صمت يعقوب للحظة وهو يحدق في فوهة الغليون.
قال: «لقد ذكرتها، ولكنني لم أخبرك بأي شيء عنها.»
رشف جيمس رشفة من النبيذ ورفع حاجبيه.
توقف يعقوب للحظات وهو ينظر ليده، ثم قال: «إن إلينورا ... إذا قابلتها فسوف تعلم على الفور. يمكنك أن تطلق عليها عبقرية أو موهوبة، فلست أعلم ما الكلمة الصحيحة التي تصفها.»
انحنى الكاهن مولر إلى الأمام واتكأ بمرفقيه على ركبتيه. كان قد قابل العديد من الأطفال الاستثنائيين على مدار سنوات عمله، أطفال تعلموا القراءة مبكرا والقيام بعمليات حسابية صعبة في رءوسهم، أو أطفال يعتادون اللغات الأجنبية بسهولة. وكان الموضوع مشوقا من الناحية الاحترافية والشخصية، وكان قد فكر مرارا في جمع كتيب عن الأشخاص العباقرة عبر التاريخ. ولكن معظم الأطفال الذين قابلهم لم يكونوا عباقرة، على الأقل ليسوا على شاكلة بنتام أو مندلسون أو ميل. «قلت من قبل إنك التحقت بالجامعة في سن السادسة عشرة؟»
قال جيمس: «نعم، قبيل عيد ميلادي السابع عشر.» «أعتقد أنه بالتدريب والتوجيه المناسبين قد تتمكن إلينورا من الالتحاق بالجامعة خلال عامين أو ربما ثلاثة أعوام. لست أرغب في ذلك، ولكنني أعتقد أن ذلك بوسعها.» «كم عمرها؟» «لقد أتمت عامها الثامن في شهر أغسطس.» «هذا مذهل بالفعل.»
كان جيمس يثق في رفيقه في الغرفة؛ فقد كان رجلا صادقا لا يحب المظاهر أو الغرور، ولكن يصعب تصديق تلك المزاعم دون الشك فيها. تحدثا طويلا عن إنجازات إلينورا المتعددة، وعن الدروس التي أعدها لها يعقوب، ومخاوف روكساندرا بشأن مستقبل الطفلة، بالإضافة إلى مخاوفها من رد فعل أهل المدينة إذا علموا بأمر قدرات إلينورا. فعل جيمس ما بوسعه كي يساند صديقه، ولكن رغم أنه كان يرغب في تصديقه، فإنه لم يتمالك نفسه أن يعبر عن بعض الشكوك التي تراوده. وفي كل مرة كان يفعل ذلك، كان يعقوب يأخذ نفسا عميقا من غليونه وينفثه وهو يهز رأسه.
قال: «لو أنك قابلتها، لخبرت ذلك في لحظة.»
الفصل السادس
حدقت إلينورا إلى السواد، حيث يحيط بها من كلا الجانبين ظلام مخملي شائك، وقد ثنت ركبتيها وعقدت ذراعيها أمام صدرها دون قدرة على تحريكهما، ولم تستطع حتى أن تميز جدران الصندوق الذي كانت محبوسة داخله. وفي مكان ما في أعماق السفينة، ارتفع صوت طقطقة المحرك البخاري وصريره، ثم أصبح ضجيجا مرتفعا، ثم هدأ مرة أخرى كما لو كان عملاقا متململا يغط أثناء نومه في كهفه. وكان يعلو شفتيها مذاق أحماض المعدة وتراب الفحم. وتنامى ألم كالوخز بالإبر أسفل عظم كتفها، وارتعشت عضلات فخذها في قلق كما لو كانت فراشات محبوسة تحت الجلد. شعرت إلينورا وهي تحرك أصابعها بألم جديد ينتشر من عند الكتف، فأغلقت عينيها من الألم وازدردت لعابها ذا المذاق المر. لم تكن قد تناولت شيئا منذ ظهر اليوم السابق، وكانت المؤن التي أحضرتها معها بعيدة عن متناول يدها خلف كاحليها المثنيين. لو أنها تمكنت من الحركة وتغيير وضعها إلى وضع جديد، فسوف تتمكن من تخفيف الألم في ظهرها، وقد تجد نفسها على مسافة ذراع من المؤن. لوت ذراعها اليسرى للخارج جاذبة إياها من تحت قفصها الصدري وهي تزفر، ومالت بكتفها في المساحة الخالية المتبقية. ولكن من هذا الوضع الجديد، كان أقصى ما تستطيع القيام به هو ترنح يائس إلى وضع أكثر مشقة. وفي نهاية الأمر، كان من حسن حظها أن تمكنت من العودة إلى وضع الجنين الأصلي.
Shafi da ba'a sani ba