Larabci Tsakanin Al'adu Biyu
عربي بين ثقافتين
Nau'ikan
وقد يقال لي هنا: إنك قد جئت لنا بمثلين لا ينتميان إلى بحر فكري واحد، ولذلك لم يعد يجوز أن تقارن بينهما على نحو ما فعلت الآن؛ فقد كان المثل الأول الخاص بالصراع الطبقي وما ينتج عنه من النوع الذي يدركه رجال الفكر بالبصيرة الاجتماعية، وهو نوع قد تجد من الناس من يملك بصيرة تدرك حقائقه، في حين لا يملك آخرون مثل تلك البصيرة، فلا يدركون من تلك الحقائق شيئا؛ ومن ثم يقع بين الفريقين اختلاف في الرأي، اختلاف لا سبيل إلى حسمه. وأما المثل الثاني الخاص بالصحراء وزرعها، فالفصل فيه بين خطأ وصواب، مرجعه إلى التطبيق العملي؛ ولذلك فهو أدخل في باب العلوم الزراعية التي هي فرع من العلوم الطبيعية. أقول إنه ربما أقيم هذا الاعتراض على المثلين اللذين قدمتهما لأوضح بهما الفرق بين حالتين من حالات «الفكر»، فيحسن بنا - إذن - أن نسوق مثلين آخرين يقعان معا في بحر فكري واحد لتسهل المقارنة. وليكن المثل الأول الذي نوضح به الحالة الأولى، هو أن يبدأ المفكر الإصلاحي عمليته الفكرية من الفكرة القائلة بوجوب طلب العلم من المهد إلى اللحد، وهو قول قديم فيه كثير جدا من الصواب في توجيه الإنسان في مجال التعليم، وله في الفكر التربوي المعاصر قرين يشبهه كل الشبه إذ يقول علماء التربية اليوم بوجوب التعليم الذي يدوم مع المتعلم طول حياته، بعد أن كان الظن هو أن تنتهي العملية التعليمية بانتهاء الأشواط الدراسية في المعاهد أو الجامعات. ولنجعل مثلنا الثاني الذي نوضح به الحالة الفكرية الثانية هو أن يطلب من وزير التعليم إعادة النظر في نظم التعليم القائمة لإصلاحها؛ بحيث تخرج للأمة مواطنين في مقدورهم دفع الوطن إلى الأمام دفعة حضارية يلحق بها عصره وما يقتضيه.
فانظر مليا إلى هذين المثلين المتقاربين في الهدف، ولكنهما يختلفان اختلافا بعيدا في منطق التفكير الذي يتطلبه كل منهما، وهو الاختلاف الذي أسلفت لك عنه القول بأنك إذا أمسكت به، فقد أمسكت بخصيصة قد تكون هي المسئولة عن قدر كبير من وجوه التخلف في الفكر العربي المعاصر، فأما المثل الذي ضربناه للحالة الأولى، فالفكر فيه يبدأ من «مبدأ» يفترض فيه الصواب، بحيث يكون مفهوما للمتكلم والسامع معا. إنه ليس موضوعا للبحث والمناقشة والقبول والرفض، وإنما هو «مبدأ» يبدأ منه التفكير ثم يسير سيره المنهجي نحو ما قد يتكشف له من نتائج تنبثق له من ينبوع ذلك «المبدأ» الذي اتفقنا بادئ ذي بدء أنه مأخوذ مأخذ التسليم، ولكن ما هو السير المنهجي الذي أشرنا إليه، والذي ينظم للعملية الفكرية خطواتها في مثل هذه الحالة؟ إنه منهج التوليد، توليد المعاني بعضها من بعض، أو هو - منهج الاستنباط - الذي يعتصر «المبدأ» السالف اعتصارا ليستخرج منه ما أمكن استخراجه من عصير. وما دام «المبدأ» نفسه مقطوعا بصوابه، فكل نتيجة تعتصر منه تصبح بدورها مثله مقطوعا بصوابها، كأن يقول المفكر لنفسه: إنه ما دام «المبدأ» هو «اطلب العلم من المهد إلى اللحد»، إذن ما يعد علما هو كلام موجود بالفعل هنا أو هناك، في هذا الكتاب أو ذاك، أو هو شيء محفوظ في الذاكرات، ويجب البحث عن حفظته أينما كانوا ل «نطلب» ما عندهم منه، وهو سعي لا ينقطع