء الحرب، على ألا يتم زواج بيننا إلا بعد الفراغ من هذه الحرب، وعند ذلك أفخر بأني حظيت بأكبر رجل في فارس.»
فتوقدت حماسة بابك وقال: «ولكن قولي قبل كل شيء. هل تحبينني منذ الآن؟»
وقالت وفي شفتيها ابتسامة الظفر: «ومتى كان الحب يهمك؟»
قال: «عندما وجدت المرأة التي تستحق محبتي، فأرجو أن أستحق محبتها. فهل تحبينني؟»
فأمسكت نفسها لحظة ثم قالت : «نعم ... لا ...». ولم يطاوعها لسانها فقالت: «أحبك محبة الأخ حتى تفرغ من هذه الحرب.»
قال: «يكفيني ذلك يا جهان.»
فاستدركت وقالت: «وأرجو ألا يعرفني الناس بهذا الاسم؛ لأني قد أخطب في الجند وربما شاع ذكري، فلا أحب أن يعرفني الأفشين أو غيره. فليكن اسمي منذ الآن جلنار.»
قال: «اتفقنا يا جلنار.» وشعر لساعته براحة ولذة فكأنه انتقل من زمرة الأشرار الفاسقين إلى صحبة الأبرار المحبين. وليس من حافز على هذا الانقلاب الخير إلا نعمة الحب الصادق، فإنه لم يكن يعرف من اللذة إلا الانغماس في شهوات الجسد، ولم يذق طعم الحب العذري المتبادل بينه وبين فتاة تملك قلبه وتملأ عينيه ... فتبدلت حاله وعادت إليه أريحيته وأصبح منقادا لجهان لا يقطع أمرا إلا برأيها ولم يعرفها أهل البذ إلا باسم «جلنار»؛ لأنهم لم يكونوا قد عرفوها من قبل.
Shafi da ba'a sani ba