لا تكون إلا من رؤية أبصار بصائرهم أنوار غيب الغيب ، وترائي الغيب لا يكون للروح الناطقة ؛ إلا بعد أن يؤيدها الحق بتبيين البراهين ، واستكشافه حقائق الاستدلال ، بشهود الحال رؤية المدلول ، واستحكام أنوار البصيرة ، فإذا كملت هذه الأوصاف للروح ، أبصرت صفاء صحارى الغيب ، وتمكنت تحت ركوم أنوار اليقين ، وسناء قدس الحق ، بنعت بروزه في لباس حق اليقين ، وحقيقة حق اليقين لا تحصل بالتحقيق ؛ إلا بعد انسلاخ السر عن الاستشهاد والاستدلال.
فإذا فرغ منها أوصله التأييد إلى مراتب الكشوف ، وإيضاح الفرقان ، وأورده لصدق تحقيق رؤية الغيب ، ساحات استبصار عيون النفوس ، واستغنائه بما أنس من عجائب جلال المشهود من سيرانه في عالم الشواهد.
وإذا عاين مكشوفات الغيب ببصر العرفان ، دخل في جوف إيواء عز الحق ، وإغناء الحق بلوائح البيان عن طلب المشاهدة ، بالفكر في الحدثان.
وتطلع له شموس أسرار أنوار القدم ، وتخلصه بجمالها عن اقتباس مصابيح البراهين.
وإذا برق السر بهذه المعاني ، أشرق له حق الغيب بأوصافه ، فصار السر والغيب متحدين ، ويكون السر غيبا بعينه ، والغيب سرا بعينه ، فيغيب السر في الغيب ، والغيب في السر.
وتحصيل هذا العلم أن : الغيب يصير أهلا للسر ، لا يحوي فوءه عنه أبدا ، وصاحبه في كل حال شاهد المشاهدة يرى في جميع الأنفاس عالم الملكوت ، وعالم الجبروت ، وهذه صفة قلب محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال الشبلي : لما صفت أرواحهم ، وأشرفت همومهم ، أشرفوا على أسرار الغيب بعظم أمانيهم.
وقال بعضهم : الذين تصدق نفوسهم أرواحهم ؛ بما أدت إليهم من خير ما شاهدته قلوبهم ، بما غيب عن نفوسهم.
( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10) وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11) ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12) وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13) وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن (14) الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون (15) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت
Shafi 29