من لحظة الميلاد إلى لحظة الموت؛ فالطفل منذ ولادته يبدأ في تجميع المعلومات ممن حوله، ليعلم كيف يتكلم، وماذا يأكل، وعلى أي نحو تكون ثيابه. ويكبر قليلا قليلا منتهيا من مرحلة عمرية وبادئا مرحلة عمرية أخرى، فلا يكف في كل مرحلة عن «الطلب» باحثا عن المعلومات المطلوبة في مظانها. وهي - كما ترى - سيرة يعتمد فيها الأصغر سنا والأقل خبرة، على من هو أكبر سنا وأكثر خبرة؛ ومن هنا تنبع أخلاقيات ضرورية تقنن للصغار كيف يسلكون إزاء الكبار ... إلخ؛ فنحن أمام بناء فكري لا إبداع فيه، ولا جديد فيه؛ لأن الطاقة الفكرية كلها منصبة على «مبدأ» مسلم بصوابه منذ البداية، وعليها أن تستخرج من البئر ماءها، ما وسع دلاءها أن تخرج من ذلك الماء الكامن في مخبئه.
وننتقل إلى المثل الثاني الذي يوضح الحالة الثانية، وهي أن يهم وزير التعليم مع من يعاونه، بإصلاح النظام التعليمي بحيث يخرج لنا شبابا من طراز جديد مرغوب فيه، فها هنا تتغير أمام المفكر نقطة البدء عما كانت عليه في الحالة السابقة، كما تتغير خطوات السير؛ فلسنا هنا أمام «مبدأ » موروث، قبلناه قبول التسليم، بل نحن أمام وضع معين لنظام تعليمي معين، يراد إعادة النظر فيه، لنبقي على ما نبقي منه، ونغير منه ما لا بد له أن يتغير ونحذف منه ما يرى وجوب حذفه، ونضيف إليه ما نرى ضرورة إضافته؛ أي إنه ليس في الوضع التعليمي القائم ما نسلم له مقدما بضرورة البقاء، كلا، ولا فيه ما نسلم مقدما بضرورة إلغائه؛ فالبدء مختلف - كما ترى - عن البدء الذي رأيناه في الحالة الأولى. ودقق النظر في جوهر الاختلاف بين الموقفين، تجد أنه بينما كان ما نبدأ به في الحالة الأولى هو قول ورثناه، نرى أن ما نبدأ به في الحالة الثانية هو صورة للمواطن الجديد كما نريد له أن يكون فيما يستقبل من السنين. وهكذا كان «الماضي» هو ينبوع المعرفة في الحالة الأولى، وأصبح ينبوعها في الحالة الثانية مستقبلا لم يولد بعد ونريد أن نمهد لولادته، ويكون ذلك التمهيد بتحليل الوضع التعليمي الراهن، تحليلا نقارن به العناصر القائمة عنصرا عنصرا، بالهدف المنشود، الذي هو المواطن في صورته الجديدة التي نسعى إلى إيجادها بعد أن لم تكن موجودة، وبهذا التحليل والمقارنة نعلم ماذا نحذف، وماذا نضيف؟
إنهما وقفتان مختلفتان اختلافا بعيدا، ولم نقصد بالأمثلة السابقة إلا توضيحا بسيطا ميسرا لما تختلف به حياة علمية نحياها بالفعل، عن حياة علمية من طراز آخر نود لو عرفنا كيف ننشئها لنحياها؛ فليس الأمر مقصورا على أننا نغترف من تراثنا أفكارا مبدئية نأخذها مأخذ التسليم، ثم نحصر نشاطنا الفكري على توليد مضامينها، بل إننا لنوسع في هذا المدى، لنبلغ به حدوده القصوى، وذلك بأن ننقل عن العصر الجديد أفكاره، كذلك لتكون هي المادة التي تدرس في معاهدنا وجامعاتنا، ولا ضير في ذلك؛ لأن «العلوم» كلها تقريبا هي اليوم من صنع غيرنا، ولا خيار لنا في أمرها إلا أن ننقلها إلى طلابنا، لكن الضير كل الضير يكمن في أن ننهج نحوها نفس النهج الذي نلتزمه في مجال الفكر الموروث، وأعني أن نقف من المنقول الفكري موقف التسليم؛ ولذلك جاءت العملية التعليمية كلها على أيدينا وكأنها عملية تحفيظ وحفظ لمسلمات لا مجال فيها للمراجعة والسؤال.
