87

الرحمن ، ومن شرب منها بفرط الحرص لإبغاء الغفلة قوة للمعصية ، يضل عن سبيل الرشاد ، ولا يملأ جوفه منه أبدا حتى يدخل إلى النيران ، وضرب الله تعالى أيضا هذا المثل في قصتهم لينظر الناظر فيه بعين الاعتبار ولاقتباس الأنوار ( فلما فصل طالوت بالجنود ) الطالوت هنا الروح ، وهي ملك الباطن ، ومثل داوود نبي الله عليه السلام العقل وجنوده القلب وملك الهام والعلم والفهم والإدراك والخواض ، ومثل جالوت عدو الله الشيطان وجنده خيل الخيال وأعوان الشهوات ، فأمر الله تعالى الروح بالمحاربة معه اختبارا للنفس الأمارة ، فلما فصلت الروح بجنودها ، ( قال إن الله مبتليكم بنهر ) يعني نهر الشهوة الذي تشرب منه النفس بكأس الغفلة ، وأضافت إليهم الشرب ؛ لأن الروح مقدسة عن رجس البشرية ، ( فمن شرب منه فليس مني ) أي : ليس من عالم الروحانيات ، وليس من أهل المكاشفة الصفات ، ( ومن لم يطعمه فإنه مني ) أي : من نور القدس وعالم الأنس ، ( إلا من اغترف غرفة بيده ) (1) أي : القلب والحواس والنفس يغترفون بقدر الترفة حتى لم يحترفوا في جوار الروح بنيران المحبة والمواجيد التي يحصل منه نور المعرفة ، ( فشربوا منه ) يعني النفس وأعوانها ؛ لأنهم من ملكوت الأرض ، لأجل ذلك مالوا إلى طعمة الطبيعية ، ( إلا قليلا منهم ) أي : العقل والملك ؛ لأنهما من ملكوت السماء وليس لها إلا لذة التربية ، أما شرب القلب قدر الكفاية ؛ لأنه ممزوج بخلاصة الجسم ، ( فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه ) أي : الروح والعقل والملك والقلب والحواس ، ( قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله ) أي : بقول أعيان الروح الذين يوقنون كشف العيان بعد مجاهدة الشيطان ، ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) كم من فئة قليلة بالعدد معها نور اليقين ، ( غلبت فئة كثيرة ) التي ليس معها النصر من عند الله ، ( والله مع الصابرين ) الذين وقفوا على مراد الحق بنعت الرضا والتسليم ورؤية كرمه القديم وتسليمهم من مباشرتهم حظ مشاهدة الحق.

( ولما برزوا لجالوت وجنوده ) أي : برز الروح وجندها للشيطان وجنده ، ( قالوا ) أي : الذي عاينوا بنور الإيمان جمال المشاهدة ، ( ربنا أفرغ علينا صبرا ) أي :

Shafi 97