فقال البك: «ثمانية أعوام، أو قاربت على تسعة أعوام.»
فهز الشاب رأسه غير مصدق. «لن تكف عن إدهاشي أبدا يا منصف بك.»
ثم نهض عن المائدة، واضعا القط تحت قدم إلينورا. لم تكن لعبتهما قد انتهت بعد، ولكن لم يبد على أحدهما أنه يهتم.
قال الشاب وهو يخلع قبعة التدخين: «سوف يقابلك صديقنا بعد ظهر الغد في طريق لو بيتي شون دو مورت.»
فهز البك رأسه وسلم له مظروفا عبر المائدة. ودون أن يتفوه الشاب بكلمة أخرى، وضعه في جيبه وغادر الحديقة.
بعد أن رحل الشاب انتهت إلينورا من احتساء الشاي، ولعبت الطاولة بضع مرات مع منصف بك. لم تتوجه إليه بأي سؤال عن ذلك الشاب الغريب، ولم تسأل لم كان اسم الكاهن مكتوبا في مفكرته، ولم تسأل أيضا عمن سيقابله البك في طريق لو بيتي شون دو مورت. لم تسأل عن أي شيء، رغم أنها تعجبت من أمور كثيرة. تساءلت تحديدا عما إذا كان ثمة صلة بين الشاب والورقة التي أراها إياها الكاهن، تلك الحروف اليونانية التي تقول: «الأربعاء فترة الظهيرة، خلف مقهى أوروبا.» لم يكن اليوم هو الأربعاء، ولكنهما كانا خلف مقهى أوروبا. ربما تكون ثمة صلة بالفعل. فبقدر ما كانت تفهم عن العالم وتدرك الكثير، كان ثمة الكثير من الأمور التي لم تكن تفهمها.
انحنت إلينورا كي تداعب القط الذي كان يذرع المكان جيئة وذهابا عند قدميها، ونظرت في عينيه. كانت عيناه باردتين كحال القطط عادة، ولكن ثمة شيء غريب في سلوكه، وفي الطريقة التي يقفز بها إلى حجرها ويموء لذلك الهدف. بدا الأمر كما لو كان القط يستحثها على أن تتوقف عن الأسئلة، وأن تدع القلق وتنسى نفسها في فرائه الأبيض الناصع.
الفصل الرابع عشر
وضع أمير المؤمنين جلالة السلطان عبد الحميد الثاني كتابه جانبا، وحدق في المدخل المكسو بالقرميد الأخضر لجناح والدته. كانت ساحة جناحها هادئة على غير العادة، وثمة جارية شابة تتمرن على استخدام الكمان في محراب بين عمودين، والماء يصدر خريرا عبر فوهة النافورة الرخامية التي تتوسط الساحة. وبينما كان السلطان يشاهد الماء وهو ينسكب على جانب الحوض العلوي، حط هدهد يجمع بين اللونين الأبيض والأرجواني على حافته وارتشف جرعة ماء، ثم حلق بعيدا. كانت ألوان الطائر نفسها التي رآها منذ بضعة أشهر، أو ربما كان الطائر نفسه. على أي حال، لم يكن هذا اللون مألوفا على الإطلاق.
رمق السلطان والدته، وحاول أن يقرأ بضع صفحات أخرى من كتابه، وهو رواية بوليسية إنجليزية بعنوان «ذات الرداء الأبيض»، ولكن قرقرة معدته أفسدت تركيزه. كان اليوم هو الثاني من رمضان فحسب، ولكن الجوع كان قد أضناه بالفعل على نحو لا يحتمل. ضحك عبد الحميد بينه وبين نفسه ساخرا من المفارقة، فها هو خليفة المسلمين وخادم الحرمين، ولكن معدته تقرقر جوعا في رمضان كأي شخص عادي. بالفعل، فإن ما ورد في سورة مريم صحيح:
Shafi da ba'a sani ba