وقد تقول: وماذا تريدنا أن نصنع بحقيقة علمية ثبت صوابها نظرا وتطبيقا، إلا أن نعرفها؟ إنه إذا جاز لمجادل أن يجادل في مجالات الآراء والظنون، فلا محل للمجادلة في علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء وما إليها. قد تقول هذا على سبيل الاعتراض لكنك بهذا القول لم تذكر من حقيقة الموقف التعليمي إلا نصفها؛ فالعملية التعليمية «مادة» و«طريقة»، فأما المادة العلمية ذاتها، في علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها من علوم، لا مجادلة فيما صح منها كما قلت، ويبقى بعد ذلك السؤال المهم، وهو: كيف يوصل المعلم إلى المتعلم تلك الحقائق العلمية التي ثبت صوابها نظرا وتطبيقا؟ ولا فرق في هذا السؤال المهم بين مرحلة ومرحلة من مراحل التعليم، من المدرسة الابتدائية إلى كليات الجامعة. أما ما نحن صانعوه اليوم، فهو أن نقدم إلى الطالب نصوصا تحمل المواد العلمية المطلوب دراستها، على اعتقاد راسخ عند المعلم والمتعلم معا، بأن المطلوب هو الإلمام بما قد حملته تلك النصوص، ومضمار التفاوت بين طالب وطالب، بل بين أستاذ وطالب، ينحصر في «كم» حفظ الدارس من ذلك المحتوى؟ والأكثر حفظا هو الأعلى درجة في سلم العلماء.
ذلك هو ما نحو صانعوه الآن، أما الذي كان ينبغي لنا أن نصنعه، فهو أن يتلقى الدارس الحقيقة العلمية المعنية مقرونة بطريقة اكتشافها، وبمقدار ما استطعناه في هذا السبيل. يتخرج الدارس وقد أضاف إلى المادة العلمية طرائق الوصول إليها، ومن شأن ذلك أن يخرج الدارس ومعه منهج العلماء، ليس فقط فيما قد تلقاه من حقائق العلم، بل فيما عساه ينشأ من مواقف يستشكل علينا حلها. ولعل هذا الفارق الجوهري بين دارس يحفظ مادته العلمية، ودارس آخر ألم بالمنهج الذي يؤدي إلى كشف تلك المادة العلمية، هو الذي يفسر لنا ظاهرة شائعة بيننا شيوعا جعلها تبدو لنا وكأنها جزء لا يتجزأ من طبائع الأمور، وهي أن تفاجئنا مشكلات يعجز عن حلها علماؤنا، فنستوفد لحلها «خبراء أجانب» وتسأل: أين تلقى هؤلاء «الخبراء الأجانب» تعليمهم، بحيث أصبح في مستطاعهم ما ليس في مستطاع علمائنا؟ ويجيئك الجواب الذي تعلم منه أن ما درسوه في مادة العلم هو نفسه ما درسه علماؤنا، فتسأل من جديد: ومن أين إذن جاء الفرق، الذي جعلهم يفرزون «الخبراء الأجانب» الذين يقدرون على ما قد عجز عنه علماؤنا؟ ولا جواب على سؤالك هذه المرة، سوى أن علماءنا «حفظوا» مادة علمية، فذهبوا معها في دنيا التطبيق إلى مداها، لكنهم لم يزودوا بالطريقة التي يلجئون إليها إذا ما أشكل عليهم أمر لا وجود له فيما حفظوه. وها هنا نجيء ب «الخبير الأجنبي» الذي أضاف إلى مادته العلمية طريقة الكشف عنها، فإذا ما استحدثت في مجاله العلمي أشكال لم ترد في المادة المحفوظة توسل إلى حلها بوسائل البحث العلمي.
