Carais Bayan
عرائس البيان في حقائق القرآن
Nau'ikan
أي : ومن المدعين من يعجبك طاماته ومزخرفاته ، وما كان بخلاف خاطره ، وأخبر تعالى نبيه عليه السلام أن قوما يأتونك ويتكلفون في دقائق الكلام ، ويظهرون خصائص الأحوال والكرامات التي كانوا يسمعونها من أهل المعرفة ، ويتوقون في الإشارات والغوامض من العلوم ، وهم بمعزل عن حقائقها ، هؤلاء فراعنة الضلالة ، لسانهم لسان الأنبياء ، وقلوبهم قلوب الذباب ؛ لأن الله تعالى سلب نور الإيمان عن قلوبهم ، وألبس بسط الكلام ألسنتهم ، ليس لهم في مقامات الأصفياء نصيب ، ولا لهم في أغصان أشجار معارفهم وكواشفهم نصيب ، ولا على قولهم اعتماد ، ولا على عهدهم اتكال ، صرف الله وجوههم عن قبلة الحقيقة ، ومنعهم عن ملاحظة حق الشريعة ، وأقفل أبواب قلوبهم بختم الضلالة ، وحجبهم عن إدراك أنوار البصيرة حتى ليس في جرابهم من معنى الحقيقة معنى ، ولهم في كل محفل من الأباطيل دعوى ، فالواجب على السالكين الإعراض عن مجالستهم ؛ لأنهم أعداء الله ، وأعداء أوليائه حتى سلموا من شؤم مذهبهم ، وقبح مقالتهم ، وهؤلاء أهل البدع والأهواء ، يفتنون هذه الأمة ، ويحجزهم عن طريق الحق ، وينكرون أهل الإصابة ، ويغرون أهل الإرادة ، ويصدونهم عن الطريقة ، والله يشهد أنهم لكاذبون في دعواهم ، يتلذذون في محاوراتهم مع الصديقين بأسوأ المخاطبات ، يغري الخلق رونق لباسهم ، وزينة هيئتهم ، ويجذبون قلوب الناس بحلو كلامهم ، واصفرار وجوههم ، واقصرار أكمامهم ، وانتفاخ أقدامهم ، ليضعوا أقدامهم على أعناق الأنام ، ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم ).
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري : الإشارة إلى أهل الظاهر الذين لم يساعدهم أنوار البصيرة ، فهم مربوطون بأحكام الظاهر ، لا لعبرة بهذا الحديث إيمان ، ولا لهذه الجملة استبصاره ، فالواجب صون الأسرار عنهم.
( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ) فأخبر سبحانه أن هؤلاء القوم إذا خرجوا بزينة الأبرار والأتقياء ، لصرف وجوه الناس إليهم ، شدوا أوساطهم في جذب الأموال ، وجر المنافع حتى فاقوا على الناس كلهم ، فإذا خلوا إلى أهل العزة والفتنة ، ألقوا بذر الكفر والنفاق والأهواء المختلفة في قلوبهم ، وحصدوا زرع الإيمان عن صدور ضعفاء المريدين ، وقطعوا وسيلة الألف من بين السالكين في الله ، ( والله لا يحب الفساد ) الإشارة فيه أي إذا كان لا يحب الفساد لا ينصر أهله ويخذلهم في كل مواطن حتى لا يطيقوا أن يطفئوا نور الله بأفواه الضلالة عن سرج قلوب المؤمنين.
( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) أي : إذا قيل لهؤلاء المفسدين المدعين اتقوا الله ولا تظهر خلاف ما تضمرون عن أمر ربهم ، واستكبروا وتجبروا وأكثروا فسادهم ؛
Shafi 84