ألم أقل لك إنه مثل واحد من حياتنا الفكرية يكفيك - إذا أطلت تدبره - لتقع على علة أولى بين علل أخرى، تفسر لك جانبا من التخلف العلمي الذي يصيب حياتنا في الوطن العربي. وتلك العلة الأولى هي أننا نصب طاقتنا الفكرية على فكر آخرين، وقلما نصب تلك الطاقة على «موضوع» بكر لم يسبقنا إلى بحثه أحد، وذلك لأننا - كما أسلفت القول مرارا - ندرب تدريبا جيدا على تناول النصوص العلمية التي تركها لنا سوانا، ولا فرق هنا بين أن يكون ذلك «السوى» من آبائنا نحن في ماضيهم المبدع، أو أن يكون من الغرباء؛ ففي كلتا الحالتين تئول إلينا نصوص، ندرسها أو ندرس ملخصاتها، وعلى أحسن الفروض نحاول استنباط ما يمكن استنباطه منها، لكن ذلك كله شيء، والتدرب على قراءة كتاب الطبيعة كما تتبدى في ظواهرها شيء آخر.
خشوعنا لما هو «مكتوب» آيا كان كاتبه، وأيا كان موضوعه، ومن أي عصر جاء، هو ظاهرة تلفت النظر، وقد استوقفت بالفعل أنظار غيرنا ممن يتابعون العربي في حياته الفكرية. وذهب بعض هؤلاء إلى حد الغلو في تعليلاته لهذا التوقير الذي يبلغ منا إلى حد الخشية الخاشعة أمام ما نصادفه مكتوبا، لا سيما إذا كان ذلك مما ينتمي إلى الماضي بسبب من الأسباب، فقال أحد المعلقين من أهل الغرب إن سر ذلك ربما يرجع إلى أن هذه المنطقة الجغرافية الشرق أوسطية، هي التي اخترعت أحرف الهجاء في الكتابة، فكان لها عند أهل المنطقة ما يشبه التقديس، فلما انتقلت فكرة الكتابة باستخدام الحروف ومركباتها من هذه المنطقة إلى اليونان الأقدمين، نظروا إليها نظرتهم إلى سلعة نافعة استوردوها من أصحابها ومبدعيها، فلم يشعروا إزاءها برهبة تمنعهم من الجرأة عليها تحليلا وتركيبا ورفضا وقبولا. هكذا قرأ هذا الكاتب لما كتبه أحد المعلقين من أهل الغرب على موقفنا نحن - أصحاب الاختراع - مما اخترعناه. وإن هذا الكاتب ليذكر جيدا كم أخذه الغيظ مما قرأ، متهما صاحب التعليق بالانحراف العقلي انحرافا مبعثه التعصب ولا شيء غير التعصب الذميم؛ فحتى حين يكون لنا الفضل على مستقبل الفكر الإنساني كله، باختراعنا لهذه الوسيلة العبقرية، التي تجعل الكتابة من بضعة حروف تفك وتركب، فتسع مركباتها اللامتناهية فكر الإنسان إلى يوم الدين، أقول إنه حتى ونحن نبتكر للدنيا هذه الوسيلة العبقرية يجيء مثل هذا المنحرف المتعصب فيبحث فيها عن ثغرة تشين أصحابها. كان هذا ما قاله هذا الكاتب قولة غاضب حين قرأ التعليل المذكور لرهبة العربي مما هو «مكتوب»، وها هو ذا الكاتب نفسه يجد الظاهرة تعترضه في مجرى تفكيره فيطلب لها التعليل، وإذا كان لا يزال على رفضه الغاضب لما قدمه من تعليل ذلك الرجل المنحرف المتعصب، فماذا إذن يراه الآن تعليلا يرضيه؟ إنها حقيقة لا أظنها منكورة من أحد، وأعني ما قد أسلفناه من أن العربي في يومنا هذا، حتى وهو في أعلى درجات القدرة الفكرية، لا يعرف أين يصب طاقته العقلية إلا أن يتجه بها نحو ما يتلقاه من أقوال الآخرين، وهؤلاء الآخرون يكونون مرة من أسلافنا نحن حين نقرأ شيئا مما خلفوه، ويكونون مرة أخرى من أبناء الغرب فيما ننقله عنهم مترجما؛ فهو في كلتا الحالتين يقف أمام «الفكرة» - جاءته من أولئك أم من هؤلاء - وكأنه قد وقف في محراب للصلاة، ولا يجد عنده من سبيل سوى أن يتجه بقوة فكره ليصبها على الفكرة المنقولة؛ أي إن أقصى ما عنده هو أن يسوق قولا يعلق به على قول جاءه من سواه. ولا ينفي هذا النوع الغريب من الشلل الفكري، أن يجعل المفكر العربي قوله نقدا يظهر به عيوب القول المنقول؛ لأنه سواء قبل أم رفض هذا الذي بين يديه، فهو على أي الحالتين تابع جعل وجوده الفكري مرهونا بوجود من سبقه إلى فكرة قدمها إليه، فكأنه قدم الغذاء الذي لولاه لهلك صاحبنا جوعا بكل ما حباه الله به من مواهب النقد والتحليل.
وإذا لم يكن موقفنا إزاء ما يجيء إلينا من فكر منقول عن ماضينا نحن مرة، أو عن ماضي الغرب وحاضره معا مرة أخرى، ضربا من الشلل العقلي الذي يصيبنا ونحن أمام نص مكتوب، فبماذا نصفه ونسميه؟ إن ما يظنه هذا الكاتب تعليلا مقبولا لهذه الظاهرة التي هي أن فكرنا منصب أغلبه على فكر جاءنا من سوانا، وقلما ينصب على موضوع خارجي بصورة مباشرة؛ كأن يتجه نحو ظاهر طبيعية يفسرها بقوانينها، أو نحو موقف اجتماعي أشكل علينا ونلتمس منه مخرجا، أقول إن الظن الذي يغلب على هذا الكاتب، هو أن موقفنا هذا في التوجه بفكرنا إلى فكر ابتدعه سوانا، إنما جاء نتيجة طبيعية لمنهج «الحفظ» الذي انتهجناه في حياتنا العقلية كلها، منذ أسدل التاريخ ستارا كثيفا على إبداعنا الفكري، وكان ذلك مع الفتح العثماني لبلادنا في أوائل القرن السادس عشر الميلادي؛ فمنذ ذلك الحين انطفأت فينا جذوة الإبداع فانقلبت الحركة العلمية بين أيدينا لتنحصر في تقليب ما قد مضى مما تركه السلف، نتناوله حفظا لنصوصه، أو حفظا لملخصاته، أو حفظا لشروحه. وامتد هذا الاجترار الفكري ثلاثة قرون، فلما جاءت أوروبا إلينا بعلمها الجديد في أول القرن التاسع عشر، واضطررنا إلى فتح مدارس ومعاهد ثم جامعات آخر الأمر؛ لتدريس هذا العلم الغربي الجديد، انتهجنا نحو هذا العلم الوافد، المنهج نفسه الذي كنا عندئذ نعالج به تراث أسلافنا، وأعني منهج «الحفظ»؛ فماذا يصنع الموهوب منا في حالة كهذه، سوى أن يتجه بمواهبه العقلية نحو ما ألقي إليه من السلف أو من أبناء العلم الجديد على حد سواء ، فيدير فكره حول فكرهم؟ وهكذا مضينا لا حيلة لنا في عالم التفكير إلا أن نعلق فكرا على فكر.
حياة قلقة
Shafi da ba'a sani ba